“تيسا” الإيراني.. عملية توجسها نتنياهو ونفذها بينيت على هيئة “إصبع في عين أمريكا”

حجم الخط
1

إسرائيل تصمت، في كل القنوات. الولايات المتحدة تصمت (وربما لا تعرف)، وحتى الإيرانيون الذين يسارعون لرؤية عميل موساد خلف كل زاوية ومن تحت كل سرير، لم يتهموا (حالياً على الأقل) إسرائيل بالوقوف خلف الهجوم على مشروع TESAلإنتاج أجهزة الطرد المركزي في إيران، ليلة أول أمس، في مدينة قرطاج بواسطة الطائرة المسيرة “كودكوفتر” وربما بضع طائرات كهذه.

ومع ذلك، فإن إسرائيل هي المشبوهة الفورية، وذلك لأن لها مصلحة وقدرة لتنفيذ مثل هذه العملية المعقدة أيضاً. وحسب ما قالته مصادر إيرانية مطلعة على التحقيق في الهجوم لـ “نيويورك تايمز” (في نبأ مذيل بتوقيعي أنا أيضاً) تضمنت العملية إطلاق “الكودكوفتر” من الأراضي الإيرانية من ساحة على مسافة غير بعيدة عن الهدف، إطلاق الطائرة وهجومها نفسه.

عندما أرادت الولايات المتحدة المس بنائب قائد القاعدة الذي وجد ملجأ في حي فاخر بطهران وفقاً للمنشورات، فقد توجهت لإسرائيل. يمكن الافتراض بأن هذا ليس لعدم رغبتها في أن تفعل الأمر بنفسها – فقد كان لها حساب طويل معه – بل لأن إسرائيل هي اليوم الدولة الوحيدة التي لها قدرة للعمل سراً – براً في إيران.

وليس هذا فقط: فقد قالت مصادر أمريكية لـ “التايمز” بأن الموقع الذي تعرض للهجوم يندرج في قائمة المواقع التي عرضتها إسرائيل في بداية 2020 على قادة كبار في إدارة ترامب، بمن فيهم وزير الخارجية مايك بومبيو، ورئيسة السي.اي.ايه جينا هسبل، بل والرئيس ترامب نفسه، كأهداف محتملة للهجوم في إطار الحملة الواسعة التي خططتها إسرائيل ضد المشروع النووي الإيراني. في السنة والنصف بعد ذلك نفذت سلسلة هجمات كهذه نسبت لإسرائيل: في أيلول 2020 أصيب أحد الأهداف الأساس للحملة – منشأة توازن أجهزة الطرد المركزي في نطنز، حيث تصل الأجهزة من مصنع TESAوهي تركب هناك قبيل إدخالها إلى العمل في تخصيب اليورانيوم؛ في نيسان 2021 انفجرت عبوة شديدة الانفجار داخل قاعات تخصيب اليورانيوم وأصابت قسماً كبيراً من أجهزة الطرد المركزي التي ركبت فيها.

وهذا الهجوم أيضاً، كما وصفته المحافل الإيرانية، يشبه الهجوم الذي نفذ بواسطة طائرات صغيرة بلا طيار الذي نفذ ضد منشأة لحزب الله في بيروت في آب 2019، حين اتهمت المنظمة الموساد بالعملية.

إذا كان كل هذا صحيحاً، فكفيل أيضاً بأن تختبئ دراما فمن خلف الهجوم تتعلق بشبكة العلاقات المعقدة التي بين رئيس الوزراء بينيت وسلفه نتنياهو. من المهم أن نفهم بأن عملية من هذا النوع هي نتيجة تخطيط وإنتاج لأشهر طويلة، أحياناً سنوات. فهي لا تولد في يوم تشكيل الحكومة، وليس مفاجئاً أن عرضت على الأمريكيين كإمكانية (حسب المنشورات الأجنبية) قبل نحو سنة ونصف. وبالتالي، إذا كانت المنشورات الأجنبية صحيحة، فقد خُطط لهذه العملية منذ زمن، وكان يفترض بها أن تكون جزءاً من سلسلة عمليات لإسرائيل ضد إيران في فترة حكم ترامب. قد يكون جزءاً من هذه العمليات تأجل لأسباب عملياتية وانتقل إلى فترة بايدن، ولكن ربما تأجلت هذه العمليات أيضاً لأسباب أخرى. بكلمات أخرى، قد يكون نتنياهو، حين كان رئيس وزراء، قرر ألا يقر هذه العملية، لسلسلة من الأسباب.

مثل هذه العملية التي قد يكون لها تداعيات عسكرية ودولية واسعة، تستوجب إقراراً مبدئياً للتنفيذ من رئيس الوزراء، وإقراراً قبل التنفيذ، لفحص ما إذا كانت الظروف قد تغيرت. في هكذا حالة، يعقد رئيس الوزراء المحفل المسمى لجنة رؤساء أجهزة الأمن الموسعة التي تضم رؤساء أجهزة الأمن، إضافة إلى رئيس الوزراء نفسه، وزير الدفاع، ورئيس هيئة الأمن القومي وغيرهم.

في هذه الحالة ربما يكون نفتالي بينيت -الذي لم يسمع من نتنياهو شيئاً عن عمليات الموساد في النصف ساعة التي خصصت للتداخل بينهما- قد تعرف بعد ذلك (من خلال الإحاطة التي تلقاها من رئيس الموساد دافيد برنياع عن المهر ثقيل الوزن) عن عملية جاهزة يمكنها أن تنطلق على الدرب في كل لحظة وتحتاج لقرار بشأنها. وهكذا إذا كانت كل هذه التقديرات صحيحة، فقد كان نتنياهو هو الذي تخوف من العمل في إيران (ويحتمل أنه لأسباب مبررة تماماً) وبينيت بالذات، ذاك الذي يدعي نتنياهو بأنه لن يأخذ أي مخاطرة بهذا الشأن، هو الذي قرر الأمر بالهجوم.

ليس واضحاً بعد كم من الضرر لحق بمصنع إنتاج أجهزة الطرد المركزي. ولكن الواضح أن أمر بينيت بالهجوم عليه يعبر عن نهج حازم تجاه الموضوع، ويشير إلى أن هذا النهج يقبله شركاء بينيت في القيادة، وعلى رأسهم يئير لبيد. إذا كانت إسرائيل مسؤولة عن الهجوم، في الوقت الذي يزور فيه رئيس الوزراء الولايات المتحدة، فليس معقولاً أن تفعل هذا دون أن يكون أطلع مضيفيه على ذلك. وإلا فإنه سيخاطر بحرج كبير إذا ما فسرت العملية كزق إصبع في عين الأمريكيين، خصوصاً في ذروة المفاوضات الجارية مع إيران في فيينا. من جهة أخرى، يبدو أن هذا هو على الزمن الأفضل، إن لم يكن الحصري الذي تبقى لتنفيذ عمليات كهذه قبل التوقيع على الاتفاق. صحيح أن إسرائيل لن توقع الاتفاق، ولكن واشنطن -كما بات واضحاً- تتعهد فيه ألا تكون مشاركة في عمليات تخريب واغتيال في إيران، والإيرانيون لا بد سيتوقعون من الولايات المتحدة أن تلجم إسرائيل.

إن سياسة الحكومة الجديدة، التي لم يتفق عليها بعد، تراوح بين محورين أساسيين، بل هناك من يقول متعارضين: الأول، بعد أن منع نتنياهو مندوبي إسرائيل من إبداء أي تدخل في تصميم الاتفاق النووي، فإن الذين حلوا محله كفيلون بأن يقرروا محاولة التأثير على الاتفاق ويحددوا مع الأمريكيين ما الذي سيعتبر خرقًا جسيماً له من جانب إيران، بطريقة تجعل الولايات المتحدة تتفهم عمليات تخريب إسرائيلية ضد إيران. المحور الثاني، إذا كانت إسرائيل بالفعل تقف خلف الهجوم على مصنع أجهزة الطرد المركزي، فإن أمر بينيت بالعمل في إيران يظهر خطاً صقرياً وحازماً تجاه المشروع النووي إلى جانب محاولة لتطوير أجواء جديدة وحوار بين الدولتين؛ إذ مثلما قال أمس في طابور الطيارين: “في نهاية المطاف – مسؤولية مصيرنا تبقى في أيدينا وليس في يد أي أحد آخر”.

بقلم: رونين بيرغمان

 يديعوت 25/6/2021

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Sa:

    ربما حزب الله من اجل ايران يقوم بهجوم مماثل على الجامعات الصهيونية يقتل فيها بعض الفاعلين في التكنولوجيا…

إشترك في قائمتنا البريدية