لم يشر رئيس الجمهورية إلى عدم وجود مرشحين في بعض الدوائر نتيجة الشروط الكثيرة، وسيبقى المقعد شاغرا في انتظار إجراء انتخابات جزئية كما حصل في انتخابات مجلس نواب الشعب.
تونس ـ «القدس العربي»: فاجأ رئيس الجمهورية قيس سعيّد خلال إشرافه على اجتماع مجلس الوزراء يوم الخميس 21 أيلول/سبتمبر 2023 التونسيين بإعلانه أنه سيتم يوم 24 كانون الأول/ديسمبر من هذا العام تنظيم الانتخابات المحلية والجهوية. فقد صرح أحد أعضاء الهيئة المستقلة للانتخابات قبل أيام بأن الانتخابات لن تجرى في موعدها المحدد أي 17 كانون الأول/ديسمبر المقبل لأن دعوة الناخبين لم تحصل في الموعد المحدد دستوريا. لكن ساكن قرطاج، ولتجاوز هذه المعضلة، وجد الحل على ما يبدو في تأجيل موعد التصويت لضعة أيام، والتخلي نهائيا عن موعد 17 أيلول/سبتمبر، وهو تاريخ انطلاق شرارة الثورة من مدينة سيدي بوزيد سنة 2010 ودعا رسميا الناخبين إلى التصويت.
جدل الثورة
ويبدو لأغلب المحللين أن ضرورة ما جعلت الرئيس يؤجل موعد الانتخابات ويتخلى عن رمزية تاريخ 17 كانون الأول/ديسمبر، فاختار موعدا جديدا له علاقة بالثورة وهو تاريخ استشهاد الشابين محمد العماري وشوقي الحيدري بمدينة منزل بوزيان من ولاية سيدي بوزيد سنة 2010. فالرئيس على ما يبدو لا يعترف إلا بالجزء الأول من مسار الثورة التونسية، أي الأحداث التي حصلت في الجهات الداخلية الفقيرة والمهمشّة ومنها سيدي بوزيد، أما ما شهدته هذه الثورة لاحقا من انضمام للنخب من أحزاب ومنظمات وهيئات مهنية وسكان المدن الكبرى من أبناء الطبقة الوسطى، فهو على ما يبدو في نظر الرئيس ركوب على الحدث وسطو على الثورة لصالح أجندات خارجية.
وقد عبر عن هذا الموقف في وقت سابق من خلال تغيير تاريخ عيد الثورة من 14 كانون الأول/ديسمبر، تاريخ سقوط نظام بن علي ومغادرته البلاد بعد أحداث جرت بالعاصمة وصفاقس ومدن أخرى، إلى 17 كانون الأول/ديسمبر، تاريخ اندلاع شرارة الثورة في سيدي بوزيد. ولقي هذا التوجه معارضة شديدة من المعارضة التي ترى في الموعد الأول علامة فارقة في تاريخ البلاد، انتقلت بها من مرحلة إلى مرحلة تتويجا لنضالات أجيال من السياسيين والحقوقيين وغيرهم.
شرعية منقوصة
يشار إلى أن الدورة الأولى للانتخابات المحلية والجهوية، حسب ما أعلن عنه رئيس الجمهورية ستكون يوم 24 كانون الأول/ديسمبر، وفي حال لم يتحصل أي مترشح في دائرته على الأغلبية المطلقة، سيتم تنظيم دورة ثانية لا يتقدم إليها إلا المترشحان الأول والثاني اللذين حصلا على أغلبية الأصوات خلال الدورة الأولى. ولم يشر رئيس الجمهورية إلى حالة عدم وجود مرشحين في بعض الدوائر نتيجة الشروط الكثيرة التي تم وضعها ومنها الحصول على التزكيات، لكن أغلب الظن أن المرسوم الانتخابي لن يقع تنقيحه وسيبقى المقعد شاغرا في انتظار إجراء انتخابات جزئية على غرار ما حصل في انتخابات مجلس نواب الشعب.
أما إذا ترشح شخص وحيد في دائرته فإنه سينال عضوية المجلس المحلي أو الجهوي آليا مثلما ينص على ذلك المرسوم الانتخابي ومثلما حصل أيضا في انتخابات مجلس نواب الشعب وهو ما يضع مسألة شرعية هذا الفائز على المحك. حيث اعتبر البعض أن نائبا لم يصوت له الناخبون في دائرته بعد أن ترشح وحيدا نتيجة لشروط مجحفة وجب توفرها في المرشح وضعها المرسوم الانتخابي حرمت الكثيرين من الترشح، تكون شرعيته منقوصة ولا يمكنه تمثيل من لم يعبروا عن مواقفهم بشأنه بالاقتراع.
يرى هؤلاء أنه كان بالامكان أن تقع عملية استفتاء بشأن هذا المترشح الوحيد في دائرته وأن تحدد النسبة التي يجب أن يحصل عليها ودون إجحاف حتى يكون مؤهلا لتمثيل دائرته في مختلف المجالس. أما أن يتم إسقاطه لتمثيل الناس لمجرد أنه مرشح وحيد في دائرته فإن الأمر لا يستقيم ويتعارض مع المنطق ومع روح الديمقراطية التي يحكم فيها الشعب نفسه بنفسه أو من خلال نواب يقوم باختيارهم من خلال التصويت بإرادة حرة غير مشوبة بأي عيب على غرار الإكراه أو الإغراء بالمال وغيره.
نسب ضعيفة
ومن المعضلات التي تطرح بشدة اليوم هي الإقبال الضعيف على التصويت في الانتخابات من قبل الناخبين التونسيين والذي عرفته البلاد في السنوات القليلة الأخيرة وتحديدا منذ انتخابات 2019 وصولا إلى انتخابات 2022 حيث سجلت نسبة المشاركة تراجعا هاما ولافتا. لقد تم تسجيل نسبة واحد في المئة في بعض الدوائر التي شهدت انتخابات بلدية جزئية وكان إنذارا للجميع قبل أن تحصل الكارثة في نسبة الإقبال في الانتخابات التشريعية الأخيرة.
وبالتالي فإن التوقعات تتحدث عن نسبة مشاركة ضعيفة ستشهدها الانتخابات المحلية والجهوية المقبلة رغم أن الأمر يتعلق بشأن محلي وجهوي أكثر قربا والتصاقا بالتونسيين في حياتهم اليومية. فجل المؤشرات واستطلاعات الرأي تؤكد ذلك في ظل هذا الوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب الذي تعيشه تونس والذي جعل هم المواطن الأساسي هو توفير لقمة العيش والمواد الاستهلاكية الأساسية التي تظهر وتختفي في الأسواق لتظهر وتختفي من جديد.
أسباب عديدة
وحول أسباب العزوف المتوقع للتونسيين عن المشاركة في الانتخابات المحلية والجهوية المقبلة يقول الباحث التونسي في المركز المغاربي للبحوث والدراسات والتوثيق مروان السراي لـ«القدس العربي» إن الأسباب عديدة اجتمعت مع بعضها لتتسبب في هذا العزوف. فهناك، وحسب محدثنا، الهم الاقتصادي والاجتماعي واهتمام التونسيين بالبحث عن المواد الأساسية المفقودة في الأسواق، أو التي وجودها في الأسواق غير منتظم، وذلك مع التدهور المسجل في القدرة الشرائية لعموم التونسيين.
ويضيف محدثتا قائلا: «هناك أيضا قناعة ترسخت لدى عدد لا بأس به من التونسيين أن الانتخابات والديمقراطية لم تغيرا شيئا في معيشتهم، فقد ذهبوا وانتخبوا في السابق وبأعداد كبيرة ولكن الأمور من سيئ إلى أسوأ. وبالتالي فإن هذا المواطن يشعر أنه لم يعد لصوته أي قيمة، فبالنهاية سينتخب مسؤولا يتنكر لوعوده الانتخابية ويخدم مصالحه الخاصة ويغير من تحالفاته وانتماءاته مثلما حصل في السابق مع العدد الأهم ممن قام بانتخابهم.
ومن الأسباب أبضا حالة الملل التي يشعر بها كثير من التونسيين بسبب كثرة الذهاب إلى صناديق الاقتراع منذ سنة 2011 إلى اليوم، فقد انتخبوا مجلسا تأسيسيا وبرلمانات ورؤساء دولة ومجالس بلدية وغيرها، واختاروا نظاما مرهقا كل شيء فيه بالانتخاب على غرار النظام الأمريكي. وبالتالي فإن الانتخابات ومراكز الاقتراع لم تعد ذلك العالم المغري الذي تعطشوا إليه في سنوات الديكتاتورية وسعوا إلى اكتشافه بكثافة رهيبة سنة 2011 في انتخابات المجلس التأسيسي.
كما أن الشعب التونسي يبدو شعبا رئاسيا لا يُقبل بكثافة إلا على الانتخابات الرئاسية لاعتقاد راسخ بأن الرئيس وحده من يمتلك العصا السحرية للتغيير ولمعالجة الأوضاع الكارثية. وقد حصل ذلك حتى في انتخابات رئاسية كان فيها شكل النظام لا يمنح صلاحيات واسعة للرئيس على غرار انتخابات سنة 2014 التي انتهت بفوز الرئيس الباجي قائد السبسي».