هذه سنوات القلق؛ فالشعب المصري قلق على مياه النيل، لأنه يدرك أن مصر فعلاً هبة النيل، وأن ما قيل رداً على هذه المقولة؛ من أنها هبة النيل والمصريين، ليس أكثر من نشيد من الأناشيد الحماسية، التي تستهدف دغدغة المشاعر الجياشة!
وأخيراً اعترف الجنرال بأن القلق حق مشروع لكل مواطن، وقال إنه يتابع مواقع التواصل الاجتماعي، ويقف على هذا القلق. ولم يقف عند حد تقنين الحق في القلق باعتباره من الحقوق اللصيقة بالإنسان، لكن قال وإنه قلق أيضاً.
أشاهد مصطفى الفقي بالصدفة، على قناة «دي إم سي مصر» ولا أعرف كم مرة في الأسبوع يستضيفه فيها شريف عامر، لكني مع هذا إذا شاهدته لا أنتقل إلى قناة أخرى، ولأنه كان في هذه الليلة، في اليوم الذي أعلن فيه فشل مفاوضات السد، فلم تكن الحلقة عن الماضي، كما هي العادة، ولكنها انصبت على الحاضر، فكان هذا موضوع النقاش معه، ورغم أنه كان قبل إعلان السيسي قال إنه قلق، إلا أن «الفقي» سبق وغامر وأعلن أنه قلق.
لا أعرف إن كان قد سبق لمصطفى الفقي أن تحدث في السابق، عن موقف مبارك من السد الإثيوبي؟ فقد رأيت من المناسب أن يتم ربط الماضي بالحاضر، لكن الفطنة لا تغيب عن الضيف والمضيف، وأي كلام يستدعي الماضي، وموقف مصر من مياه النيل والمخاطر التي تتهده، سيكشف الجنرال أمام العامة، ويتبدى ضعفه للناظرين، صحيح أن أزمة السد بدأت في عهد مبارك، لكن «الفقي» كان قد غادر القصر الرئاسي، وأقيل من وظيفة سكرتير الرئيس للمعلومات، ومجرد استدعاء التصريحات المعلنة لمبارك، سيتبين للمصريين، حجم الكارثة التي يعيشونها! ولم نملك يقيناً في أن الرئيس مبارك كان يملك خُطة للمواجهة، وتأكد لنا الأمر بشكل أكبر، عندما صرح وزير ريه الدكتور نصر الدين علام، إن ما يطمئنه هو اهتمام الرئيس شخصيا بموضوع السد، وأذكر يومئذ أنني كتبت أقول إن تصريح الوزير أقلقني، لأن معناه أنه لا خطة للمواجهة تستحق الإفصاح عنها. وإن كان قلق الماضي لا يقارن بالقلق الحالي، فحتى مصطفى الفقي افتقد دبلوماسيته هذه الليلة وكان غاضباً، ولم يقل ما قاله وزير ري مبارك ليسقطه على السيسي. ولئن يقلق الفقي، وهو مروج كبير لتفوق مصر في المستقبل بفضل الجنرال، فمن الطبيعي أن يقلق الشعب، لا سيما وأن السيسي أكد في اليوم التالي إنه قلق مثل كل المصريين.
وعندما يقول السيسي ذلك، فينبغي أن يعترف بأنه أدخل على المصريين الغش والتدليس من قبل، سواء بقصد أو بسوء قصد!
على ما يرام
فبعد فشل عشرات الجولات من المفاوضات، شارك بنفسه في جولة، وخرج من الاجتماع بصحبة الرئيس السوداني المعزول، ورئيس الوزراء الإثيوبي أيضا المعزول (بشرة خير) ليقول أمام الكاميرات: اطمئنوا. قالها مرتين أو ثلاثاً. ودارت كلمته القصيرة حول إن كل شيء على ما يرام!
ولم تكن هذه المرة الأولى التي يبيع لنا فيها الوهم، فعقب توقيعه على اتفاقية المبادئ، صدر إعلامه بالبنط العريض بعبارة: «السيسي حلها» ووصل الحال في إحدى صحفه إلى أن يكون «المانشيت» الخاص بعدد اليوم التالي، المتمدد على ثمانية أعمدة بعرض الصفحة: «يحيا السد»!
وعندما بدأت بعض الأصوات تحذر مما جرى لأن الاتفاقية تمنح موافقة مصر كتابة على بناء السد بدون قيد أو شرط، كان غاضباً وهو يطلب من المصريين ألا يتكلموا في هذا الموضوع مرة أخرى، ثم يقول لم أضيعكم من قبل لكي أضيعكم الآن. وكانت هذه العبارة «لم أضيعكم من قبل…» سبباً مضاعفاً لقلقي!
عندما شرعن لقلق المصريين وباعتباره قلقاً أيضاً، كان هذا في اليوم التالي لفشل المفاوضات، وقد تراجع عن تصريح سابق يتسم بالحماس؛ حيث أن حصة مصر التاريخية من مياه النيل خط أحمر، وأن من يريد أن يرى رد فعل مصر فليجرب، لأن المنطقة كلها ستتأثر بهذا الرد!
والحقيقة لم أفهم المقصود بتأثر المنطقة كلها، ودائما تكون المذكرة التفسيرية لخطابات السيسي المبهمة وعباراته غير المكتملة، عبر اعلامه في الليلة نفسها، والذي يتحرك كله وفق التوجيه المعنوي، ويدار عبر رسائل جهاز سامسونغ، كما تأكد للعالم كله بالصوت والصورة!
فلما جن الليل، لم يؤوب إعلامه معه في هذا الخطاب الحربي، فقد ترك أمره للذباب الإلكتروني، الذي غنى «والله زمان يا سلاحي» وانطلقت الدعاوى البلهاء من معسكرنا بضرورة الوقوف خلف السيسي وقد قرر أن يدخل الحرب من أجل الحفاظ على نهر النيل!
وكان تجاهل إعلامه للخطاب الحربي أحد الأدلة عندي على أن ما قاله هو تهديد للاستهلاك المحلي ليس أكثر، فضلا عن أننا علمنا منطق السيسي، ولله الحمد! الديهي يفسر ويهدد: بيد أن المذكرة التفسيرية لخطابيه كانت عبر المندوب السامي الإماراتي نشأت الديهي، الذي فسر أمراً مرتبط بخطابه الأول، وآخر خاصاً بخطابه الثاني! في الخطاب الأول، فسر مقولة تأثر المنطقة برد فعله، فقد تبين أن السيسي لم يقصد إعلان الحرب، لكن كان يستهدف النوم للعالم بالعرض، فينتوي أن يجنح كما جنحت سفينة قناة السويس فأوقفت الملاحة. قال نشأت الديهي، صاحب، ومدير، ومذيع، قناة «تن» الإماراتية، لن تتحمل القارة الأوروبية العجوز، مخاطر سد النهضة، لأنه سيترتب عليه جفاف وعطش مصر والمصريين، مما سينتج عنه هجرة المصريين إلى هذه القارة العجوز، ويسأل والرد معروف: هل تتحمل القارة العجوز مليون لاجئ، بطريقة شرعية أو بغير شرعية من المصريين؟ مع ما في هذا الخطاب من تهديد واضح بأن النظام سيفتح الباب لهجرات شرعية أيضاً، إلى هذه القارة العجوز!
ولا يغير من طبيعة الأمر – والحال كذلك – قوله: إننا لا نهدد.. فقط نوضح. فهذا وحده كفيل للتأكيد على أنه تهديد.
بيد أن الخطير في هذا الخطاب الإعلامي المعتمد من قبل الآلهة، هو الاعتراف بأن مخاطر السد، قد ينتج عنها هجرات ملايين المصريين، مع أن السيسي هو الذي منح الإثيوبيين موافقة مصر كتابة على بناء السد بدون أن يضمن قطرة مياه واحدة لمصر، من خلال توقيعه على اتفاقية المبادئ.
وإذ بدا السيسي في خطابه الثاني، يتحدث بنبرة درويش أمام ضريح سيدي أحمد البدوي، ويعلن ضعفه وهوانه على الإثيوبيين، ويقول إن النهر يتحرك بإرادة الله، ولا أحد بإمكانه أن يمنع إرادة الله. فقد تدخل نشأت الديهي بمذكرة تفسيرية لما قاله، حيث قام بتذكير «أبي أحمد» رئيس وزراء إثيوبيا، بأصحاب الفيل، الذين كانوا ينوون هدم الكعبة، فأرسل الله عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم كعصف مأكول!
ففي اليوم التالي لفشل المفاوضات، كان السيسي متراجعاً عن خطاب حصة مصر من مياه النيل خط أحمر، وإن ذكر في نهاية جملة طويلة – عريضة في خطابه الأخير أن جميع الخيارات مفتوحة، فقد بدت خارج السياق، بل ومقحمه على سياق التذلل، والذي ختمه نشأت الديهي، كليم المرحلة، بتذكير المسؤول الإثيوبي بأصحاب الفيل!
وكان واضحاً أن السيسي تخلى عن النيل، يوشك أن يقول مقولة عبد المطلب في مواجهة أصحاب الفيل: أما هذا الغنم فهي لي، وأما البيت فله رب يحميه. وإذا عرفنا أن ما تركه لأصحاب الفيل هو النيل، فلا نعرف الغنم التي له في هذا الصراع مع الإثيوبيين؟!
والحال كذلك، فمن الطبيعي أن نقلق، لكن سنوات القلق سيعقبها «خريف الغضب»!
أرض- جو
وبعد إعلان السيسي أن الهدف من مهرجان نقل المومياوات من المتحف المصري، إلى متحف آخر هو التأكيد للعالم أننا دولة قديمة، يصبح السؤال المنطقي، إذا افترضنا أن العالم لا يعرف أن مصر دولة قديمة، ونحتاج لهذا المهرجان لتعريفه بذلك، يصبح من حقنا أن نسأل كيف يمكن لمهرجان يستهدف العالم، وقد نقل عبر قنوات تلفزيونية محلية وبدون مترجم؟ إن التلفزيون الرسمي هو من ينقل هذه الأحداث لتبثها القنوات الأخرى من خلاله، وفي كل محفل يتبدى التقصير. ففي المؤتمر الصحافي العالمي في هيئة قناة السويس الذي قال السيسي إنه يستهدف القول للعالم إن الملاحة عادت للقناة، لم يكن هناك مترجم يترجم كلامه للغات الحية، أو مترجم يتولى ترجمة أسئلة الصحافيين الأجانب للمشاهد المصري! وفي لقائه الأخير، لافتتاح أحد المشروعات الخاصة بعاصمته الإدارية الجديدة، وقد كانت فيه مشاركة من خواجتين، اكتشفنا أيضاً عدم وجود مترجم! وهي أخطاء لم يكن للتلفزيون المصري أن يقع فيها لولا أنه يدار الآن من قبل الشركة الأمنية المسماة بالشركة المتحدة، وهي تفتقد للخبرة، بيد أن حضرات الضباط يقحمون أنفسهم في مجال الإعلام، ويديرونه، ويتصرفون فيه تصرف المالك فيما يملك!
أخطاء لا تقع فيها إذاعة محلية تبث من مدرسة تابعة لإدارة مطوبس التعليمية!
صحافي من مصر
لن يقدر السيسي على تدمير سد النهضة الأثيوبي!
لأنه وبكل بساطة تحميه منظومة صواريخ صهيونية!! ولا حول ولا قوة الا بالله