عمان- «القدس العربي»: رسالة السلطات الأردنية تبدو «مسيسة» بامتياز وهي تغدق في «رعاية» رئيس مجلس النواب اللبناني الرئيس نبيه بري وهو يزور عمان ضمن المشاركة في فعاليات المؤتمر الأخير للاتحاد البرلماني العربي.
بري، خلافاً لبقية رؤساء الوفود، حظي بـ «تشريفات ملكية» من الطراز المخصص لرؤساء الدول. الحزمة الخصوصية التي وضعت من أجل الرئيس بري تضمنت استقبالاً ملكياً منفرداً وخاصاً ومرافقة من الحرس الملكي وتسهيلات لم يحظ بها غيره، مع موكب حراسة مسلح.
مصر مصرة على الاستفسار: ما سبب تغيب عبد الله الثاني عن قمة شرم الشيخ؟
هذه الحزمة من «الدلال البروتوكولي» كانت مثيرة للانتباه سياسياً، خصوصاً من حكومة بلد كانت دوماً إلى جانب تيار المستقبل وفي شراكة مع الحريري ولا تربطها بتيارات الممانعة اللبنانية من حركة «أمل» إلى حزب الله وغيرهما أي اتصالات ودية، بل ارتياب وشكوك بالعادة. تبدلت الصورة قصداً وفي سياق استمرار زحف الأردن خارج المنظومة السعودية التوتيرية.
الزعيم اللبناني انتبه تماماً للتفاصيل ورد على «الدلال الأردني» بطريقته، فكان الوحيد بين رؤساء الوفود الذي هاجم علناً لصالح أجندة رئيس مجلس النواب المضيف عاطف طراونة، داعياً إلى الالتزام الحرفي ببرنامج عمل متفق عليه للاجتماع، وهو قضية القدس.
بطبيعة الحال، ساند بري إصرار طراونة على «إدانة» مشاريع التطبيع العربية مع الاحتلال الإسرائيلي ووقف مع مضيفه الأردني عندما برز التناقض مع وفدي الإمارات والسعودية في مشهد عام التقطته كل المجسات الإعلامية.
في لقاء خصص للجالية من أبناء بلاده وحضره بعض الأصدقاء الأردنيين، اعتبر بري ما يفعله الأردن مع سوريا «أنموذجاً» يتمنى أن تقتدي به حكومة بلاده، حيث الحدود مفتوحة والعلاقات التجارية تنمو، كما طالب اللبنانيين بتقليد الأردنيين في إدارة «أزمات الخدمات». وعملياً، لم يسبق لشخصية لبنانية من تيار بري أن امتدحت الأردن وتقاربت معه إلى هذه المسافة منذ عقود.
طراونة ورفاقه في هندسة الاجتماع البرلماني يعرفون أن المسألة لها علاقة بـ «بوصلة جديدة» لسياسة بلادهم بعيداً عن التمحور في العمق السعودي فقط وبدون فائدة. وبعد قمة البرلمان العربي الأردنية لاحظ المراقبون حصول تطورين في غاية الأهمية.
في الأول ترسل السعودية فجأة «وديعة مالية» بمقدار حصتها المتفق عليها من اتفاق مكة للبنك المركزي الأردني وتصل رسالة تقول «نحن معنيون بكم».
تلك رسالة سعودية ترد على صراخ رئيس مجلس الشورى السعودي في عمان عبد الله آل الشيخ بعدما أحرجه الثنائي طراونة وبري معاً أمام الإعلام وهو منزعج من إدانة التـطبـيع.
وعند التقييم في العمق الأردني، يتقرر التالي: مرحباً بالوديعة السعودية، لكنها ليست كافية لـ «تعديل» ميزان العلاقة المائل اليوم مع السعودية، وقد طلبنا من «الشقيق الكويتي» التكفل بمتابعة الالتزام بمقررات اتفاق مكة»، ووعد بذلك.
على مسمع من أعضاء نادي رؤساء الوزارات–وهنا التطور الثاني المهم- ومرتين على الأقل، طلب الملك عبد الله الثاني توجيه الشكر الجزيل للوقفة التي تظهرها الشقيقة الكويت.
كانت على الأرجح رسالة مقصودة تلتقطها شخصية أردنية رفيعة المستوى مقربة من الكويت من وزن الرئيس عبد الكريم الكباريتي الحاضر لإجـتماع تـشاوري في القـصر الملكـي.
تكرر الثناء الملكي على الكويت بعدما انتهى اللقاء التشاوري، وبعدما أعاد الكباريتي التأكيد على رؤيته العميقة التي تحاول البحث عن المصالح الوطنية الحيوية لبلاده ضمن تفاهمات وتحالفات أكثر تنوعاً وتأثيراً.
نظرية الكباريتي معروفة في السياق، فهو يجد صعوبة في فهم الجفاء مع دولة مثل إيران تسيطر على حدود بلاده مع دولتين جارتين على الأقل، هما سوريا والعراق.
وبهذا المعنى، يمكن القول إن الكباريتي قد يكون من أجرأ الشخصيات السياسية الأردنية في الرؤية النقدية ومن أقطاب دعوة تنويع الأردن لخياراته. قد لا يحتاج القرار اليوم إلى المزيد من النصائح في هذا الاتجاه فرؤساء برلمانات العراق ولبنان والكويت فقط حظوا بلقاءات ملكية منفردة، والكويتي غانم المرزوق تدفق وهو يعلن أمام مضيفه البرلماني الأردني العريق خليل عطية: «انقلوها عني بوضوح…نحن مع الأردن ولن نتركه».
الاتصالات بين الأردن والعراق والكويت تتفاعل على نحو غير مسبوق، ومؤخراً ينضم تيار»الممانعة» اللبناني إلى خطوط الرسائل الأردنية لكل من يهمه الأمر، سواء في تل أبيب أو واشنطن أو الرياض أو حتى القاهرة التي تسأل سفارتها في عمان حتى اللحظة: لماذا لم يحضر جلالة الملك قمة شرم الشيخ الأخيرة؟
يبدو في السياق أن «التهور السعودي» الذي يقلق الكويت جداً أصبح يعتبر بمثابة «مساحة مشتركة» مع الأردن، خصوصاً وأن الكويت «تستعين» هنا بما تيسر من الثقل الأردني ويجمعها مع الأردني تنكر الشقيق السعودي وهواجس مغامراته.
وسط هذا «الهلال السياسي» الوليد الذي لا يزال «في الخداج» عملياً ما لم تقمعه واشنطن، الاستعصاء الأردني مع إيران متواصل في العمق، لكن عمان تنفتح بدرجة حساسة ومحسوبة على حلفاء طهران في المنطقة، وتحديداً في لبنان وسوريا، وبدرجة أقل في العراق.