هل سبق لكم أن تابعتم ولو لمرة واحدة تعديلا وزاريا في أي من دولنا العربية يقوم به رئيس الحكومة فيعلن رئيس الجمهورية أنه غير موافق عليه؟!! إذن عليكم بتونس ففيها يحدث ذلك، إنه جزء من تميز «النموذج التونسي» على ما يبدو.
أكثر من ذلك، لا يبدو أن هذا حدث حتى في دول أخرى لأن الأمر لا يخرج عادة عن أحد أمرين: إما لأن الرئيس هو من يتحكم في كل كبيرة وصغيرة وبالتالي فمن غير الوارد أصلا أن يتجرأ رئيس الحكومة على إعلان أسماء لوزراء لم يستشر فيها الرئيس الذي يكون هو بالأساس من اقترحها وأشرف على توزيع حقائبها بالتفصيل، وإما لأن الدستور واضح بشكل لا لبس فيه بحيث يكون رئيس الدولة هو من يعين الوزراء فينصاع رئيس الحكومة، أو أن ذلك يعود لرئيس الحكومة فيلتزم الرئيس الصمت لأنه يدرك أن تلك هي الحدود التي رسمها له القانون.
في تونس، لم يعد الأمر كما كان في عهدي الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي فالنظام السياسي برمته قد تغير بعد ثورة 2011 ولم يعد رئاسيا مطلقا بل برلماني غير مطلق مع صلاحيات محدودة ومعروفة لرئيس الجمهورية. الدستور الجديد المصادق عليه في كانون الثاني/يناير 2014 حدد صلاحيات كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بما في ذلك من يعين الوزراء وكيف يحصل هؤلاء على ثقة البرلمان سواء كانوا في حكومة جديدة بالكامل أم في سياق تعديل محدود أو واسع.
بناء على ما سبق، ما كان لرئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي أن يجاهر باحتجاجه على التعديل الوزاري الأخير الذي أعلنه رئيس الحكومة يوسف الشاهد حتى وإن كان غير راض عنه ليس فقط لأن «العرف السياسي» لا يستسيغ ذلك وليس فقط لأن النظام السياسي لم يعد يتيح لقايد السبسي ما أتاحه لسابقيه، بل لأن الدستور واضح تماما وما كان يجدر بالرئيس أن يمتعض من تطبيق بنوده.
ما كان لرئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي أن يجاهر باحتجاجه على التعديل الوزاري الأخير الذي أعلنه رئيس الحكومة يوسف الشاهد حتى وإن كان غير راض عنه
يقول الخبراء القانونيون في تونس إن التعديل الوزاري أمس الأول الذي شمل 13 وزيرا جديدا، مع بقاء وزراء الخارجية والدفاع والداخلية والمال في مناصبهم، هو من صلاحيات رئيس الحكومة بلا جدال وإنه بإمكان الشاهد إجراء تحوير وزاري دون الرجوع إلى رئيس الجمهورية إذا كان التحوير لا يمس حقيبتي الشؤون الخارجية والدفاع الوطني، وإن التعيين بالنسبة إلى بقية الحقائب هو من اختصاص رئيس الحكومة وفق ما ينص عليه صراحة الدستور.
الرئيس قايد السبسي لم يخرج إلى الشعب ليقول إنه غير موافق على ما تم، على فرض أنه يجوز له ذلك، بل من فعل ذلك هي المتحدثة باسم رئاسة الجمهورية سعيدة قراش في مقابلة مع إذاعة خاصة قالت فيها إن «رئيس الجمهورية غير موافق» على التعديل» لما اتسم به من تسرع وسياسة الأمر الواقع»!! ومثل هذا الموقف غريب في عالم السياسة لأنه يدخلنا في مجال المشاعر أكثر من مجال الصلاحيات الدستورية، وكأن المتحدثة أرادت أن تقول إن الرئيس «غاضب» من هذا التعديل أو «مستاء» أو بالعامية «واخذ عل خاطره»… وكل ذلك لا معنى له سياسيا وقانونيا.
رئيس الحكومة في تونس لم يعد «الوزير الأول» كما كان يسمى من قبل ولم يعد مجرد منسق لعمل الحكومة يعمل تحت أنظار رئيس الجمهورية. لقد اختارت تونس نظامها السياسي الجديد وعلى الجميع أن يعوا بذلك ويتحركوا ضمنه وأولهم رئيس الجمهورية. ويؤكد الخبراء القانونيون في تونس أن رئيس الحكومة هو رئيس الفريق الحكومي وأن أي تعديل محدود أو واسع يدخله على حكومته يستلزم عرضه على مجلس النواب، وبالتالي فالمسألة برمتها الآن بين رئيس الحكومة ومجلس النواب وليس لرئيس الجمهورية دخل فيها طالما أن حقيبتي الخارجية والدفاع العائدتين إليه بالنظر لم يمسا.
الطريف في الموضوع، إن كان الموضوع يتحمل إيراد اللفظ من أساسه، أن الباجي قايد السبسي هو من أتى بالشاهد واقترحه رئيسا للحكومة مع أنه لم يكن معروفا أو ذا ثقل خاص في الحياة السياسية المحلية، وقد جاء به من حزب الرئيس «نداء تونس» نفسه قبل أن يتشظى هذا الحزب، بسبب ممارسات ابن الرئيس حافظ قايد السبسي، ويصل حد تجميد عضوية الشاهد فيه. لقد قرر هذا الأخير أن يلعب دوره رئيسا للحكومة بالكامل مستنفدا إلى الآخر كل الصلاحيات التي يمنحها له الدستور، في وقت ظن فيه الرئيس أن الإتيان برئيس حكومة «غير ثقيل» سيؤمن له السيطرة عليه، فيعيد بذلك إلى النظام طابعه الرئاسي حتى وإن خالف ذلك الدستور. كل هذه الحسابات سقطت في الماء!!
أخطر ما في «زعل» الرئيس قايد السبسي من التحوير الوزاري الذي قام به الشاهد هو أن الرئيس، وبعد ما ظل لأشهر يحاول جاهدا التظاهر بأنه ليس مع ابنه في معسكر واحد ضد رئيس الحكومة، اختار في النهاية أن يشهر بوضوح كبير عداءه للشاهد. ولا يهم في النهاية إذا ما ساهم ذلك في مزيد تعفين الحياة السياسية المتأزمة قبل 11 شهرا من انتخابات رئاسية وبرلمانية يتمنى كثيرون أن تريحنا من أغلب الوجوه الحالية مرة واحدة.
كاتب وإعلامي تونسي
لطالما اعتقدت بأن تونس مختلفة عن العقلية السياسية لبقية العالم العربي، لكن الأحداث السياسية المذكورة في هذا المقام، تعيد للأذهان ممارسات الساسة العرب غير المسؤولة، مع شخصنة المواقف السياسية، واعمال خطاب المشاعر بدل الاستناد على المواد القانونية الصارمة والواضحة.. تونس ليست دشرة ولن تكون يا سيادة الرئيس!
سيد الرئيس انت تجنى ما زرعت ….نحن انتخبناك على اساس إنهاء حكم الطائفة سياسيا ….إنهاء الإرهاب….كشف حقيقة اغتيال بلعيد و البراهمى و نقض ….كشف من وقف وراء تسفير الالف المجرمين و القتلة الى بؤر الارهاب …. و بعد الانتخابات وجدناك تتبادل القبل معهم ….و تتحالف معهم و تتوافق معهم و تتشوار معهم ووفرت لهم غطاء المدنية و العلمانية ….وفى اول اختبار داسوا عليك ….تحمل المسؤولية و هذا درس للجميع و خاصة ممن يوفر لهم غطاء المدنية و العلمانية…..و تذكروا حكاية الأرملة السوداء …..تحيا تونس تحيا الجمهورية
ابن الجمهورية ، انت تقصد حزب النهضة وانصاره ، والاغلبية تعلم ان لديهم الاكثرية وانهم مثال نظافة اليد وعفة اللسان ولكن الحداثة والمدنية عند من اخترعها ليست ضد الدين ولكنها مع الحرية ، انتم لا تعرفون الحداثة ولا المدنية ، منطقكم هو الاقصاء لمن يختلف معكم.
و من رايته تحدث عن الدين ….تريدون حشره فى كل موضع …. نعم الحداثة و المدنية و العلمانية ليست ضد الدين بل تحميه من كل انواع تجار الدين و السياسة على اختلافهم …بإرجاعه إلى وظيفته الإيمانية الخاصة بين العبد و ربه فقط ….اما بخصوص الطائفة اغلبيتها فى تشتت القوى المدنية و الحديثة فقط لا غير ….فهى ليس لها اكثر من 20% من الجسم الانتخابى التونسي و ليس من الشعب التونسي و الفرق كبير جدا ….لذالك هى تقوم بالبحث دائما عن غطاء لعوراتها السياسية يوم مع السبسي و اليوم مع الشاهد…تحيا تونس تحيا الجمهورية
أغفلت أهم سبب اللذى ” أزعل ” الرئيس……وهو أن القائمة المقدمة له تم تغيير بعض الاسماء عند الاعلان عنها ……
يعنى القضية قضية شكل لا أكثر و لا أقل ……مع العلم أن الاختلاف بين رأسين السلطة التنفيذية قائم و معلوم للجميع …..
كنت أظن أن التونسيين وصلوا من الوعي ما يجعلهم يختارون ابن الثورة ويقطعون مع العهد السابق، لكن للأسف تأثرهم بالحملات الإعلامية الحاقدة على الثورة وعلى النهضة جعلهم يتجهون نحو اختيار احد رموز النظام السابق التسعيني والان يشتكون كما يشتكي الاخ ابن الجمهورية من تونس، شيء لا يصدقه العقل في البلد الذي منه انطلقت ثورات الربيع العربي.
..وحاله حتل المثل السائد في الجزائر ” الرشام حميدة واللعاب حميدة”
انها سياسة الالهاء التي يمارسها الحكام العرب للاستمرار في الحكم والتغطية على فشلهم في تسيير موارد البلد والعجز الذي تتميز به سياستهم القاصرة في بناء دولة المؤسسات والحوكمة الراشدة