وصلت في الاسبوع الماضي قافلة سيارات سوداء إلى مدينة سيدي بوزيد البعيدة اربع ساعات سفر عن تونس العاصمة، توقفت القافلة في ميدان الشهيد محمد بوعزيزي ونزلت منها عدة شخصيات رفيعة المستوى ومنهم وزير الخارجية التونسي منجي حمدي، وقد جاء الضيوف للمشاركة في الذكرى السنوية الرابعة للربيع العربي وموت بوعزيزي، بائع الخضار الذي أشعل نفسه وأشعل المنطقة كلها.
بعد عدة خطابات مؤثرة، وعد فيها المسؤولون بمستقبل أفضل لتونس وبالذات لسيدي بوزيد، أطلق الجنود 17 طلقة في الهواء ووضعت الازهار على النصب التذكاري، استمرت القافلة ومرت من الشارع الكبير الوحيد في المدينة، الشارع الذي سمي ذات مرة شارع 7 تشرين الثاني، وهو التاريخ الذي قام فيه الرئيس المعزول زين العابدين بن علي بثورة الياسمين الاولى.
منذ اربع سنوات لا يوجد اسم لهذا الشارع حيث لم تجد السلطات له اسم بعد. مقاهي صغيرة تقدم فقط الشاي والقهوة باسعار رخيصة، كانت مليئة بالناس الذين عرفوا بو عزيزي شخصيا لكنهم لم يرغبوا في المشاركة في المراسم الاحتفالية على مرور اربع سنوات على الثورة. سيدي بوزيد بقيت كما هي على حد قولهم: فقيرة ومهملة
هذه بلد بدون مخرج. لم يقم هناك أي مشروع ليقوم بتشغيل الشباب والوعود الكثيرة التي أطلقها السياسيون نسيت كأنها لم تكن. الامر الوحيد الذي تغير هو صورة على جدار لبوعزيزي الذي ظهر في مركز المدينة. والوحيدة التي تركت المدينة كان والدة بوعزيزي التي حصلت على مساعدات كافية من اجل شراء بيت جديد في تونس العاصمة وترك عرش الربيع العربي إلى الأبد. هل نجحت الثورة التونسية؟ هذا يعتمد على من نسأل، كما يقول محمد اللالي وهو منتج تلفزيوني شاب يصل إلى سيدي بوزيد بضع مرات في السنة لتغطية الزيارات الرسمية. لدينا من جهة حرية تعبير ولكن اذا سألتم الشباب العاطلين فانهم سيقولون إنه لم يتغير شيء. الاسباب التي أدت إلى موت بوعزيزي لم تتغير – لم يتغير شيء في سيدي بوزيد وقد توقف الوقت عن السير.
اللالي نفسه يسكن في تونس ويؤجل عرسه سنة بعد اخرى بسبب وضعه الاقتصادي، «خطيبتي لم تجد عملا، والشبكات الاجنبية لا تهتم بتونس. لم تٌسفك لدينا الدماء، والتغييرات البطيئة والهادئة لا تهم الصحافة والمشاهدين»، قال ذلك إما بفرح أو بأسى.
لا للمتطرفين
في العودة إلى سيدي بوزيد – للذكرى الاولى قبل ثلاث سنوات – وصل الرئيس المؤقت منصف المرزوقي وبضعة وزراء. هذه السنة غابوا عن الاحتفال في المدينة البعيدة وليس فقط بسبب الانتخابات الرئاسية. في المرة القادمة قام الشباب بالقاء الحجارة على قافلة مرزوقي ودفعوه إلى الهرب من المدينة.
اربع سنوات هي فترة كافية من اجل فهم أن الثورة قد بدأت في سيدي بوزيد لكنها استمرت من هناك إلى اماكن اخرى، المدينة وسكانها لا يهمون السياسيين الكبار. ليس غريبا أن الانتخابات الرئاسية في يوم الاثنين الماضي صوت فيها أقل من 30 بالمئة من أبناء المدينة للمرزوقي.
نسبة التسجيل للانتخاب ونسبة الناخبين فعليا في سيدي بوزيد كانت من الأقل في الدولة. وتتصدر المدينة احصائيات اخرى – حسب الشرطة يوجد في المنطقة نشاط واسع لتجار المخدرات ومستوى الجريمة زاد بشكل كبير في السنوات الاربع الاخيرة. على الرئيس الجديد للحكومة أن ينتبه لما يحدث في سيدي بوزيد، ففي النهاية جاءت الثورة من هناك وليس صدفة. كما قال اللالي.
ليس فقط في سيدي بوزيد يعتقد التونسيين أن زمن المرزوقي قد ولى. أعلام حمراء وصور السياسي القديم باجي السبسي إبن 88 عاما تزين كل بيت تقريبا في ضاحية حبيب بورقيبة الجميلة في مركز العاصمة تونس. إنه بالنسبة للاغلبية المرشح الانسب لقيادة تونس إلى المستقبل الحر والديمقراطي.
«إنه شخص رائع وزعيم حقيقي، مثقف والاكثر مناسبة لقيادة تونس. أنا أنتخب للمرة الاولى وأنا سعيدة لأنني قمت بالانتخاب بكامل حريتي. وأبناء عائلتي ايضا جاءوا للتصويت من اجل السبسي لأننا نريد تقوية المعسكر الليبرالي والعلماني وليس الاسلامي»، قالت لي داليا الشابي، طالبة تدرس الاقتصاد في كلية الادارة في جامعة تونس.
لا يهم داليا أن مرشحها بدأ طريقه السياسية في الخمسينيات وقبل مولد والديها، وأن الشخص كان وزير خارجية ووزير داخلية في عهد الرئيسين الوحيدين لتونس، بورقيبة وبن علي. «اذا قمنا بالقاء جميع اصحاب الخبرة الذين كانوا مرتبطين بالنظام السابق كما حدث في العراق، فمن سيبقى اذا؟ بعض الانتهازيين الذين لا يفهمون في ادارة الدولة وتنظيمها. وقد حدث أن صعد حزب النهضة الاسلامي إلى السلطة وحصل على اغلبية البرلمان، محظور أن يحدث هذا مرة اخرى».
تونس ليست العراق ولا مصر أو ليبيا أو سوريا أو اليمن أو أي دولة اخرى. ليس صدفة أن الربيع العربي بدأ فيها. الدولة المتجانسة من ناحية انتماء سكانها للاسلام السني مع نسبة كبيرة من الذين يقرأون ويكتبون، هي الدولة التي لا يخاف فيها الكثيرون من القول إنهم علمانيون. دولة ذات طبقة وسطى واسعة.
عودة إلى فترة بورقيبة
بدأت تونس موجة الثورات في الدول العربية وتبدو هي الوحيدة التي تحقق نجاحات معينة في مواجهة التحديات غير البسيطة للديمقراطية. ثورة الياسمين لم تسفك فيها الدماء، وعمليتين انتخابيتين للبرلمان مرتا بهدوء. باستثناء احداث تراجيديا قليلة مثل عمليتي قتل سياسيتان في المعسكر العلماني، والصراع بين العلمانيين والاسلاميين في العام الماضي الذي دفع في نهاية الامر إلى الذهاب لانتخابات جديدة حيث خسر الاسلاميين لحزب السبسي، ومرت الانتخابات بهدوء نسبي.
ايضا في الانتخابات الاخيرة للرئاسة فان معسكر المرزوقي لم يزعم أن الانتخابات تم تزويرها. وبعد تردد طويل أعلن المرزوقي عن انتصار السبسي وأعلن أن من انتصر هو الديمقراطية التونسية. في آب العام الماضي عندما قمت بتغطية المظاهرات في الميادين الرئيسة في تونس وبعد مقتل محمد البرهمي بقليل، أحد قادة المعارضة، صعقت من الكبح الذاتي الذي أبداه المعسكران.
في ميدان واحد تظاهر مؤيدو حزب النهضة وليس بعيدا من هناك تظاهر والقى خطابات مؤيدو المعسكر العلماني. نشطاء من المعسكرين شددوا على ضرورة الابتعاد بين الطرفين من اجل منع الاحتكاك واندلاع العنف. نساء تونسيات تظاهرن مع الرجال في الميادين وأعلن عن مواقفهن بحرية، دون خوف.
كانت تونس دائما مختلفة في المشهد العربي حول حقوق النساء، واليوم بقيت النساء في الجبهة مع كمية كبيرة من النشاط السياسي. داليا الشابي التي خرجت مع اخواتها إلى ضواحي حبيب بورقيبة في ذلك الشتاء قبل اربع سنوات وطلبت من الرئيس إبن علي الاستقالة تطلق المديح تجاه الشخص الذي سميت على اسمه الضاحية: «بورقيبة هو أبو الأمة، وإبن علي سحق إرثه. يجب أن نعيد تونس إلى الجذور المتحضرة، إلى طريق بورقيبة وتحسينها».
اذا حاكمنا بناء على الانتخابات للرئيس الجديد فان تونس تعود بالفعل إلى فترة بورقيبة. في التلفزيون الوطني يأتي ضيوف خدموا في تلك الفترة في الجيش أو السلطة، وبدأ السياسيون بعمل المقارنات مع تلك الفترة، هذا هو اتجاه الدولة.
واذا نسينا للحظة أن بورقيبة بقي في السلطة ثلاثين عاما حتى ثورة إبن علي عام 1987 فان صورته ستبقى لأنه أقام تونس العصرية والعلمانية، وأدى إلى ثورة في حقوق النساء وأنتج جهاز تعليمي ممتاز.
الى الأمام أو الخلف
يجب أن نعرف ايضا أنه في الطريق إلى العصرنة العلمانية قام بورقيبة بضرب حقوق المواطن وخلق عبادة الشخصية مثل أي دكتاتور في العالم. وقد يكون بسبب ذلك أيمن المزليني وهو شاب شارك في المظاهرات ضد إبن علي وأيد الرئيس المؤقت المرزوقي، قد قال إن العودة إلى عهد بورقيبة هي الخطأ الاكبر الذي قد يفعله التونسيين.
هو بنفسه كان عاطلا عن العمل رغم التعليم الذي تلقاه في الخارج. يقول أيمن إن الاسباب التي أدت إلى انتفاضة 2010 لم تختف، وإن الاقتصاد غرق في ازمة صعبة وإن شخوص إبن علي يعودون إلى السلطة. الامر الجيد الوحيد الذي يستطيع قوله عن السبسي هو مرتبط بعمره الكبير: «حتى الآن كان لدينا رئيسين أحدهما سيطر على الدولة ثلاثين عاما والثاني 23 عاما، نستطيع أن نكون متأكدين أن السبسي لن يترشح لفترة اخرى».
لا يقبل أيمن بالمديح الذي يُكال لتونس حول الرئيس المنتخب. «أكيد أن الغرب سيفضل الهدوء لدينا كي لا نكون مثل ليبيا أو سوريا، ولكن لا يمكن أن يكون الحل هو العودة بالزمن إلى فترة بورقيبة».
ومع ذلك ورغم الانتقاد فان تونس اليوم تحتفل بانجازات ربيعها بالرئيس الجديد الذي تنتظره فترة غير سهلة – يجب أن يحل مشكلة القرض الضخم من صندوق النقد الدولي الذي يجب أن تعيده بلاده وأن يقرر اذا ستأخذ تونس قرضا آخر من اجل استثماره في الاقتصاد المحلي.
تنتظر السبسي مواجهة غير بسيطة مع الجهاديين السنيين الذين سيعودون إلى البيت قريبا من ارض المعركة السورية وهو من المفترض أن يحقق التوقعات الكبيرة للشباب الذين لم يشاركوا تقريبا في الانتخابات وينظرون إلى خطواته بتشكك. قبل اربع سنوات تخلصت تونس من القمعية. والسؤال هل تستطيع هذه الدولة الشمال افريقية أن تعبر المرحلة القادمة بالفعل.
كساليا سباتلوف
اسرائيل اليوم 28/12/2014
صحف عبرية
ﺍﻟﺤﻖ،ﺍﻟﺤﻖ،ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻼﻟﻲ ﻭ ﺩﺍﻟﻴﺎ ﻭﺃﻳﻤﻦ ﻫﻮﻛﻼﻡ ﻛﺘﺎﻟﻴﺎ ﺳﺒﺎﺗﻠﻮﻑ ،،ﺃﺭﺍﺩﺕ ﺃﻥ ﺗﻄﺮﺡ ﻭﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮﻫﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺠﺮﻱ ﻓﻲ ﺗﻮﻧﺲ ﻭﻫﻲ ﺗﺘﺠﻮﻝ ﺑﻜﻞ ﺛﻘﺔ! ﺑﻘﻲ ﺃﻥ ﺃﻗﻮﻝ ، ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﺘﺠﻮﻝ ﺃﻛﺜﺮ ﻓﻲ ﺳﻴﺪﻱ ﺑﻮﺯﻳﺪ ﻭﺗﺴﺄﻝ ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻨﻴﻦ ﻭ”ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻨﺎﺕ” ﻫﻨﺎﻙ،،ﻓﻘﺪ ﺗﺨﺮﺝ ﺑﻨﻔﺲ ﺍﻟﻘﺭﺎءﺓ ﺃﻭ ﺑﻘﺮﺍءﺓ ﻣﻐﺎﻳﺮﺓ!
لأن لتونس رجالها و نساء جدا مثقفات و متواجدات في كل المناصب و لأن لها أمن جمهوري و جيش وطني و لأن لها دستور محكم يحمي الحريات و المعتقدات الشخصية و رغم الصعبات الجمة والاغتيالات من جانب المتطرفين الارهابيين و تدخل بعض البلدان التي لا تريد لثورة تونس أن تنجح و رغم قلة الحال لأن ليس للبلد من ثروات كالبترول نحن نريد بقوة و كما فعلنا من قبل و في سالف العصورن أن نفعل و ننجح مسارنا الى ما هو أحسن.