توصية “المشتركة” وبشرى “الربيع اليهودي-العربي”… ونتنياهو: “دواعش إسرائيل”

حجم الخط
0

كان واضحاً أنه بعد نصف دقيقة من توصية القائمة المشتركة بـ “أزرق أبيض” سيخرج نتنياهو من مربضه ويبث تشهيراً ما: “بالضبط مثلما حذرناكم!”، اشتكى رئيس وزراء إسرائيل في شريط نشره بين معجبيه، أن هذه اللحظة كشفتأن بني غانتس، وبوغي يعلون، وغابي اشكنازي، هم جواسيس مدسوسين من داعش في إسرائيل.
يقال على الفور: في “المشتركة” بضعة نماذج كان يسرنا ألا نراهم في الكنيست. فالتجمع يجب منعه من التنافس؛لأنه يتآمر على وجود إسرائيل كدولة يهودية. النائب عوفر كسيف، يهودي، رجل ذو مواقف مقيتة. غير أن كل هذا غير ذي صلة. فتوصية القائمة العربية المشتركة بحزب صهيوني لتشكيل حكومة في إسرائيل هو حدث تاريخي، تأسيسي ومثير للانفعال. ليس أقل. وهو يبعث أملاً مختلفاً كاد يندثر من مطارحنا في أيام الغضب والرعب التي وقعت علينا هنا في العقد الأخير. هذه التوصية تشكل نقلة تاريخية للنواب العرب في الاتجاه الذي يرسمه مرسلوهم: الاندماج، والتعايش، والتأثير. هذه أنباء رائعة، بل ومن الطبيعي أن يخرج الناطقون بلسان الليكود وأنصار نتنياهو على الفور ضدها بغضب مقدس وبشرايين رقبة متشنجة. انظروا ما الذي حصل هنا من خطوة في اتجاه الطبيعية!! أعوذ بالله.
بداية، يجب تمزيق قناع الازدواجية من على وجه الشاتمين: كان بنيامين نتنياهو عقد حلفاً سياسياً مع العرب قبل بضعة أشهر، فقد حل الكنيست بأصوات العرب، وأنزل بالمظلة إلى منصب مراقب الدولة مخلوقاً غريباً…بأصوات العرب. فلماذا يكون حل الكنيست وإرسال دولة إلى انتخابات زائدة مسوغاً أكثر من تلقي توصية بتشكيل حكومة جديدة؟ في عام 2009 كان هذا نتنياهو هو الذي بنى واستند إلى كتلة مانعة مع العرب لمنع تسيبي لفني من إقامة حكومة بعد استقالة أولمرت (الذي فضل الدفاع عن نفسه في المحكمة دون أن يأخذ دولة كاملة كرهينة).
هذا وأكثر: قبل أسابيع قليلة اجتاز مصور البلاط، نتان ايشل، علاج تحويل سريع فأصبح كاتب البلاط. فقد نشر ايشل مقالين دعا فيهما إلى ربط تاريخي مع عرب إسرائيل فأسماهم “الحل، وليس المشكلة”، وناشد كل من هو مستعد لأن يسمع بأنه حان الوقت لإشراكهم في المسيرة السياسية الداخلية وفي إدارة شؤون الدولة. عندما يحاول واحد آخر عمل ذلك فهو خائن.. كالمعتاد.
كل من يقرأ هذه الكلمات ويعيش هنا يعرف الحقيقة. في إسرائيل مئات آلاف المواطنين العرب محبي السلام، المفعمين بالأمل، التواقين للقيام بدور مركزي أكثر في حياة الدولة. وهم معنيون أقل بالمسألة الفلسطينية من أي وقت مضى. هم يعرفون على نحو ممتاز فضائل الدولة التي يعيشون فيها، ويحبون العيش فيها، ويريدونأن يشعروا فيها كما في البيت، وتواقون جداً لمعالجة حقيقية للعنف والقتل في مدنهم وقراهم، ويريدون الاندماج في التكنولوجيا العليا ويشعروا بأنهم جزء من الحدث الرائع الذي يسمى إسرائيل. إن التوصية بـ”أزرق أبيض” هي نوع من البشرى التي يمكنها أن تبشر بوصول الربيع اليهودي – العربي. لعل هذا حلماً، ويحتمل ألا يخرج أي شيء من هذا. أما رفضه رفضاً باتاً، فهو ببساطة حقارة.
إن يوم التوصية الأول لدى رئيس الدولة أمس كان فوضوياً وغريباً. بدأه “أزرق أبيض” مع التطلع لأن يتلقوا أولاً التفويض بتشكيل الحكومة، وأنهوه بالرغبة في أن يكونوا الأخيرين. المشتركة أوصت بغانتس، وبعد ربع ساعة سارع التجمع لاستثناء نفسه من التوصية. رئيس الدولة ينظر إلى ما يجري ويفقد الوسيلة. وهو لا يعرف مع من يتعاطى بجدية ومن يتجاهل. أي عنوان صحيح وأيّهم ملفق. قد ينهي اليوم مرحلة المشاورات، وغداً سيدعو، ربما، القائدين إلى حديث عنده. ليس مجدياً تعليق الآمال على هذا الحديث. نحن في الطريق إلى تمزيق أعصاب طويل سيحسم، إذا ما حسم، بعد كثير من الدقيقة التسعين.

بقلم: بن كسبيت
معاريف 23/9/2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية