تونس- عادل الثابتي: تصاعدت لهجة الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، منذ أيام تجاه شريكه في التوافق منذ 2015 حركة “النهضة”، ووجه لها اتهامات بأنها “تهدّده”.
إلا أن “النهضة” (إسلامية 68 نائباً/ 217)، ردت على تصريحات السبسي، بتجديد ثقتها في حرصه على “السهر على احترام الدستور، وضمان علوية القانون والتصدي لكل الممارسات التي من شأنها إقحام مؤسسات الدولة في التجاذبات”.
وكانت “النهضة” قد عبّرت، في بيان، قبل أسبوعين، عن استغرابها إزاء نشر الصفحة الرسمية للرئاسة “اتهامات صادرة عن بعض الأطراف السياسية (الجبهة الشعبية) بنية الإساءة لطرف سياسي آخر”.
وبعد إعلان السبسي في سبتمبر/أيلول الماضي، عن نهاية توافق مع حركة “النهضة”، استمر 5 أعوام، أعلن الخميس الماضي، خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي بقصر قرطاج، أنه يتوجه للقضاء للرد على تهديدات “النهضة”.
“الشاهد” سبب القطيعة
اعتبر المحلل السياسي، نصر الدين بن حديد، أن “الأسباب العميقة للقطيعة بين الباجي، والنهضة هي التحولات الاستراتيجية التي تمت في تونس، بصعود (رئيس الحكومة) يوسف الشاهد، كقوة أولى مدعومة دولياً وإقليمياً ومحلياً”.
وقال إن “النهضة فضلت التوافق مع الشاهد على التوافق مع الباجي”، لافتاً إلى أن التوافق في تونس “دائم ومستمر لكن تغيّر الشريك”.
متفقاً معه في الرأي، قال الباحث الاجتماعي، هشام الهاجي، إن “القطيعة بين الباجي، والنهضة لم تعد خافية على عموم المتابعين، وتتمثل في أن حركة النهضة لم تساير الباجي في رغبته في تعويض يوسف الشاهد على رأس الحكومة”.
وأضاف الحاجي أن “هذا الرفض وتّر العلاقة، وأظهر أن التوافق لم يقم على برامج بل على أشخاص (قايد السبسي ورئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي)، وفتح الأبواب أمام مشهد سياسي جديد”.
وأشار “بن حديد”، إلى أن “النهضة في وضع المتفرج في صراع يوسف الشاهد، والباجي قايد السبسي؛ لكن الباجي يعتبرها عدواً، وقد فتح المعركة على جبهتين”.
وارتأى، أن ما يدلّل على ذلك، هو “تقديم قضية لدى المحكمة العسكرية ضد يوسف الشاهد بتهمة الانقلاب، وإثارة ملف الجهاز السري للنهضة، ومحاولة الباجي التصعيد وتمرير الملف للقضاء”.
“مخاطر” على مسار الانتقال الديمقراطي الهش
وأوضح الباحث الاجتماعي، هشام الحاجي، إلى أن طبيعة العلاقة بين “النهضة”، والسبسي تؤثر في المشهد السياسي التونسي والانتقال الديمقراطي.
وأضاف الحاجي: “لولا لقاء باريس بين الباجي قايد السبسي، والغنوشي لسارت الأوضاع في اتجاه أكثر احتقاناً، ولكنا على أبواب استنساخ (تجارب) عربية فشلت فيها التحولات السياسية”.
وفي 15 أغسطس/آب 2013، انعقد لقاء لأول مرة بين قايد السبسي، رئيس حزب “نداء تونس”، وراشد الغنوشي، رئيس حركة “النهضة” في باريس، حيث توافق الطرفان على “تجاوز الصراع واختيار التوافق بدل المناكفات”.
وأنهى التوافق أزمة سياسية حادة في تونس نتيجة اغتيالات سياسية، وعمليات إرهابية شهدتها البلاد وراح ضحيتها قياديان في “الجبهة الشعبية” اليسارية، والكثير من الجنود ورجال الأمن.
وفي خطوات “تصعيدية”، أراد الباجي، أن يوجّه رسائل إلى شريكه السابق، حركة “النهضة”؛ ردّاً على اختيارها توافق جديداً مع رئيس الحكومة، يوسف الشاهد.
وارتأى الحاجي، أن “الباجي من خلال استقبال محمد بن سلمان (الثلاثاء قبل الماضي)، ومن خلال تبني -إلى حد ما- قضيتي الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي (باستقبال لجنة الدفاع عنهما القريبة من الجبهة الشعبية)، أراد أن يوجه رسائل إلى حركة النهضة ليظهر لها أن لديه أوراقاً يمكن أن يستعملها”.
ورجح، أن قايد السبسي أرسل هذه الرسائل “بعد أن تصور أن النهضة قد اعتقدت أنه (السبسي) قد انتهى، ولم يعد يملك ما به يؤثر على مجريات الأحداث”.
الوضع الاجتماعي المتأزم يفتح الباب أمام “الانزلاقات”
ونوّه المحلل السياسي، بن حديد، إلى هشاشة المسار الديمقراطي، واستمرارية التوتر مع تبدل المتغيرات، وحصول طارئ جديد هو الصراع بين السبسي والشاهد.
وتوقع بن حديد، أن “هذا الصراع سيصبح مركز الثقل ويختزل جميع الصراعات الأخرى”.
وحذّر من أن هذه التطورات فيها “مخاطر اللجوء إلى العنف، وتغيّر المسار من جدلية سياسية إلى تبادل العنف في الشارع”.
ورغم أن الحاجي قلّل من احتمالات حصول العنف في الشارع؛ لكنه رجح أن ذلك نظرياً وارد جداً.
ومضى الحاجي قائلاً: “لا ننسى الوضع الاجتماعي المتأزم الذي يفتح الباب أمام بعض الانزلاقات، لكن في المقابل يُعتبر إيجابياً -إلى حد الآن- حصول هدوء وضبط النفس، وربما هناك تبنٍ لتقاليد ديمقراطية حقيقية جديدة”.
وتابع موضحاً: “لا ننسى أن الإضراب العام الأخير (إضراب الوظيفة العمومية يوم 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي الذي دعا له الاتحاد العام التونسي للشغل) الذي اعتقد البعض، أنه قد يفتح الباب أمام العنف أو بعض مظاهر الاضطراب قد مرّ في هدوء لافت، ما يبيّن أن للطبقة السياسية التونسية قدرة كبيرة على ضبط النفس”.
إلا أن الحاجي، نبّه إلى أن “تونس توجد في محيط دولي إقليمي فيه تهديدات بالإرهاب، وفيه حسابات إقليمية، والجار الليبي ليس في أحسن حالاته”.
وحذر من أن كل ذلك، ربما يفسح الباب أمام “البعض، لاستغلال توتر العلاقات بين أهم تيارات المشهد السياسي من أجل التحريض على العنف، وربما من أجل القيام ببعض أعمال العنف المعزولة”.
عودة التوافق بين السبسي و”النهضة”.. الشاهد أكبر الخاسرين
ويرى متابعون، أن ارتفاع حدة التوتر بين “النهضة”، والسبسي قد لا تكون نهائية رغم تلويح السبسي بالمحاكم تجاه “النهضة”.
متسائلاً، عمّا إذا كانت القطيعة بين “النهضة” والسبسي نهائية، أضاف الحاجي: “إمكانية عودة الحوار ورادة جداً، ولا ندري أن كان ذلك سيؤدي إلى عودة التوافق أم لا”.
وأردف: “حالياً هناك في مستوى الحزبين بعض الأصوات التي تنادي بالحوار، وتعتبر أن الديمقراطية تقوم على الحوار، وهناك في كل تجربة ديمقراطية أزمات، ولكن الأزمات لا يمكن أن تبرر بأي حال حالة القطيعة”.
ولفت الحاجي إلى أنه “في نهاية الأمر حركة النهضة لها وزنها في المشهد السياسي، وكذلك رئيس الجمهورية له قيمته الاعتبارية، وله أوراقه التي يستعملها، وله في مستوى الرأي العام من يدعمه”.
وقدّر الحاجي، أن “يوسف الشاهد ربح إلى حين وفي نهاية الأمر مطروح عليه كيف يحوّل الانتصار الآني إلى انتصار نهائي”.
واختتم بالقول: “إذا رجع قايد السبسي إلى النهضة، فسيكون الخاسر الكبير هو يوسف الشاهد، لأن ثمن العودة هو إزاحته من المشهد السياسي”. (الأناضول)