الخرطوم ـ «القدس العربي»: بعد إعلان الحكومة السودانية، إلغاء مذكرة التفاهم مع دولة الإمارات بشأن إنشاء أبو ظبي ميناء أبوعمامة على السواحل السودانية المطلة على البحر الأحمر، يتوقع خبراء أن تكون هذه الخطوة، مقدمة لقرارات اقتصادية ضد أبو ظبي التي تتجاوز قيمة استثماراتها في السودان ستة مليارات دولار.
ورجح الخبير الأمني، أمين مجذوب، أن تمضي حكومة السودان بالتدريج في اتخاذ خطوات مقاطعة اقتصادية في مواجهة دول الإمارات التي تتهمها بتزويد قوات «الدعم السريع» بالسلاح في حربها ضد الجيش، إضافة إلى اشتراكها في قتل وتشريد السودانيين.
وقال لـ«القدس العربي» إن العلاقات التجارية بين البلدين قائمة على اتفاقيات وشركات خاصة، وأخرى عابرة للقارات، بالتالي لدى الحكومة أوراق ضغط يمكن استخدامها في مواجهة الإمارات، مثلما حدث في ميناء أبوعمامة الذي كان من المفترض إنشاؤه بواسطة موانئ أبو ظبي وشركة وطنية، بمشاركة الحكومة.
وأوضح أن مصادر ذهب السودان الذي يختم في بورصة دبي يمكن أن يتوقف كما أن هناك العديد من الشركات تستثمر في السودان يمكن إيقافها مثل شركة أمطار التي تعمل في مجال زراعة النخيل ومشاريع زراعية ضخمة أخرى.
وأشار إلى أن أهم ما يمكن أن يؤثر على الميزان التجاري في البلدين هو إعطاء الميناء المقترح لدولة أخرى، مبينا أنه بتلك الخطوة ستكون الإمارات قد خسرت مرتين مرة بإبعادها عن المشروع وأخرى عن طريق إدخال منافس في المنطقة.
ويرى خبراء اقتصاديون، أن في يد الحكومة السودانية عدة أوراق للضغط على الإمارات، مثل إلغاء اتفاقات المشاريع الزراعية، كمشروع أمطار الزراعي الذي تبلغ مساحته 300 ألف فدان شمال السودان، كذلك مشروع وادي الهواد الذي كان من المفترض تنفيذه من قبل الإمارات في مساحة مقدرة بـ(2.4) مليون فدان. فضلا عن أن الحكومة لا تزال تصدر الذهب إلى دولة الإمارات وإن خطوة إيقاف صادرات الذهب متوقعة في أي لحظة في إطار التوترات المتصاعدة بين البلدين. وحسب إحصاءات رسمية عام 2023 فقد استوردت الإمارات 39 طنا من الذهب السودان بقيمة تزيد عن ملياري دولار.
والأحد الماضي، أعلن وزير المالية السوداني، جبريل إبراهيم، إن السودان قرر إلغاء اتفاق مع الإمارات لإنشاء ميناء أبو عمامة المطل على ساحل البحر الأحمر.
ولفت في مؤتمر صحافي عُقد في مدينة بورتسودان، العاصمة الإدارية المؤقتة إلى أنه كان أحد الأطراف الموقعين على مذكرة التفاهم بشأن إنشاء ميناء أبو عمامة، معلنا أن المذكرة غير ملزمة للسودان.
وتابع: «بعد الذي حدث لن نعطي الإمارات سنتيمترا واحدا على شاطئ البحر الأحمر» مشيرا بذلك إلى الاتهامات المتعلقة بدعم أبو ظبي لقوات الدعم السريع التي تحارب الجيش السوداني منذ منتصف أبريل/نيسان 2023.
خبراء تحدثوا لـ«القدس العربي»: عن وقف مشاريع زراعية وتصدير الذهب
وفي ديسمبر/كانون الأول عام 2022 وقعت الحكومة السودانية وموانئ دبي وشركة «إنفيكتوس» للاستثمار التي يديرها رجل الأعمال السوداني أسامة داؤد اتفاقية مبدئية لإنشاء ميناء أبوعمامة بتكلفة قدرها 6 مليارات دولار والذي كان من المقرر أن يضم منطقتين اقتصادية وسياحية ومطارا دوليا ومجمعا سكنيا ومشروعا زراعيا بمساحة 400 ألف فدان.
والأربعاء الماضي، كشف مستشارون منشقون من قوات «الدعم السريع» معلومات جديدة حول بدء الصراع المسلح في السودان، مشيرين إلى أن رغبة زعيم قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو «حميدتي» في إنشاء ثلاثة موانئ من بينها «ميناء أبو عمامة» وقواعد عسكرية في ساحل البحر الأحمر شرقي البلاد تسببت في خلافات واسعة بينه وبين الجيش، الأمر الذي جعله يلوح بإشعال الحرب، على حد قولهم.
وقال مراقبون أن الموانئ التي يتحدث عنها المستشارون المنشقون، هي في الأصل مشاريع إماراتية، كان الدعم السريع مجرد واجهة لتمريرها، مستدلين بأن من أنجز عمليات المسوحات الميدانية كانت لجنة تتبع لشقيق «حميدتي» القوني حمدان.
أجواء غير طبيعية
وأشار الخبير الاقتصادي عوض الله موسى في حديثه لـ«القدس العربي» إلى أن اتفاق ميناء أبو عمامة تم بالأساس في أجواء سياسية غير طبيعية وبآليات إجرائية غير طبيعية بين موظفين في الدولة وزعيم قوات الدعم السريع.
وأشار إلى أن الموانئ من المشروعات السيادية التي يجب أن تعرض على برلمان منتخب ويصدر حولها تشريع لأنها اتفاقات قد تمتد لسنوات طويلة.
ورأى أن إعلان الحكومة السودانية إلغاء الاتفاق جاء متأخر جدا، نظرا للوضع الراهن، وخلفيات إبرام الاتفاق.
الخبير الاقتصادي هيثم فتحي قال لـ«القدس العربي» إن مشروع ميناء أبوعمامة بات في حكم المجمد نتيجة عوامل سياسية وأمنية، وعلى رأسها الموقف الإماراتي من الحرب الدائرة في السودان والتهديد الذي يمثله المشروع على مركز ثقل الدولة السودانية الجديد في بورتسودان ومعارضة جهات قبلية ومحلية للمشروع.
وأشار إلى أن الإمارات أدركت منذ فترة طويلة أهمية الموانئ البحرية في الاقتصاد العالمي فأقامت شركة موانئ دبي وشركة موانئ أبو ظبي ومن ثم بدأت التوسع خارج حدودها.
ووفق ما قال عضو تحالف القوى المدينة في شرق السودان، عمر محمد في تصريح لـ« القدس العربي» الإمارات كانت تهدف عبر إنشاء ميناء أبوعمامة إلى الحيلولة دون تطوير الموانئ السودانية أو إدخال أي مستثمر أو شريك استراتيجي في المنطقة.
ويشار الى أن الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، وقع في الشهور الأخيرة من حكمه وقبيل اندلاع ثورة ديسمبر/ كانون الأول 2018 على اتفاق مع تركيا يسمح لها بتطوير ميناء سواكن والمناطق الأثرية في المدينة الساحلية، كذلك وقع على اتفاق لإنشاء قاعدة عسكرية لصالح موسكو مقابل مد الجيش بالسلاح.
واستبق الجيش السوداني إعلان إلغاء اتفاقه مع الإمارات بافتتاح قاعدة عسكرية جديدة في أبو عمامة في الثامن عشر من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، الموقع الذي كان يفترض إقامة مشروع الميناء عليه.
المحلل السياسي ياسر جبارة قال لـ«القدس العربي» إن مذكرة التفاهم للاستثمار في إنشاء ميناء أبو عمامة بين الحكومة السودانية كطرف وموانئ دبي وشركة دال التي يديرها رجل الأعمال السوداني أسامة داؤود كطرف ثان.
وقد تجمدت تلقائيا بسبب الحرب منذ الخامس عشر من أبريل/ نيسان من العام الماضي، مشيرا إلى أن الإعلان عن إلغاء الاتفاق من طرف السودان جاء بعد عامين من التوقيع عليه، وبعد أكثر من عام من تصنيف الحكومة للإمارات كدولة معادية تساهم في تأجيج الحرب بالتدخل المباشر في دعم قوات الدعم السريع التي تحارب الجيش السوداني.
ورأى أن إعلان وزير المالية إلغاء مذكرة التفاهم، هو بمثابة ردة فعل دبلوماسية وسياسية من بوابة الاقتصاد، وهو ما يؤشر إلى حالة تجزئة لمواجهة التحديات أو غياب منظور كلي لإدارتها في حالة الحرب.
ويعتقد أن الغاء مذكرة التفاهم المجمدة أصلا بواقع الحرب ربما لا يكون له تأثير مباشر كبير على الإمارات باعتبار تنوع استثماراتها في جميع القارات.
لكن في ذات الوقت الأبعاد الإقليمية والدولية والجيوسياسية للقرار سيكون لها تأثير ذو مردود معتبر خاصة إذا كان الهدف من الإلغاء هو ترتيب مجال الاستثمار في الساحل السوداني للبحر الأحمر للمنافسين الآخرين مثل روسيا.
ولفت إلى أن استثمارات الإمارات في السودان التي تتجاوز ستة مليارات دولار لا تكافئ حجم الموارد البكر التي يتمتع بها السودان تقدر جملتها 2.5 تريليون دولار.
الفشقة ذات الأراضي الخصبة
ويشير مراقبون إلى تحركات أبو ظبي في أعقاب سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، هدفت إلى تحقيق مصالح وتنفيذ مشاريع، لكنها تضاربت مع أجندة بعض القوى السياسية والعسكرية، الأمر الذي أدى إلى تجميد أحد أبرز تلك المشاريع، والذي كان من المقرر أن يتم تنفيذه على نطاق واسع من أراضي منطقة الفشقة شرق السودان والتي تمتاز بأراضي زراعية شديدة الخصوبة.
وفي أبريل/ نيسان 2021، انتقد عضو مجلس السيادة الانتقالي مالك عقار، مبادرة أطلقتها الإمارات لحل مشكلة التمدد المتكرر لمزارعين ومسلحين من الجارة الشرقية للسودان أثيوبيا على أراضي الفشقة. وقال وقتها: «الإمارات التي تقع خلف البحار تريد توزيع وتقسيم أرض السودان مناصفة مع إثيوبيا». ووجه انتقادات شديدة اللهجة للمبادرة الإماراتية لحل الخلاف الحدودي بين السودان وإثيوبيا، قائلا: «الأرض السودانية لا تقسم».
وكانت المبادرة الإماراتية المتعلقة في منطقة الفشقة تدور حول انسحاب الجيش السوداني وتقسيمها بنسبة 40٪ للسودان و40٪ للإمارات و20٪ للمزارعين الإثيوبيين تحت إدارة مشروع استثماري تقيمه الإمارات في المنطقة الحدودية.
وتتميز أراضي الفشقة السودانية البالغة مساحتها 251 كيلومترا مربعا بخصوبتها الزراعية. وقال مصدر عسكري لـ«القدس العربي» إن أحد أسباب تزويد الدعم السريع بالسلاح والوقوف إلى جانب «حميدتي» في مواجهة الجيش هو رغبة أبو ظبي في إحياء مبادرتها المتعلقة في منطقة الفشقة.