غزة – رام الله – “القدس العربي”: تعاني 304 عائلات فلسطينية من حسرات مريرة سببها الاحتلال، ليس فقط بقتله أبنائها، ومنهم من سقط بعمليات “إعدام ميداني” على الحواجز، ولكن بسبب إجراءات عسكرية أخرى تلت الحادثة، باحتجاز الاحتلال جثامينهم في “ثلاجات الموتى” وفي “مقابر الأرقام”.
وإضافة إلى مرارة الفراق التي تعاني منها آلاف الأسر الفلسطينية التي فقدت أبناءها منذ بداية الصراع، لا تجد هذه العوائل قبورا لأبنائها لزيارتها في المناسبات المعتادة، على غرار باقي عوائل الشهداء، وهو ما يزيد من حسرتها كونها أيضا لم تلق كغيرها نظرة الوداع على أنجالها.
وتطلب هذه العوائل المكلومة بأن تستعيد جثامين أبنائها المحتجزة لدى الاحتلال، لتتمكن من دفنها، ولتكن جثامينهم على مقربة من عوائلهم كما جرت العادة، في خطوة ربما تهدئ من نار الفراق التي تشعل صدور تلك الأسر حسرة على الفراق.
وشهدت العديد من المدن الفلسطينية الثلاثاء وقفات جماهيرية تنديدا بسياسات احتجاز الاحتلال جثامين الشهداء، وذلك مع انطلاق فعاليات “اليوم الوطني لاسترداد جثامين الشهداء”، التي لا تزال سلطات الاحتلال الإسرائيلي تحتجزها سواء في “ثلاجات الموتى” أو في “مقابر الأرقام” التي تحمل شاخصات أرقام، كـ”عقاب جماعي”، وفي خطوة هدفها الانتقام من عائلات الشهداء.
ونظمت الوقفات الجماهيرية في كل من غزة ورام الله والخليل ونابلس بمشاركة ذوي الشهداء، والعديد من القوى الوطنية والحزبية، ومؤسسات رسمية وأهلية وحقوقية.
ورفع المشاركون صورا للشهداء المحتجزة جثامينهم، وأعلاما فلسطينية، ولافتات تنادي باسترداد الجثامين، كما حمل خلال الفعاليات “نعش” ملفوف بالعلم الفلسطيني، في دلالة على المطالبة بعودة الجثامين لتشييعها.
انطلاق اليوم الوطني لاسترداد جثامين الشهداء
وقالت نجاح ياسين، شقيقة أحد الشهداء خلال وقفة نظمت في مدينة نابلس: “الشهداء ليسوا أرقاما، هم أبطال غيبهم الاحتلال”، وطالبت إسرائيل بالإفراج الفوري عن الجثامين.
وأكدت أن قضية الشهداء المحتجزة تتطلب جهدا كبيرا على المستوى القيادي والوطني وعلى مستوى المؤسسات الحقوقية، من أجل “فضح سياسية الاحتلال”، وإعادة الجثامين لـ”تدفن بعزة وكرامة”.
وقد صعدت سلطات الاحتلال من عمليات احتجاز جثامين الشهداء منذ عام 2015، بعد أن قامت بإعدام الكثير من الشبان على الحواجز العسكرية، لينضموا إلى آخرين متواجدين في “مقابر الأرقام”، وتحتجز إسرائيل جثامين بعضهم منذ عشرات السنين.
وتخالف هذه الأساليب الاحتلالية الأعراف والقوانين الدولية، وحتى قوانين صدرت في إسرائيل نفسها، حيث قضت إحدى محاكم الاحتلال، في عام 2017، باعتبار حجز جثامين الشهداء “غير قانوني”، ولكنها لم تصدر قرارا بإطلاق سراحهم، بل أعطت حكومة تل أبيب وقتها ستة أشهر لوضع قانون يسمح لها بحجز هذه الجثامين.
ووفق الحملة الوطنية لاستراد الجثامين، التي تأسست عام 2008، فإن ما تم توثيقه استنادا إلى بلاغات عائلات الشهداء والفصائل الفلسطينية التي كانوا ينتمون لها هو احتجاز حوالي 400 شهيد، فيما تم تحرير جثامين 131 منهم، وما يزال 253 شهيدا محتجزا في مقابر الأرقام.
وتؤكد الحملة أن عدد الشهداء الموجودين في “مقابر الأرقام” يفوق هذا العدد الموثق استنادا إلى المعلومات المتداولة حول المقابر وأعداد القبور داخلها، وتشير إلى أن هناك 68 مفقودا منذ بداية الاحتلال حتى اليوم لا يعرف مصيرهم وينكر الاحتلال أي معلومات حولهم.
وحسب الأرقام التي قدمتها الحملة، فإنه منذ عام 2015 وحتى اليوم، احتجز الاحتلال جثامين أكثر من 220 شهيدا لفترات زمنية مختلفة (من أيام إلى أشهر، وبعض الشهداء أكثر من عامين)، وأفرج عن معظمهم، وأبقى على 29 شهيدا محتجزا حتى اليوم.
وتستند الحملة إلى القوانين الدولية في مطالبتها باسترجاع الجثامين، وتؤكد أن اتفاقية جنيف الأولى تنص في المادة (17) بإلزام الدول المتعاقدة باحترام جثامين ضحايا الحرب من الإقليم المحتل وتمكين ذويهم من دفنهم وفقا لتقاليدهم الدينية والوطنية.
وكانت سلطات الاحتلال قامت باحتجاز جثامين أسرى فلسطينيين قضوا قبل أشهر في سجون الاحتلال، بسبب سياسة “الإهمال الطبي”.
ويشار إلى أن الاحتلال يعتبر منطقة “مقابر الأرقام”، التي يتم فيها تعريف الشهيد المدفون برقم، مناطق عسكرية، ويتردد أن هذه المقابر -وعددها أربعة- مقامة في منطقة غور الأردن، وقرب الحدود اللبنانية السورية، وترفض سلطات الاحتلال إعطاء شهادات وفاة لذوي الشهداء أو تقديم قوائم بأسماء من تحتجز جثامينهم وأماكن وظروف احتجازهم، ومؤخرا كشف النقاب عن فوضى وإهمال في احتجاز الجثامين وفقدان بعضها.
وتقول الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء، وهي تسرد مأساة الشهداء وعوائلهم، إن سلطات الاحتلال أفرجت في عام 2010 عن جثمان الشهيد مشهور العاروري، بعد سنتين من النضال القانوني في ملفه، وبعد احتجاز دام 34 عاما في “مقابر الأرقام”، وإنه في العام التالي تم استرداد جثمان الشهيد حافظ أبو زنط بعد 35 عاما من الاحتجاز، وقد كان رفيقا للشهيد العاروري.
وقالت إن الاحتلال سلم رفات 91 شهيدا في عام 2012، وكان من بينها 18 جثمانا غير معروف، ما شكل تأكيدا جديدا لانتهاك حكومة الاحتلال لكرامة الشهداء والاستهتار بمشاعر عائلاتهم، لكن الحملة تمكنت من التعرف على ثمانية جثامين وتسليمهم لعائلاتهم، وما زال يحتفظ بتسعة جثامين في مقبرة رام الله.