لندن- “القدس العربي”:
نقلت صحيفة “فايننشال تايمز” عن واحد من أهم أثرياء روسيا، أوليغ ديريباسكا، قوله إن موسكو استطاعت التغلب على العقوبات الغربية التي فُرضت عليها بسبب غزوها لأوكرانيا، واعترف بأنه “تفاجأ” من تصميم البلد ومرونته بعد الحرب، التي اعتقد أنها ستؤدي لإفلاس الكرملين.
وأضاف ديريباسكا أن موسكو نجت من الجهود لعزل اقتصادها من خلال تطوير علاقات مع عالم الجنوب، وزيادة الاستثمار في الإنتاج المحلي.
وقال إن القطاع الخاص أثبت أنه أقوى مما توقع، مضيفا: “دُهشت من القطاع الخاص، وأنه سيكون مرنا.. كنت متأكدا من أن نسبة 30% من الاقتصاد سينهار ولكن النسبة أقل بكثير”. وأضاف: “نعم، هناك نفقات الحرب وكل أنواع الدعم والمساعدة الحكومية، لكن هناك بطء قليل وهذا مثير للدهشة، ووجد القطاع الخاص طرقا للعمل وبنجاح”.
وكانت مرونة روسيا الواضحة رغم انقطاعها عن الأسواق العالمية وسلاسل الإمداد، مصدر فخر للرئيس فلاديمير بوتين، والذي قال في الأسبوع الماضي: “انتهت مرحلة التعافي للاقتصاد الروسي بعدما تعرضنا لضغوط خارجية غير مسبوقة”. وتعرضت روسيا لضربة قوية في أعقاب الغزو، لكنها نجحت في تجنب عقوبات مجموعة السبع الكبار على معظم صادرات النفط. ويتوقع صندوق النقد الدولي نموا في مجمل الناتج المحلي العام هذه السنة بنسبة 1.5% و1.4% عام 2024.
لكن بوتين كان متفائلا أكثر الأسبوع الماضي، وتوقع نموا بزيادة بنسبة 2.8% هذا العام، أي ضعف ما توقعته حكومته في نيسان/ أبريل. وتشير تصريحات ديريباسكا، مؤسس “روسال” وهي أكبر شركة لإنتاج الألمنيوم وشقيقتها “إن+” لزيادة في الثقة بين النخب الروسية من أن روسيا خرجت وبشكل نسبي بدون ضرر رغم مخاوف من تقلص الاقتصاد بداية الحرب.
وقال الثري الروسي الذي تقدر ثروته بـ2.5 مليار دولار: “طالما شككت ببوندرواف (السلاح السحري) كما يقول الألمان عن العقوبات، واستخدام النظام المالي كسلاح ووسيلة للمفاوضات”. وأضاف: “قمنا بجهود كبيرة لجعل العالم معولما، فيما يتعلق بالتجارة والاستثمار وتدفق المعلومات، وانتهى كل هذا عندما تستخدم العقوبات، وهي وسيلة للقرن التاسع عشر، ولا نرى أنها فعالة في القرن الحادي والعشرين”.
وكان ديريباسكا واحدا من الأوليغارش الروس، وهم قلة ممن انتقدوا بتحفظ الغزو الروسي لأوكرانيا، ومع أنه قال “لا قيمة في النزاع” إلا أنه خفف من مشاعره المعادية للحرب وسط الضغوط على الأثرياء لدفع ضرائب عالية وأحيانا التخلي عن أصول مالية. وقال: “لا أفهم لماذا لا تتوقف من الجانبين ولا أرى أن أي منهما سيصل إلى هدفه المعلن”، و”هل ستقدمون أف-16 وأف-35؟ وتعرفون أن الهدف الوحيد الذي سيتحقق سيكون المزيد من المعاناة وخسارة الأرواح ومزيد من الجرحى وربما 5، 10، 20، 25 كيلومترا على اليمين أو الشمال”.
ورفضت أوكرانيا الدعوات، مثل ديريباسكا للتفاوض الحقيقي، لأن هذا سيمنح الشرعية للمكاسب التي حققتها روسيا على المناطق. لكن الأوليغارش يرون أن مزيدا من القتال يعني “مقتل 50 ألف شخص من الجانبين” في العام المقبل. وقال: “هل تعتقد حقيقة أنه من الحكمة معاناة 200 ألف شخص، والذين سيعانون خلال الأشهر الـ12 المقبلة؟”.
وطلب الكرملين من ديريباسكا في العام الماضي تخفيف نقده، فيما صادر المدعون مجمعا فندقيا يملكه في منتجع سوتشي على البحر الأسود وضموه لمؤسسة مرتبطة ببوتين كبداية في مرحلة التأميم، وقد تجنب الثري التعليق على الحادث.
ولشرح “المرونة” الاقتصادية لروسيا، أشار ديريباسكا لاستثمار الكرملين في الصناعة، وجهود زيادة قدرات الشركات المملوكة من الدولة وغير الفاعلة، كوسيلة لدعم الحرب. وقال: “خلق رأسمال الدولة مجموعات ضخمة بدون إنتاجية، وبمعدلات استخدام وأجور منخفضة. واليوم، أنا مندهش لرؤية أن بعض المصانع والأجور مشابهة للأجور في نفس المنطقة”، و”لديهم المال ويمكنهم التوظيف والمنافسة”.
وقال ديريباسكا المفروضة عليه عقوبات في الولايات المتحدة منذ 2018 و2022، إن رحلاته في آسيا أقنعته بأن الدول في عالم الجنوب ستقاوم الضغوط لكي تنضم للعقوبات الغربية ومنحت شريان حياة لروسيا. وقال: “تعرف أن هؤلاء الناس بحاجة لإطعام مليار شخص كل يوم وتطلب منهم التلتزام أو المعاناة.. كان خطأ كبيرا من الأشخاص الذين اعتقدوا أن بإمكانهم استخدام آلية جيدة للضغط على أنظمة مستبدة”.
وزادت التجارة مع الصين بنسبة 32% على أساس سنوي في الأشهر الثمانية الأخيرة من 2023 إلى 155 مليار دولار، وتضاعفت التجارة مع الهند ثلاثة أضعاف في النصف الأول من العام إلى 33 مليار دولار، وذلك بحسب وكالة الأنباء ريا نوفوستي.
ويقول ديريباسكا إن ثراء روسيا في المصادر الطبيعية يجعلها جذابة لشركاء تجاريين ولدول تعتمد على طاقتها وصادرتها من الحديد والطعام. وقال: “من بين نصف مليار شخص سيولدون، ستكون نسبة 70% من هذه المنطقة. يريدون تنمية وهم بحاجة لمصادر روسيا وحلول روسية والتجارة مع روسيا”. واستدرك قائلا إن “من يعتقد أن العقوبات ستوقف الحرب، أو تؤدي لتغيير النظام أو تقربنا من نهاية النزاع، لا.. فنحن بحاجة لحل آخر”.