تونس – «القدس العربي» : بعد جولة قصيرة في أحد أسواق المواشي في العاصمة، خرج المنجي (57 عاماً) وهو يتمتم غاضباً: «العلّوش بمليون يا رسول الله!» (الخروف بألف دينار).
وأكد لـ»القدس العربي» أنه «قرر عدم شراء خروف هذا العام لذبحه في عيد الأضحى المبارك»، مشيراً إلى أن السلطات مطالَبة بدعم الفقراء عبر تقديم منحة لشراء أضحية العيد، كي لا يصبح الاحتفال بالعيد وتقديم الأضحية (كواجب ديني) حِكراً على الأغنياء.
تونسي آخر يدعى لسعد (62 عاماً) هو الآخر لن «يضحّي» هذا العام، ويقول: «ليست مسألة نقود فقط. رغم أن هناك احتيالاً كبيراً في الأسعار، فالخروف بألف دينار (الدولار يساوي ثلاثة دنانير) وجِلده بخمسمئة. هل يُعقل هذا؟».
ويكتسي عيد الأضحى أهمية كبيرة في تونس، كونه يشكل مناسبة دينية واجتماعية للم شمل العائلة وممارسة الطقوس الاحتفالية المرتبطة بالشواء (أو المشوي كما يسميه التونسيون) وبعض الأطباق الأخرى.
وتقول مُنية (52 سنة): «عيد هذه السنة مكلف جداً، وكثير من الناس لن يحتفلوا بالعيد، وأنا منهم، فنحن لم نشترِ الخروف حتى الآن، لأن الأسعار غالية». فيما تتحسّر زُهرة على أيام زمان حينما كان سعر الخروف يتراوح بين 200و250 ديناراً.
وتضيف لـ»القدس العربي»: «الدنيا شعلت فيها النار. والزوّالي (الفقير) لم يعد يستطيع شراء كيلو لحم واحد، فما بالك بشراء خروف كامل يقف على قدميه. ومع ذلك نقول الحمد لله على كل حال».
وتسبّب التضخم والأزمة الاقتصادية القاسية في تراجع المقدرة الشرائية للتونسيين، كما أن مواسم الجفاف المتواصلة أدت إلى تضاعف أسعار الأعلاف التي ساهمت هي أيضاً في ارتفاع أسعار المواشي بحوالي الثلث. وهو ما دفع عدداً كبيراً من التونسيين إلى استبدال الخروف ببضعة كيلوغرامات من اللحم، وفق ما يؤكد وليد العتروس، وهو جزّار في مدينة قرمبالية قرب العاصمة.ويضيف لـ«القدس العربي»: «لا يوجد حالياً إقبال كبير على شراء اللحم بسبب ارتفاع الأسعار. لكننا نأمل أن يتغير الوضع».
ويقول عماد العنابي (موظف في مدبغة جلود): «تأثرنا سلباً بارتفاع أسعار الأغنام بشكل كبير هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة، وقد انعكس ذلك على كمية الجلود التي نحصل عليها من الجزّارين».
ويستدرك بقوله: «هذا الأسبوع هناك تحسن طفيف في كمية الجلود التي تأتينا. وربما يعود ذلك إلى أن الشريحة المتوسطة المعتادة على شراء الأغنام، قررت هذا العام الاتفاق مع الجزارين على اقتناء كمية من اللحم بدلاً من شراء ذبيحة كاملة للاحتفال بالعيد».وقبل أيام، بدأت شركة اللحوم (حكومية) ببيع أضاحي العيد في نقاط بيع «من المنتج إلى المستهلك» أنشأتها السلطات التونسية للتحكم بسعر بيع الأضاحي.
وقال المدير العام للشركة، طارق بن جازية، لوكالة الأنباء التونسية: «سيتم عرض قرابة 4 آلاف أضحية في العاصمة، تم توفيرها من مدينة سيدي بوزيد وتخضع للمراقبة البيطرية المستمرة، والكمية قابلة للزيادة إذا اقتضت الضرورة».
وأكد أن أوزان الأضاحي تتراوح بين 35 و55 كلغ، وتتراوح أسعارها بين 600 و1000 دينار، حيث يبلغ سعر كيلو اللحم الحي 18.500 دينار.
وأرجع الارتفاع الكبير في السعر مقارنة بالسنوات السابقة إلى عدّة أسباب، أهمّها «ارتفاع أسعار الأعلاف وندرتها، مما أدى إلى زيادة تكلفة إنتاج كيلوغرام اللحم لتتجاوز 15.200 دينار إلى جانب تراجع القطيع بنسبة 27 في المئة مقارنة بالسنة السابقة، وخاصة مع الإقبال المُفرِط على ذبح الإناث، ليبلغ 1.20 مليون رأس من الأغنام والماعز».
وقال أنيس خرباش، نائب رئيس اتحاد الفلاحة، إن «القطيع المتوفر لن يغطي حاجة التونسيين التي تقدر بمليون و600 ألف رأس. ومن الصعب جداً أن نتجه للتوريد رغم نقص الأغنام. وسنوفر نقاط بيع من المنتج إلى المستهلك كي تكون الأسعار في متناول الجميع». فيما اتهم رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك، عمار ضيّة، شركة اللحوم بعدم الالتزام بالاتفاق المبرم معها حول تحديد سعر كيلو اللحم الحي، بـ 17.8 ديناراً.
وأضاف، في تصريح إذاعي: «عقدنا اجتماعاً منذ حوالي أسبوعين مع ممثلين عن القطاع والمربين وشركة اللحوم، وتم الاتفاق على اعتماد سعر محدد للكيلوغرام الحيّ للخروف، وكان على الشركة عدم الإمضاء على محضر الجلسة منذ البداية، ما لم تلتزم به».
وأكد أن أسعار أضاحي العيد هذا العام تتجاوز الرواتب الشهرية للموظفين، خاصة أن مداخيل العائلة التونسية لا تتناسب مع الأسعار المرتفعة.
ودعا إلى شراء الأضاحي من نقاط البيع الرسمية، مطالباً من لا يستطيع اقتناء الأضحية بعدم اللجوء إلى الاقتراض.
وقبل أشهر، دعا رئيس غرفة القصابين أحمد العميري، مفتي تونس هشام بن محمود إلى حث المواطنين ذوي الدخل المحدود إلى عدم شراء أضاحي العيد لمدة سنتين إلى حين توفرها وانخفاض أسعارها، على غرار ما حدث في دول أخرى.
وأكد أن أسعار اللحوم وصلت إلى 40 ديناراً للكيلوغرام الواحد، والمواطن التونسي غير قادر على شراء الأضاحي نظراً لغلاء أسعارها.
وأثارت دعوة العميري انقساماً واسعاً في تونس، فبينما رحب بها البعض باعتبار الوضع الاقتصادي والمعيشي سيئاً، لجأ آخرون إلى مهاجمته، معتبرين أن ما دعا إليه لا يجوز شرعاً.