لا أتصور أن مقتل أستاذ التاريخ الفرنسي هو انعكاس لفلسفة دينية تؤخذ على الفكر الإسلامي، ففي حين أن هناك بعض السرديات التاريخية والنصوص الدينية التي قد تشجع على القتال واتخاذ موقف من غير المسلمين والتي لا ترحب كثيراً بحرية الرأي والتعبير، فإن هناك الكثير من السرديات والنصوص كذلك المعادية للعنف والمتوائمة مع حرية الرأي والتعبير والمرحبة «بالآخر». هذا، ومثل ذلك التنوع النصي والتاريخي موجود في كل الأديان تقريباً، يبقى أن التفسيرات تتغير مع تغير الزمن، والقراءات تتجدد، والفكر يختلف، لتتعلق في رقاب الناس مسؤولية البحث عن السلام من خلال هذه التوجهات التجديدية وإبراز النصوص الداعية للسلام والحاثة على المحبة والتعايش. المجتمعات التي نجحت في الوصول لهذه المرحلة التجديدية التوافقية، تمسكاً بالمفاهيم الحضارية الجديدة، استطاعت تخطي معظم بوادر العنف مهما احتوت نصوص كتبها الدينية من مادة قاسية، أو مهما برزت في تواريخها من قراءات أوتفسيرات عنيفة. بجهدهم واختيارهم، تخطى بهم الزمن كل ذلك إلى مرحلة توافقية مع المفاهيم الحضارية لحقوق الإنسان وللتعايش مع الآخر وللتعامل المتحضر مع المخالف والمختلف.
المشكلة لدينا تكمن في هذا التخطي للزمن، في العقول التي تتدبر النصوص، وفي النفسيات التي تتعامل والقراءات، والمنوط بها عملية السفر عبر الزمن هذه. العنف يسود عالمنا لأسباب عديدة، منها ما هو من صنعنا ومنها ما نتج عن سوء حظوظنا في هذه الحياة، فهناك استعمارات غلظت قلوبنا، وهناك أنظمة سياسية أفزعت وأفرغت أرواحنا، وهناك ظلم وفقر وجوع وجهل وتجهيل وفساد وإفساد سحبوا من نفوسنا كل المشاعر ليتبقى لنا الغضب والألم والقهر. كلنا نعلم ذلك، لكن وكما نقول على المستوى الشخصي، مشاكلك لك، لا ترمي بها على ظهور الناس ولا تستخدمها لتبرر بشاعة التصرف ونزقه، فإننا نقول على المستوى العام إن مشاكل الشعوب أمر داخلي خاص، لا يمكن الاستمرار في استخدامها حجة ومبرراً للتصرفات العنيفة القاسية المتهورة المتطرفة التي أصبحنا، بلا فخر، المورد الرئيسي لها.
إن مقتل الأستاذ الفرنسي لا يستند إلى عيب في الدين أو نصوصه، إنما يستند إلى عيوب في عقول المستقبلين وفي نفسياتهم وأرواحهم. بإرادتهم أو دونها، هم اختاروا التفسير الغليظ، هم تبنوا القراءة القاسية العنيفة، هم قرروا أن الدين دين سيف، وأن «الحق» يؤخذ بجز الأعناق، وأن هذا «الحق» ملك خالص لهم، لا مجال لمواربة الباب للتفكر في «حقائق» الآخرين، ولا محل لإفساح مجال لهم أن يكونوا. حرية الرأي عند هؤلاء لا تقف عند حرية الآخرين، بل تقف عند المساس بحقائقهم وعند مساءلة أفكارهم وعند تحدي ثوابتهم. وعليه، يختفي مفهوم حرية الرأي تماماً عند هؤلاء، بل هو اختفاء يتجلى لنا حقيقة واقعة في عالمنا العربي والإسلامي في معظمه، بدرجات أي نعم، لكنه موجود، مظلم كثقب كوني أسود يبتلع كل ما يختلف عنه أو يحاول أن يشكل له قواماً ووجوداً بجانبه. نحن لا نتحمل الرأي الآخر لأنه يكفينا ما تحملنا في تاريخنا القاسي وحاضرنا المؤلم ومستقبلنا الغائم. نحن لا نتحمل التنوع لأنه تم استعمارنا وانتهاك حقوقنا إضافة إلى تكالب بقية العالم علينا بالخطط والمؤامرات. نحن لا نتحمل التعايش لأن العالم لا يريد أن يتعايش معنا، يرفضنا ويعادي إسلامنا. دائماً شخص آخر، ظرف آخر أو زمن آخر يلام على مصائبنا، أما نحن فمتلقون سلبيون، لا نملك من أمرنا شيئاً ولا نستحق سوى تفهم العالم وشفقته بل واعتذاره.
كل الشعوب صيغت تواريخها بالمعاناة، امتلأت بالعنف والدماء، منها من استطاع أن يخرج من هذا التاريخ المظلم إلى منطقة أكثر إضاءة في الزمن الحالي، ومنها أبى إلا أن يبقى متمرغاً في قسوة الماضي وفساد الحاضر وظلامية المستقبل، مستخدماً أحداثاً وظروف لا يتميز بها بشيء، أحداثاً وظروفاً مر بها كل البشر، ليستمر من خلالها عائثاً في ظلاميته، مستسلماً لأقداره، مثابراً على اعتياداته النمطية التي يحتاج تغييرها إلى جهد كبير وقد يصاحبه ألم شديد، هو غير مستعد لدفع قيمتهما أو تحملهما. الأسهل هو أن نبقى على ما كان عليه آباؤنا، وأن نلوم «الآخر» على مآسينا ومن ثم على أخطائنا. وعليه، يبقى مقتل أستاذ التاريخ مبرراً، سيقول «أصحابنا» إننا مقموعون، مظلومون، متكالب علينا العالم الحالي، وظالم لنا التاريخ الماضي، ومظلم أمامنا المستقبل القادم. سيقول أصحابنا إن هذا ليس الدين الإسلامي الحقيقي، وحين يسألهم السائل، فأي دين هو الدين الإسلامي الحقيقي؟ لن يستطيع هؤلاء أن يشيروا إلى مكان، إلى زمان أو إلى دولة، ذلك أننا نأبى أن نقر بالأخطاء وأن نتحمل المسؤوليات وأن نأتي بالخطوات التي ستظهر الوجه المشرق للدين الإسلامي، نأبي أن نعيد التفسير وأن نجدد القراءة وأن نطور الأفكار، بل حتى هؤلاء الذين حاولوا، منعناهم الفرصة وقدمنا لهم أقدار الموت قبل مواعيدها.
مقتل الأستاذ الفرنسي مسؤولية المسلمين، ومسؤولية الإسلام الذي يقدمونه من خلال أفعالهم واختياراتهم. فالدين في النهاية ليس فكراً هلامياً، هو أيديولوجية تتجلى في أفعال أصحابها. إن أحسن المسلمون الفهم والتطبيق حسنت صورة الدين عند العالم، وإن أساؤوا ساءت. ليس هناك خطط ومؤامرات، نعدل من أنفسنا ستعتدل الدنيا لنا وبنا.
الى المغربي المغرب ; كيف يمكن ان يتم التلاعب بالدين كما تزعم؟ بأن الغرب او فرنسا صنعوا داعش. و من المفترض بأن الدّين هو شيء مقدّس و لم نرى تدّخل من الله في ذلك اي الله الخالق لم ينزل غضبه او لعنته عليهم انتقاما.او لم يمنعهم من ان يتلاعبوا بدينه الذي هو دين حق. ثانيا لو كان كلامك صحيح هذا يعني ان المسلمين هم مغيبيين تماما و هم خارج التاريخ.و هل يعقل ان يتم اختراق مقدسات و دين الاخرين و التلاعب به؟و اين قادة هذا الدين؟ وماذا يعني هذا بما انك تعرف في الفلسفة و العلوم.و لماذا لا يتم التلاعب بمقدسات البوذية او الهندوسية ومهما كانت الاسباب سياسية او غيره.
عملية الاختراق للاديان موجودة ومجسدة بالواضح والملموس …والشواهد عليها اكثر من ان تعد او تحصى…؛ ومفتاح الاختراق هنا ليس الدين نفسه…ولكنه الفكر الدائر حوله…الذي يسلك أصحابه او المؤسسون له مسلكا براغماتيا مغلفا…يوظف الأحداث والوقائع…الملتبسة…ويستثمر العواطف والأخبار المختلفة….التي تتحول مع مرور الزمن الى طابوهات مقدسة عند اتباع المذهبية التي بنيت أساسا على اهذاف سياسية أو على الرغبة في تدمير وتحريف الدين نفسه…وتحويله الى ممارسات وثنية لا اصل لها ولافصل…؛ اما بالنسبة إلى الاستعمار عموما…فقد كان عنصر تبخيس الاسلام والتهجم عليه في مرحلة ماسمي بالاستشراق معبرا نحو الاحتلال المباشر باضعاف إحدى مقومات الرفض والمقاومة عند الشعوب المسلمة…وبعدها أصبح الهذف هو الاستحواذ على الدين نفسه من خلال اختلاق انماط تدعي الارتباط الشكلي به بينما هي تؤسس لدينا آخر…كما حصل في الهند في أواخر القرن التاسع عشر…او من خلال مذاهب تدغدغ العواطف…وتوجه الناس بشكل استيلابي الى تبني مفاهيم معينة…. وبطبيعة الحال فالاسلام أخبرنا من خلال القران الكريم عن هذه الأمور….التي تظل أمرا طبيعيا في طبائع البشر واطماعهم…ولن تمس جوهر الدين الحقيقي…الذي سيظل شاهدا على تلك الانحرافات…
كلام صحيح جداً ، شكرا لكِ سيدتي
لله درك, لم يجرؤ على هذا القول كثر الرجال.
المشكلة ليست في الاسلام كعقيدة كما يريد ماكرون ايهام الرأي العام العالمي
المشكلة هي لائكية فرنسا التي تعتبر حالة شاذة بمعايير مزدوجة تجاه الاخر وعلمانية فرنسا بالخصوص هي الاكثر تطرفا في اوروبا ويمكن اعتبارها مقابلة للتطرف الموجود عند بعض افراد الجالية المسلمة المهاجرة في فرنسا
فرنسا تكره الدين مهما كان هذا الدين ولكنها لا تجرؤ علي ازدراء اديان الاخرين في حين تجد في شعائر الاسلام والمسلمين مرتعا لسخريتها وممارسة ما تدعيه انه حرية تعبير ..
فرنسا لم تستطع التعايش مع الاخر لان ارثها الصليببي وثورة التنوير امتزجتا في قالب معادي ضد كل ما هو ديني خصوصا ما كان مسلما وما يشكله الاسلام في مخيال الفرنسيين
ما حدث مؤخرا شبيه بما يحدث في كل مرة يفوز فيها الاسلام المعتدل السمح فماكرون لم يتحمل اسلام مريم لذا كان لابد من حادثة تغذي الكراهية والعنف والحل بالطبع بسيط يخرج شخص ما ويسب رسول الاسلام او يحرق نسخة من القران وبطبيعة الحال لكل فعل رد فعل مساو له في القوة ومعاكس له في الاتجاه …
رحم الله الشاب الشيششاني وتغمده فسيح جنانه ..
كلام واقعي ومباشر. بدون لف ولا دوران.
أولا لنتفق أولا ونؤصل الأمور وهو أن التطرف والإرهاب المرتكب سواء من شخص أو على مستوى دولة خاصة اتجاه مدنيين عزل هي جريمة مثل القتل الذي تعرض له الإستاد الفرنسي وهي بلا شك مدانة ويتبرأ منها الإسلام والمسلمون.لكن دعيني يا دكتورة نناقش الأمور عن سبب ارتكاب الجريمة التي تعود بسبب السخرية من نبينا محمد بدعوى الحرية ونقيس هذا بذاك وهي
المحاكمة التي تعرض لها المرحوم والمسلم الفرنسي روجي غارودي بسبب انتقاده في كتابه (الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية) لمحرقة الهولوغست واتهامه للكيان الصهيوني بأنه تاجر بهذه المحرقة سياسيا لجلب الإستعطاف ليحتل فلسطين ويمارس على شعبها أبشع ما مارسته النازية على اليهود ومدعما ذلك بوثائق ودلائل تاريخية.قامت القيامة آنذاك على غارودي وحوكم بالتهمة الجاهزة وهي المعادات للسامية.فهل انتقاد الرموز الدينية للإسلام هي حلال وحرية وأي انتقاد لليهود هي حرام.
يتبع إذا تكرمتم.
نأتي على قتل مسلمين وشعوب بالآلاف والملايين والتنكيل بهم ظلما وعدوانا سواء على مستوى جماعات متطرفة غير مسلمة أو على مستوى الدولة فنرى كيف قتل البوذيين والنصارى ببورما وإفريقيا الوسطى والهند وأمام أنظار العالم المتحضر الآلاف من المسلمون مع هدم وإحراق المساجد بدون إدانة أو شجب أو إقران ذلك بالإرهاب البوذي أو المسيحي أو البراهمي أما على مستوى الدولة فحدث ولا حرج عن إبادة ملايين البشر من طرف أمريكا وفرنسا وغزوها واستعمارها لأراضيهم واستنزاف خيراتها وما يناهز عن 50 مليون إنسان ماتوا في حربين عالميتين.لكن دائما ما نكيل بالمكيالين ونتهم الإسلام بالتطرف ونصوصه هي عكس ذلك وهي للتسامح والحوار والإعتراف بالآخر باستثناء إذا دعت الظرورة في الدفاع عن العرض والأرض كفلسطين نموذجا طبقا لكل الأعراف الدولية لكن مقاوموها يتهمون بالإرهاب في حين نرى مثلا نصوص لديانات أخرى تدعو لقتل حتى الأطفال والشيوخ بدون أي ذنب.