لندن: طمحت تيريزا ماي إلى النجاح في إخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وبأن تكون تجسيداً للكفاح ضدّ الفوارق الاجتماعية، لكنها تغادر الأربعاء من دون إنجازات تذكر.
وكتبت صحيفة “تلغراف” المحافظة، التي لا تخفي دعمها لرئيس بلدية لندن السابق بوريس جونسون الذي بات شبه مؤكد أنه سيخلف تيريزا ماي: “المعاناة اقتربت من النهاية. ولاية أسوأ رئيس للحكومة في بريطانيا بعد الحرب على وشك أن تنتهي. لن يفتقدها أحد”.
ولم يبد صحافي آخر في صحيفة “تايمز” البريطانية تساهلاً أيضاً تجاه ماي؛ فقد اعتبر أنها فشلت “فشلاً ذريعاً” في ملف بريكست، و”لم يكن لديها طموح” في أي ملفات أخرى.
طمأن وصول ماي إلى السلطة في تموز/يوليو 2016 البريطانيين بعد استفتاء اختاروا فيه الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وبدت ابنة القس، التي لا تتمتع بأي جاذبية خاصة لكنها تعمل بكد، المرشح الأفضل لقيادة المملكة المتحدة، المنقسمة بعد حملات الاستفتاء، في أكثر الفترات الحساسة في تاريخها.
في أول خطاب لها، تحدثت ماي بحماسة وأعلنت تأييدها لبريكست الذي كانت ضده في السابق، وتعهدت بالعمل على إلغاء الفوارق الاجتماعية.
وبعد ثلاث سنوات، لا يزال يتعين تنفيذ الخروج من الاتحاد الأوروبي الذي كان من المفترض القيام به في 29 آذار/مارس، أما الفوارق الاجتماعية، فلم يسبق لها أن كانت بمثل هذا الوضوح رغم انخفاض معدل البطالة.
وقررت ماي أواخر أيار/مايو أخيراً التخلي عن مهامها، معلنةً أنها ستغادر رئاسة حزب المحافظين ورئاسة الحكومة بعد أشهر من الترنح بين حكومة مقسمة ومؤامرات لإزاحتها من داخل حزبها.
“رفض الواقعية”
لم تتمكن تيريزا ماي من حشد غالبية برلمانية لصالح اتفاق الخروج الذي توصلت إليه في تشرين الثاني/نوفمبر 2018 مع بروكسل، وسط انقسام داخل حزبها وفي البلاد حول رؤية العلاقات المستقبلية في مرحلة ما بعد بريكست مع الاتحاد الأوروبي.
ويقول الباحث من جامعة سوري، سايمن آشروود، إن مهمة تفكيك روابط مع الاتحاد الأوروبي عمرها أكثر من 40 عاماً ليست بالأمر السهل.
ويضيف أن ماي “لم تقدّم المقاربة الأفضل” باختيارها الاعتماد فقط على حزبها، خصوصاً الجناح الأكثر تشدداً فيه الذي يريد قطع كل الروابط مع الاتحاد الأوروبي.
من جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة كوين ماري في لندن، تيم بايل، أن خطأ ماي هو “رفضها للواقعية”، باستبعادها “أي مقاربة خارج إطار حزبها”، خصوصاً بعد إخفاقها في انتخابات عام 2017 التشريعية التي قررت الدعوة إليها مدفوعةً باستطلاعات رأي إيجابية، وكلّفتها غالبيتها المطلقة.
وقد أجبرت مذاك على التحالف مع الحزب الوحدوي المحافظ الصغير في شمال إيرلندا “دي يو بي”، الذي أملى عليها متطلباته بشأن بريكست.
وفي مطلع نيسان/أبريل، مدت ماي اليد أخيراً لحزب العمال، أكبر أحزاب المعارضة، سعيا إلى توافق. لكن رئيس هذا الحزب جيريمي كوربن لم يكن مستعداً فعلياً لمساعدتها في الخروج من المأزق، ووصلت المحادثات بينهما إلى طريق مسدود.
وللمفارقة، أجبرت رئيسة الوزراء التي شكّل بريكست البند الوحيد في أجندتها، على تنظيم انتخابات أوروبية بعد ذلك.
ويرى سيمون آشروود أن “صورتها في التاريخ لن تكون جيدة”.
حملة “وومن تو وين”
تحجب الصورة الخجولة لتيريزا ماي، رغم إخفاقها، حقيقة امرأة طموحة أرادت منذ شبابها الدخول في السياسة، وأن تكون المرأة الأولى التي تتسلم رئاسة الوزراء في البلاد.
وفيما سبقتها مارغريت تاتشر على هذا اللقب، إلا أن ماي أصبحت أول امرأة تتسلم الأمانة العامة لحزب المحافظين بين عامي 2002 و2003. وقالت حينها في خطاب لأعضاء الحزب إن عليهم تغيير صورتهم كـ”حزب الأشرار”، إذ كان المحافظون حينها أكثر يمينية.
في عام 2005، أسست ماي مجموعة “وومن تو وين” (نساء نحو الفوز) بهدف الضغط لزيادة عدد النساء المنتخبات في البرلمان والمعينات في مناصب مهمة في حزب المحافظين.
وساندت كاميرون في حملته لتسلم زعامة الحزب عام 2005 . وعندما أصبح رئيساً للحكومة عام 2010 كافأها بتسليمها وزارة الداخلية، حيث انتهجت لستّ سنوات سياسة شديدة الحزم تجاه المهاجرين غير الشرعيين، وفرضت تخفيضات في ميزانية الشرطة.
ولايتها كرئيسة لوزراء بريطانيا هي الأقصر في تاريخ بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية.
ومع انتقادهم إخفاقها في مهامها، يلقبها الصحافيون أيضاً بـ”مايبوت” أي “ماي الروبوت”، بسبب الفتور الذي تبديه في تصريحاتها التي تكرر فيها مراراً وبشكل آلي الخطاب نفسه.
(أ ف ب)
وكذا سيحدث لخلفها! والسبب لانهما آتياً بمحض الصدفة والحظ وهذه واحدة من عيوب ما يسمى الديموقراطية