تونس: «برلمان الرئيس» وأخطار المهزلة المفتوحة

حجم الخط
16

الجلسة الافتتاحية لـ«مجلس نواب الشعب» في تونس شهدت علامة مبكرة وفاضحة تتوج سلسلة المهازل التي اكتنفت انتخاب هذا المجلس، إذ مُنعت وسائل الإعلام المحلية والأجنبية من الدخول لتغطية وقائع الاجتماع، ولكن سُمح لأعوان الأمن باقتحام الجلسة واعتقال نائب وإخراجه من القاعة بعد أدائه القسم، وكانت الذريعة وجود شكاية بحقه من منافسته خلال الانتخابات، ولم يشفع له أنه حصد مقعد الدائرة بالأغلبية المطلقة منذ الدور الأول.
ولن يطول الوقت حتى تتعاقب علائم أخرى من طبيعة مماثلة لتؤكد أن هذا المجلس قائم أصلاً على قرار استبدادي من رئيس انقلابي، وأن المؤشرات الكبرى خلف افتقاره إلى الشرعية لا تبدأ من حقيقة أن نسبة التصويت لأعضائه لم تتجاوز 11.4 ٪، ولا تنتهي عند حقيقة أخرى تفيد بأن النصاب ذاته غير مكتمل بالنظر إلى وجود سبعة مقاعد خارج البلاد لم يتقدم أحد للترشح لها بسبب العجز عن تأمين 400 تزكية وبالتالي بقيت شاغرة حتى ساعة انعقاد المجلس العتيد.
هذا من زاوية إجرائية، وأما من زوايا دستورية وحقوقية فإن صلاحيات المجلس ليست محدودة وهلامية ولا تتضمن أي طراز فعلي ملموس من الرقابة على السلطة التنفيذية ومحاسبتها فحسب، بل هي أيضاً تحوّل المجلس إلى هيئة شكلية لا مهامّ لها أكثر وضوحاً من البصم على قرارات الرئيس التونسي قيس سعيّد. وبموجب المادة 68 يتمتع الرئيس بامتياز طرح مشروعات القوانين، ولمقترحاته الأولوية في المناقشة والإقرار، فضلاً عن مواد أخرى تخوّله تعيين الحكومة خلافاً لدستور 2014 الذي منح حق تشكيل الحكومة للكتلة الأكبر الفائزة في الانتخابات التشريعية. كذلك تنص المادة 109 على منح الرئيس الحق في حل الغرفة الأولى (النواب) والغرفة الثانية (المجلس الوطني للجهات والأقاليم) أو أحدهما، مع العلم أن العلاقة بين الغرفتين ليست واضحة أو محددة حتى الساعة.
اجتماعياً خسرت المرأة التونسية بعض أثمن حقوقها المكتسبة بموجب التشريعات السابقة التي اشترطت التناصف بين الرجال والنساء، فكانت النتيجة هبوط حصة المرأة إلى 16.2٪ وهي الأدنى في تاريخ انتخابات تونس بعد 2011. كذلك اضطر الاتحاد العام التونسي للشغل إلى التحول من موقف التأييد الصريح أو الضمني لإجراءات سعيّد الاستثنائية بتاريخ 25 تموز/ يوليو 2021، إلى معارضة قصر قرطاج والسلطة التنفيذية والتصريح بأن كل سبل الحوار الاجتماعي مغلقة مع هرم السلطة والحكومة.
سياسياً، أخيراً وليس آخراً، فإن تمثيل الأحزاب الهزيل في المجلس الجديد يختصر كامل مراهنة سعيّد على إقصاء السياسة خارج البرلمان من جهة أولى، كما يجسد من جهة ثانية حجم ما تبقى للرئاسة من هوامش تأييد سياسية محدودة تماماً وآخذة في التآكل، خاصة حين تتصارع هذه للفوز برئاسة المجلس أو للإطاحة بحكومة نجلاء مودن. ولم يكن غريباً أن أول المعترضين على قيام أعوان الأمن باعتقال نائب وإخراجه من قاعة المجلس كان ممثل «حركة الشعب» أبرز المجموعات السياسية المصفقة لانقلاب سعيد.
الأخطر بالطبع ما يمكن أن تتكشف عنه الأسابيع المقبلة من أخطار على السلم الاجتماعي ناجمة عن هذه المهزلة المفتوحة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبد الكريم البيضاوي ( السويد ):

    لم يقدم الرئيس التونسي على ما قام به إلا وكان متيقنا أنه سينجح في مبتغاه – لحد الساعة على كل حال – لماذا ؟ لأن الطريقة السيكولوجية المستعملة ضد الناس تأتي أكلها حتى وإن كانت وعودا فارغة, ضف لهذا التأييد المعنوي الذي حصل عليه الرئيس إبان الانقلاب من طرف الاتحاد العام التونسي للشغل , المنظمة القوية هذه التي كانت قوة كبيرة في الإطاحة بالرئيس السابق, هذا التأييد النقابي للرئيس – برأيي – أعطاه متنفسا ثمينا في أيامه الأولى و كانت جرعة تقوية, لحسن الحظ صححت النقابة العمالية موقفها وتموضعت الآن في صف المعارضة.

  2. يقول عبد الكريم البيضاوي ( السويد ):

    تتمة :
    الخطأ الجسيم دائما – برأيي – هو البدء في المساومة على تغيير نظام ديمقراطي من خارج المنظومة الديمقراطية نفسها. خطر كبير لأن ما بعده من أحداث سياسية طبيعي ستأخذ منحاها الخاص لاأحد يعلم إلى أين بعيدا عن المراقبة القانوية التي توفرها الأجهزة المخولة لفعل ذلك والتي كانت ثمرة إصلاح ديمقراطي . أبدا , لا مساومة على الإطاحة بنظام ديمقراطي كيفما بلغ به الفساد – الذي ادعاه الرئيس – لأن اللعبة الديمقراطية هي أن الشعب بيده التغيير , الناخب بصوته الديمقراطي الحر بإمكانه طرد الراشي والمرتشي , هي اللعبة الديمقراطية, أما وأن يقوم رئيس الدولة بانقلاب بتحميل البرلمان – المنتخب شعبيا – ولو على علاته تهم الفساد وهو الوحيد القادر على إصلاحه فهو طريق خاطئ من الأساس يعبد الطريق لديكتاتورية قادمة.

  3. يقول عبد الكريم البيضاوي ( السويد ):

    تتمة :
    للأسف الشديد أن أول تجربة ديمقراطية حقيقية في الوسط العربي تهدر بهذه السهولة . أما الأسباب فمتعددة – قبل اتهام الخارج ـ أولها انعدام الثقافة الديمقراطية وهو أمر طبيعي بالنسبة لتونس. الثقافة الديمقراطية أهم شيء في النظام الديمقراطي, حتى وإن تغول حزب أو مجموعة أحزاب في البرلمان باسم الأغلبية تبقى قوة الشعب في الشارع, بدون تقتيل وتعذيب وما إليه.
    إلى أين تسير تونس سياسيا واجتماعيا – برأيي- أمر صعب التنبؤ , لكن الأقرب للدهن أن الرئيس سيقوي مركزه أكثر باالا عتمادا على برلمان ودستور وضع على مقاسه, سيحاول إحكام القبضة على المعارضة السياسية والشعبية وستعود تونس لنادي أخواتها , تغييب حرية الرأي والصحافة والاحتجاجات وإلى هنا والأمور عادية بالنسبة للدول العربية والعالم خارج النافذة يركض نحو مستقبل أفضل, هي الظروف وهو حظهم.

  4. يقول كلمة حق:

    والله لشئ غريب أن يعيش الإنسان في ضل الديمقراطية الغربية ويطبل للإنقلابات والديكثتاورية في بلاد أخرى لم تتجاوز فيها نسبة الإنتخابات البرلمانية 11 بالمائة ، غريب أن نسمي تجميد الدستور والبرلمان وإحتكار السلطة التنفيدية والتشريعية والقضائية والأمنية فييد رجل واحد والقضاء على كل صوت إعلامي وسياسي وحزبي ومدني معارض والزج بهم بالسجن بالإصلاح والديمقراطية ، إن ما يقع في تونس الخضراء ليس إلا رجوع إلى الوراء مهما حاول البعض رسم صورة براقة له والتطبيل له لغرض في نفس يعقوب ولا حول ولا قوة إلا بالله

  5. يقول بدر بن مريم:

    تحيى تونس الخضراء .. الرئيس التونسي قيس سعيد نتفق أو نختلف معاه رئيس كان يعرف عمق الفساد و النهب ايام استبداد نظام بن علي ومعاه حزب النهضة الاسلاموي . لا أحد من المتنفذين و المستفيدين والتجار والنقابين يرغب في المسائلة والمحاسبة وتنفيذ مساطر القانون لأن جللهم متورطين. وعليه سيوف المستفيدين من نظم الاستبداد خرجت من غمدها لدفن المسائلة والمحاسبة . لكن لا يصح الا الصحيح و الصراط المستقيم. وربي ينصر تونس وأهلها.

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية