خطوة كبيرة قطعتها تونس في اتجاه إنهاء المرحلة الإنتقالية بسلاسة ووضوح. الكل تنفس الصعداء بالمصادقة على دستور الجمهورية الثانية وتشكيل حكومة كفاءات غير حزبية تقود البلاد إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية قبل نهاية هذا العام. الخروج من عنق الزجاجة بصدور دستور طال انتظاره وبروز حكومة جديدة أختير أعضاؤها على أساس ‘الاستقلالية والكفاءة والنزاهة’ كما قال مهدي جمعة الذي خلف علي العريض في رئاستها، لن يهوّن في شيء من حجم ما هو منتظر رغم أهمية ما قـُـطع.
لقد ارتعب البعض في تونس من ‘المثال المصري’ بعد الإطاحة بالرئيس مرسي وكل المؤسسات المنتخبة عبر انقلاب عسكري استغل سخط جزء هام من الرأي العام على الإسلاميين وطريقة حكمهم، لكن التونسيين استطاعوا أن يوظفوا هذا السخط المماثل لديهم لدفع الإسلاميين التونسيين إلى تنازلات هامة أوصلتهم في النهاية إلى ترك رئاسة الحكومة والموافقة على ‘خارطــة طريق’ رعتها أطراف نقابية ومهنية تمكنت في نهاية المطاف من إخراج تونس من أزمة سياسية خانقة.
سر نجاح التجربة التونسية يكمن في إدراك كل طرف لحدود قوته، مع جيش وطني غير مستعد لأية مجازفة غير محمودة العواقب: أدركت حركة ‘النهضة’ مدى تمسك التونسيين بنمط مجتمعهم المنفتح والمتعدد فرأت أن من مصلحتها ومصلحة البلد ترك السلطة عن طواعية على أن تجد نفسها يوما تاركة إياها بأسلوب يسيء إليها وإلى التجربة الديمقراطية الهشة، تماما كما أدركت الأوساط المعارضة لها أن الإختلاف مع ‘النهضة’ لا ينفي شعبيتها وبالتالي ليس من الحكمة الدخول في مواجهة مفتوحة معها ناهيك عن عبثية وعدم ديمقراطية البحث عن استئصالها. من هنا تحول البحث عن التوافق في صياغة الدستور وفي كل الخطوات المصاحبة ‘فنا’ قائما بذاته أبدت الطبقة السياسية قدرا لا يستهان به من تمرين النفس عليه قبل إجادته رغم حداثة تجربة الجميع في الحكم والمعارضة.
نجاح هذه الصيغة في التعايش السياسي في تونس وحرص سياسييها الفاعلين على تجنب المآل المصري، الذي عقــّــد الوضع أكثر ولم يحل أيا من المعضلات الرئيسية، والمآل الليبي، الذي أدخل البلاد في فوضى السلاح وانهيار الدولة ، هو الذي يفترض أن يسود الآن حتى تستطيع الحكومة الجديدة أن تعمل براحة بال حتى موعد الانتخابات العامة.
حل المعضلة السياسية في تونس وتحقيق هذا الانفراج الكبير سيخفف بدرجة هامة من الاحتقان الذي كان سائدا لكنه لا يكفي لوحده إذا لم يتم التوجه إلى الانكباب على معالجة الوضع الأمني والإقتصادي والإجتماعي الذي ما فتأ يتدهور طوال السنوات الثلاث الماضية مع وضع حد لأية جماعات عنيفة أو إرهابية وضرورة كشف الحقيقة في اغتيال شكري بلعيد ومحمد براهمي . لهذا كان رئيس الحكومة الجديد محقا حين تعهد بإيلاء ‘عناية خاصة’ لهذه الملفات معربا عن أمله في ‘تحسين الظروف الأمنية في البلاد التي تعتبر ضرورية لتنظيم الانتخابات’.
لقد ظنت كثير من المناطق المحرومة في تونس والشرائح المهمشة والعاطلة أن إزاحة حكم الاستبداد والفساد سيفتح لها سريعا أبواب الفرج والازدهار لكن غلاء المعيشة والارتفاع الدائم في الأسعار زاد من تفاقم الأوضاع . لهذا لا معنى إطلاقا للإنفراج السياسي إذا لم تصاحبه حزمة إجراءات عاجلة تخفف ولو نسبيا من خصاصة فئات واسعة من الشعب مع شجاعة مصارحتها بأن الأمور لن تتغير جذريا في المستقبل القريب وأن على الجميع التحلي ببعض الصبر الذي قد يأتي مع توضيح آفاق الإنفراج ومواعيده التقريبية على الأقل.
هنا على السياسيين والإعلام مسؤولية كبرى فلا يستسهلان تجييش النفوس عوض تبصيرها بأوضاع البلاد ومحدودية الإمكانات (هذا لا يتضمن طبعا السكوت على الأخطاء أو محاولة تبريرها).
هذا التوجه لن يكون مقنعا دون حض الجميع على العمل والكد ونبذ إلقاء كل العلل على الحكومة دون غيرها مع أهمية إعطاء الوزراء الجدد المثل والقدوة في التصرف والابتعاد عن العجرفة وقلة التوفيق التي طبعت الكثير من وزراء الحكومات السابقة الذين كان بعضهم يقبع في استديوهات البرامج التلفزيونية أكثر مما يعمل في وزارته.
كلام يثلج الصدر أخي محمد ، أتمنى الإستقرار والطمأنينة وعيش الرفاهية لهذه البلد العظيمة .
هذا درس بليغ قدمته حركة النهضة الإسلامية في التنازل الطوعي عن الحكم من أجل مصلحة الوطن، وقدمته تونس في فقه التوافق على الدستور والتداول السلمي على السلطة. المطلوب من جميع العرب أن يتعلموا الدرس وأن يقتدوا بهذا المثال الديمقراطي المشرق.
شكراً أخي محمد. بارك الله في تونس وشعبها وجعلها دائماً أن شاء الله شعلة أمل في الطريق الصحيح لدول (الربيع العربي )
أللهم وفقنا وسدد خطانا في تجربة تونس الشقيقة ولاتجعلنا أضوحكة العالم لعجزنا من بناء أوطاننا على أسس ديمقراطية !!
مقال يتميزبتحليل دقيق للحالة التونسية،،أرجو ان يطلع عليه أشقاؤنا في العالم العربي وخاصةصناع القرار والساسة في مايعرف ببلدان الربيع العربي،،لعلهم يجدون فيه “الوصفة” التونسية لرفع العديد من التحديات التي تواجهها بلدانهم،،،
شكرًا لك اخي محمد،،،
والله الموفق،
اقول قول الشاعر ابو القاسم الشابي :من لم يعانقه شوق الحياة ..يعش ابد الدهر بين الحفر .
فالشعوب العربية تتوق الحياة الكريمة مليئة بالحرية ولكن تريدها بدون ثمن وها شئ صعب ،قد ندفع ضريبة الحرية في معاشنا ولكن قيمتها لا تقدر بثمن اخي محمد
في نفس هذا العدد مقال لكاتب تونسي لا شك يقول فيه وأخيرا… صدر الدستور الذي لا ينتمي للشعب التونسي وهو محق تماما في ما وصل اليه ويجب ان تقدر حركة النهضة التونسية لانها قدمت ليس تنازلات فقط بل وحتى تخلت عن بعض مبادءها فالخصوم لن يعجبهم ما سيحدث في الانتخابات القادمة فهم الذين يملأون الدنيا صياحا وضجيجا بأنهم النخب المحقة وغيرهم لايفقه شئ وهم الذين يستحقون سدة الحكم فأن وصلو عن طريق الصناديق فلا بأس وغير ذلك فهم جاهزون دوما بغوغائيتهم التي لم تغب يوما من اول يوم اقامة الدول العربية الحديثة الاستقلال بعد ان تركها الاستعمار لتتولى حكم الشعوب المقهورة بدلا منه فماذا فعلت هياكل تلك الذول اليست هي من اوصلنا لهذة الانعطافات الخطيرة هم من يسيطر على مفاتيح السلطة والدولة العميقة والجيش في بلدانهم لا ارى بصيص ضوء في نهاية هذا النفق طالما ان من يتحكم في الاكثرية هم ليسو ققط اقلية بل وحتى ازعم انهم لا يشكلون عددا ولكنني لهم سأكون ناصحا صادقا فأن الناس اذا وصلو لمرحلة ماحدث في الثورة الفرنسية فالجيلوتين ستكون حاضرة ولن يجد هؤلاء الناس حتى الرحمة في القتل ارجو من الله ان اكون مخطئا وان يسلم الشعب التونسي من المصير المصري