تنصل سوداني من التطبيع مع إسرائيل

عمار عوض
حجم الخط
0

العسكر يريدون تمديد نفوذهم في السلطة وينفذون سياسات دول الخليج

الخرطوم-“القدس العربي”:  ظن السودانيون انهم بعيدون عن ملف التطبيع مع إسرائيل بعد الأزمة الكبيرة التي خلفها لقاء رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في يوغندا الشهر  الماضي، إلى ان فتح الناطق باسم الخارجية السفير حيدر بدوي القضية مجددا بدعوته علنا للتطبيع وهو ما قاد لاعفائه من منصبه، قبل ان تفتح طائرة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الموضوع بشكل جدي من جديد عندما هبطت في مطار الخرطوم قادمة من العاصمة تل أبيب في أول سابقة لمسؤول أمريكي يزور السودان من جديد.

ووصف بومبيو الزيارة بعد انتهائها بالقول “زيارتي للخرطوم ممتازة، وأشكر نظرائي السودانيين على المناقشات الموضوعية” وزاد “اجتمعت مع رئيس مجلس السيادة السوداني الجنرال برهان لإعادة تأكيد دعم الولايات المتحدة للحكومة الانتقالية التي يقودها المدنيون ودعم العلاقات الثنائية بين إسرائيل والسودان”.

فيما أصدر مجلس الوزراء الذي يقوده عبد الله حمدوك بيانا عقب لقائه الوزير بومبيو أوضح من خلاله عدم تخويلهم لمناقشة التطبيق وفق البيان الذي جاء فيه “حول الطلب الأمريكي بتطبيع العلاقات مع إسرائيل أوضح رئيس الوزراء للوزير الأمريكي أن المرحلة الانتقالية في السودان يقودها تحالف عريض بأجندة محددة لاستكمال عملية الانتقال وتحقيق السلام والاستقرار في البلاد وصولا لقيام انتخابات حرة، ولا تملك الحكومة الانتقالية تفويضا يتعدى هذه المهام للتقرير بشأن التطبيع مع إسرائيل، وأن هذا الأمر يتم التقرير فيه بعد إكمال أجهزة الحكم الانتقالي” ودعا رئيس الوزراء الإدارة الأمريكية لـ”ضرورة الفصل بين عملية رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ومسألة التطبيع مع إسرائيل”.

وكانت تقارير صحافية سودانية أشارت إلى رفض أحزاب “الأمة والشيوعي والبعث” وهي أكثر الأحزاب تأثيرا داخل التحالف الحاكم رفضهم القاطع للتطبيع مع إسرائيل.

ليأتي الرد من أحد المسؤولين بالخارجية الأمريكية عندما قال لقناة “الحرة” إن الزيارة بحثت دعم الحكومة الانتقالية وقضايا التطبيع مع إسرائيل، لكنه قال “هناك بعض القوى السياسية اليسارية في السودان تهتم بالأيديولوجيا أكثر من اهتمامها برفاهية شعب السودان” مضيفا أن “لا شك في أن التطبيع مع إسرائيل سيتيح فرصا اقتصادية هائلة ووظائف لشعب السودان”.

مشيرا إلى ان الجولة التي تجريها الخارجية الأمريكية في المنطقة، هي من أجل الحوار بشأن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، قائلا: “نحن في المنطقة لاختبار وقياس مدى اهتمام الدول الأخرى في اتباع نهج الإمارات العربية المتحدة وهذه عملية دبلوماسية. لا ينبغي لأحد أن يتوقع اتفاق سلام بين عشية وضحاها. لم نقل أبدا إن هذا الأمر سيحدث غدا. وكنا سعداء جدًا بالمحادثات التي أجريناها مع القيادة السياسية في السودان”.

وتابع بالقول “نشهد تقدمًا تاريخيًا حقًا في بلد اشتهر منذ زمن بعيد بإيواء بن لادن والإرهاب المتنوع. دارفور والإبادة الجماعية وانخرط في هجمات إرهابية مختلفة” وأضاف “الآن لديك الشعب السوداني الذي يريد حقًا أن يقود حكومة مدنية وانتخابات حرة ونزيهة وقيادتهم تريد الشيء نفسه. لذا فهذه لحظة رائعة والسودان بصدد تحقيق إمكاناته والانفتاح على المجتمع الدولي ولدى ‎إسرائيل الكثير لتقدمه للسودان”. لافتاً إلى أن التطبيع مع إسرائيل سيتيح فرصًا اقتصادية هائلة ووظائف لشعب السودان، مشيراً إلى أن ‎السودان يريد الانفتاح، وأن السودان في طور الانفتاح على إسرائيل، منوهاً إلى مواصلة المحادثات في الأسابيع المقبلة.

وكان الحزب الشيوعي السوداني (أحد مكونات تحالف الحرية والتغيير الحاكم في السودان) هو الوحيد الذي أصدر بيانا مناوئا للتطبيع جاء فيه “أن الحزب الشيوعي ضد ما يجرى الآن في المنطقة من حروب وتخريب لتمرير ما سمي بصفقة القرن والتي يعلم الجميع ضلوع عدد من الدول العربية في مباركتها والعمل على تنفيذها والضغط على حكومة الفترة الانتقالية ودفعها للتطبيع”. وتابع “تواترت الأنباء مؤخرا عن اتصالات ولقاءات وخطوات في طريق التطبيع ينفيها البعض ويؤكدها الآخر ويصر الجانب الإسرائيلي على حدوثها وأن الشعب السوداني كان يتوقع من قادته الذين نصبهم في حكومة انتفاضته الباسلة الصدق والشفافية في قضايا تتعلق بمواقفه التاريخية التي استقر عليها وجدان الشعب بأسره” وزاد “وفي هذا الإطار يرفض الحزب الشيوعي مشروع صفقة القرن الأمريكية، كما يرفض ويدين بشدة التطبيع مع دولة إسرائيل ويطالب الحكومة بوقف وإلغاء كافة الإجراءات التي اتخذت بما فيها السماح للخطوط الجوية الإسرائيلية المرور عبر الأجواء السودانية وكشف وإلغاء أي اتفاقات جرت مع رئيس دولة إسرائيل لحين حصول الشعب الفلسطيني على الحل العادل لقضيته وتحقيق أمن شعوب المنطقة من الاعتداءات”.

فيما جاهرت حركة القوى الديمقراطية الجديدة “حق” (أحد مكونات التحالف الحاكم) وحيدة برأيها الداعم للتطبيع في بيان أكدت في مبتداه “موقفنا مبدئيا ينطلق من إيمان راسخ بتحرر الشعوب المقهورة واسترداد حقوقها التي توافقت عليها البشرية والشرعة الدولية وضمنتها المواثيق، وظلت القضية الفلسطينية في صدارة قضايا التضامن الإنساني، غير أننا في حركة حق نرى أن التضامن مع الشعوب المقهورة لن يجعلنا نفرط في مصلحة بلادنا انطلاقا من مواقف وثوقية أو مزايدة سياسية لذلك فإننا نرفض تماما رهن البلاد للمواقف الآيدولوجية يمينا أو يسارا”. وتابع البيان “اننا نثمن الجهود التي بذلتها الحكومة الانتقالية لفك العزلة عن السودان والعودة إلى المجتمع الدولي وفي هذا السياق فإننا في حركة حق ندعم أي وجهة تعضد من تلك الجهود ونرى أنه ينبغي أن نعمل بكد لرفع السودان من قائمة الإرهاب، وانطلاقا من ذلك فإننا نرحب بتطبيع العلاقات مع إسرائيل والمضي قدما في تعزيز مواقف بلادنا في الأسرة الدولية، ونؤكد أن تطبيع العلاقة مع إسرائيل لا يعني مطلقا تأييد أو قبول تعدياتها على الحقوق الفلسطينية المشروعة التي أقرتها الشرعة الدولية”.

فيما قال الصحافي السوداني خالد أحمد أحد المدافعين عن حرية التعبير لـ”القدس العربي”: “تحت الضغط الانتخابي في أمريكا وإسرائيل جاءت زيارة وزير الخارجية الأمريكي للمنطقة وكان يريد انتصارا سريعا في قضية التطبيع وفي ذلك كان السودان يمكن أن يعقد صفقة جيدة وسريعة” وأضاف “الفرصة التي ضاعت اليوم يمكن تعويضها حيث تخرج أخبار أن هناك ترتيبا لقمة عربية إسرائيلية برعاية أمريكية، وخلال هذه الفترة يمكن أن تعقد صفقة تكون بها مكاسب اقتصادية واضحة للبلد من الخروج من قائمة الاٍرهاب، وتأمين عملية تمويل وإعادة بناء قريب من مشروع مارشال والقوى السياسية التي ترفض الصفقة ليس لديها شيء تقدمه غير تعصب فكري ليس إلا، ويجب ان تكون مصلحة شعبنا فوق كل شيء والصفقة التي تعرض اليوم لن تكون متوفرة لفترة طويلة”.

وقال أحمد حسن من لجان المقاومة في امبدة وهو يقف أمام أحد الإطارات المحروقة احتجاجا على سياسات الحكومة الانتقالية لـ”القدس العربي”: “نحن نعلم أن العسكر غير جادين في أي شيء هم فقط يريدون تمديد نفوذهم والبقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة والنجاة من المحاسبة وهم في ذلك ينفذون سياسات دول الخليج التي يتبعونها بشكل أعمى ليس حبا فيهم ولكن من أجل البقاء في السلطة، لذا سعوا للتطبيع لتحقيق هذه الغاية” لكنه مع ذلك عاد وقال “أنا لست ضد إسرائيل أو التطبيع معها، وليس لدي أي موقف تجاهها لا سلبي ولا إيجابي ولو التطبيع سيحقق مصلحة اقتصادية للسودان مرحبا به ولكن بشرط ان يكون ذلك في ظل حكومة مدنية كاملة وديمقراطية وبموافقة من البرلمان، لكن التطبيع من أجل تمديد سلطة العسكر والهروب من العدالة هذا انا ضده”.

فيما قال الدكتور والباحث في الجامعات الأمريكية بكري الجاك “السودان لم يكن في حالة حرب مع إسرائيل بشكل مباشر في أي يوم من الأيام، وفي كل الأحوال هناك عملية تطبيع قد بدأت بلقاء البرهان رئيس مجلس السيادة برئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو قبل عدة أشهر”. وأضاف “السؤال الذي على دولة السودان الإجابة عليه بعيدا عن الدبلوماسية – ان شئت سمها الاستعباط السياسي- الواردة في بيان مجلس الوزراء حول مسألة محدودية تفويض الحكومة هو: هل بامكاننا الحصول على مقابل للتطبيع ومن ثم تطوير علاقات مع إسرائيل تخدم مصالحنا كمثال في مجال التقنية الزراعية التي تتفوق فيها إسرائيل على بقية دول العالم، أم سيأتي اليوم الذي سنسعى فيه إلى بناء هذه العلاقة كآخر الحاضرين إلى الطاولة ودون الحصول على أي مكاسب تذكر؟” وتابع قائلا “باختصار تصوير بناء أي علاقة خارجية مع أي دولة بما فيها إسرائيل وكانها مسألة تناقض ما بين المصالح والمبادئ هو فهم فيه اختزال وربما سذاجة سياسية، فأين هي المبادئ التي لا تتطابق أو تتقاطع مع المصالح إذا ما خرجنا بالأمر من ضيق صدور الأفراد وقناعاتهم إلى رحابة فضاء تطلعات الدول والشعوب؟”.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية