اخيرا قطعت تونس اكثر الخطوات وعورة وحساسية في مسارها الطويل والمتعثر نحو الديمقراطية، بالمصادقة في ساعة متأخرة من مساء الاحد الماضي على الدستور الجديد وباغلبية فاقت التوقعات. ما بقي عالقا من مشاهد الحدث التاريخي الذي نقله التلفزيون الرسمي مباشرة على الهواء، هو بلا شك صور الفرحة ‘الهستيرية’ التي عمت جميع النواب في ختام الجلسة من دون النظر الى أي انتماءات حزبية او آيديولوجية كانت في السابق الوقود الحقيقي لتوترات ومشادات بلا طائل.
لم يكن باستطاعة اي كان ان يتخيل قبل ايام قليلة فقط مشهدا كالذي حصل في ذلك المساء تحت قبة المجلس. عناق حار وتبادل للتهنئة بالدستور الجديد بين نائبين ينتمي احدهما لحركة النهضة الاسلامية، فيما ينتسب الاخر للجبهة الشعبية اليسارية، بعد ان تسببت تصريحات للأول وردة فعل للثاني في اثارة موجة جدل واسع افضت الى ادخال تعديلين على الفصل السادس من الدستور قصد التنصيص على منع الدعوة للتكفير او التحريض على العنف.
ما تبادر لاذهان الكثيرين فور رؤية ذلك المشهد هو ان كانت تلك المظاهر الودية مؤشرات تدل الى قرب حصول مصالحة ظلت حتى الان متعسرة ومنقوصة بين الاخوة الاعداء طوال العامين الماضيين، وذلك بعد ان زالت بالموازاة مع ذلك اخر الحواجز والعقبات امام الحكومة الجديدة، التي تستعد لنيل ثقة المجلس التأسيسي في الساعات القليلة المقبلة، أم ان الامر لا يعدو ان يكون مجرد هدنة قصيرة ومحدودة قبل الاستعداد لشحذ سكاكين المواجهة من جديد؟
بالون الاختبار الاول الذي اطلقته حركة النهضة في ذلك الاتجاه وقبل التوصل الى المصادقة على الدستور، هو الدعوة التي وجهها منذ مدة احد وجوهها ممن يوصفون بالصقور نحو الجبهة الشعبية التي ظلت مواقفها على نفس التصلب والعداء للاسلاميين. فقد صرح لطفي زيتون الشهر الماضي لصحيفة اسبوعية بأنه يدعو الى حوار ثنائي بين النهضة والجبهة، و’ان الهوة الموجودة بينهما اوسع بكثير من الخلافات الواقعية’، لكن احد قادة الجبهة رد عليه في برنامج تلفزيوني بان لا حاجة لاجراء حوار من اجل الحوار، وانه يتعين على حركة النهضة ان تتخلى عن دعمها لروابط حماية الثورة التي ينظر اليها كميليشيا تابعة للاسلاميين، ثم الحسم في ازدواجية الطابع الدعوي والسياسي التي ظلت تلازم الحركة حتى الان. ومن الناحية العملية لم يحصل شيء بعد ذلك سوى اللقاءات العادية في جلسات الحوار الوطني او تحت قبة المجلس التأسيسي.
باعلان مهدي جمعة عن تشكيل حكومته الجديدة لا يبدو ان هناك ما يشير الى ان مواقف الجبهة تبعث على التفاؤل بحصول تغيير قد يمهد الطريق نحو توافق واسع بات مطلوبا اليوم اكثر من أي وقت مضى، فقد سارعت فور ورود تسريبات أولية حول احتمال الابقاء على وزير الداخلية الحالي لطفي بن جدو في التشكيل الوزاري المقبل، الى الحديث عن ‘ترويكا ثالثة ‘، في اشارة الى الحكومتين السابقتين، مبدية رفضها المطلق لوجود وزراء تصفهم بالفاشلين وتحمل الحكومة المستقيلة التي ينتسبون اليها المسؤولية عن اغتيال اثنين من زعمائها، وهما بلعيد والبراهمي.
استعمال نفس اساليب الضغط على الحكومة الجديدة، اي التلويح بالورقة النقابية من خلال النفوذ الذي تملكه الجبهة داخل المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل اكبر المنظمات النقابية في البلد، سوف لن يكون له بالتأكيد نفس التأثير السابق. فلا قيادة الاتحاد التي كانت المهندس والمشرف على الحوار الوطني تبدو حريصة على افشال الحكومة الجديدة ولا اتحاد اصحاب الاعمال لديه الرغبة في ذلك.
هناك من ناحية اخرى جانب اخر وهو التقارب بين الاسلاميين وحركة نداء تونس، والايماءات المتكررة التي ترسل من هذا الجانب او ذاك عن صيغة تفضي بعد الانتخابات الى نوع مـــن تقاســـم السلطة، وهو أمر يبدو ان القوى الاقليمية وحتى الدولية باتت تدعمه وترى فيه الاسلوب الامثل الذي ينبغي سلوكه في مثل هذا الظرف.
كل تلك العوامل وغيرها تدفع باتجاه التوقع بأن تشكل الطريقة الفريدة التي تم بها انجاز الدستور، التي قامت على توافــــقات واسعة النطاق، نوع من الالزام الاخلاقي امام جميع مكونات الساحة السياسية لاتمام ما تبقى من المرحلة الانتقالية باكبر قدر ممكن من التوافق واقل كلفة متاحة.
ما قد يعنيه ذلك انه بخروج حركة النهضة من الحكومة واصرارها وحرصها الواضح على عدم الانفراد بصياغة الدستور واعلانها منذ الان عن نيتها الحكم ضمن ائتلاف بينها وبين احزاب علمانية في حال فوزها في الانتخابات المقبلة، لم يعد هناك من مبرر لبقاء المعارضة على نفس خط تصلبها القديم.
لقد كسبت تونس دستورا أعادها الى صدارة اهتمامات العالم. اما في الداخل فقد مثل ذلك الدستور فرصة نادرة لجميع التونسيين كي يدركوا بوضوح ان شعار ‘لا غالب ولا مغلوب’ هو المفتاح الأفضل والأسلم لمواجهة مشاق الديمقراطية الوليدة والصبر على محنها واختباراتها الاليمة .
‘ كاتب صحافي من تونس
نهنئ تونس الشقيقة عى انجازهونتمنى ان يل اللى باقي الدول العربية بدءا بالجيران الذين فيهم من يعيش لحظات الحيران وفيهم من لايستطع لملمة انفاسه والبقاء في حالة الدوران
وفق الله شعب تونس لكل خير.
أوافق تماما ما جاء في المقال ورغم أني مستقل أقول أن المعارضة وقعت في فخ النهضة أو بالأحري في فخ العقل المدبّر للحركة, لقد أرادت المعارضة ابعاد النهضة من الحكم و اضهار فشلها و لكن وقع عكس ذلك تماما فاليوم الأكبر مستفيد هي حركة النهضة إذ أمام كل العالم تنازلت هته الحرة عن الحكومة و أنجزت دستور توافقي وظهرت حركة النهضة حركة ديمقراطية، إيجابية و تؤمن بالحوار في حين ظهرت المعارضة حركة تعارض لكي تعارض وليس لها أي برامج ورؤية.
مثلما كانت تونس جريئة في ثورتها راقية في اسلوبها الخاص والذي حولت به و منه انظار العالم كله اليها وتعاملها مع الاوظاع الاقتصادية والاجتماعية المترديه والتطاحن السياسي بين الاخواة الفرقاء نجحت مرة اخري في صياغة دستورها الثالث بعد الاستقلال لتبرهن انها بلد راقي يقطنه شعب واعي يعي جيدا مصلحة بلده يتخلي علي اديولجيته وكل امصالحة الشخصية اما المصلحة العامة والعليا للوطن
اري ومن خلال مقالك الرائع سيدي قد نقلت الحدث كما هوبكل شفافيه وحرفية فشكرا لك علي حسك الصحفي الرائع ونزاهتك الاعلاميه وفقك الله ,
الوعي بقيم التعليش واحترام الآخر ساعد التونسيين على تخطي صعوبات المرحلة وأعجبتني استنتاجات الأستاذ نزار ( الدستور فرصة نادرة لجميع التونسيين كي يدركوا بوضوح ان شعار ‘لا غالب ولا مغلوب’ هو المفتاح الأفضل والأسلم لمواجهة مشاق الديمقراطية الوليدة والصبر على محنها واختباراتها الاليمة .)