ثم ماذا بعد القبض على إرهابي كبير؟

عقب زيارةٍ قام بها اللواء عباس كامل إلى ليبيا قامت مصر بتسلم ضابط الصاعقة السابق، المتهم بالتورط في عملياتٍ إرهابيةٍ عديدة هشام عشماوي. وفقاً للمصادر الحكومية فإنه متورط بصورة شخصية أو مخطط آمرٍ لكم مذهلٍ من العمليات لا ضد القوات المسلحة والدولة والمواطنين المصريين فحسب، بل قد تسلل إلى سوريا وليبيا أيضاً، فتلك المصادر تنسب له عملياتٍ متفرقةٍ تتوزع زمانياً ومكانياً بين الدقهلية وعرب شركس وكمين الفرارة والمنيا في بر مصر، حيث استهدف قوات أمنٍ في سيناء كواقعةٍ كرم القواديس، وذلك على خلفية تأسيسه لتنظيم «مرابطون» الإرهابي عقب فصله من الجيش في عام 2011 بسبب آرائه المتشددة التكفيرية.
الرجل خطيرٌ للغاية إذن، بل زد على ذلك إنه خفيف الحركة بصورةٍ مذهلة، قادرٌ على قطع شاسع المسافات وآلاف الأميال، كأنه من «أهل الخطوة»، متعطشٌ للدماء لا يرتوي. ومع كوننا نرفض ونعادي الإرهاب شكلاً وموضوعاً لدوافع إنسانية بحتة، وعلى أرضية القناعة الفكرية الثابتة، فإنني لا أستطيع أن أستسلم لبلادة البهجة المفرطة، كوني أرى أن ذلك الخبر يطرح من الأسئلة أكثر بكثير مما يجيب.
بدايةً، لقد تم القبض عليه من قبل قوات خليفة حفتر في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وكلنا نعلم ما يدين به حفتر من الولاء المبني على الدعم والتعاون والتنسيق مع النظام المصري، فما الذي ذكر السلطات المصرية به الآن بالتحديد؟ ولما كنت من غير المصدقين تلقائياً في النظام المصري، وأتشكك في كل ما يقال من قبل الجهات الرسمية في العالم أجمع، وفي منطقتنا المباركة بصفةٍ خاصة، فإنني أتساءل: هل الرجل بالفعل بهذه الخطورة التي يزعمون، والتي يرسمونه بمقتضاها رجلاً خارقاً فذ القدرات يتسرب من بين أصابعهم كالزئبق؟ هل بالفعل قام بكل تلك العمليات؟
السؤال الأهم في نظري هو: كيف وُجد هذا الضابط؟ كيف تخلق وما السر وراء كل تلك الكراهية التي قلبت حاله، وجعلت الأمور «تتلخبط» بحسب السيسي، أي تختلط عليه الأمور؟ هناك رواية مزعجة بأنه ذلك التغيير في حياته أعقب اعتقال شخصٍ قريبٍ منه ومن ثم موته، هذه الأسئلة كلها في الصميم.
لست مبالغاً قط إذ أؤكد على أن الإرهاب الذي تمارسه جماعاتٌ مسلحة، على الرغم من ما قد تمثله من تحدٍ وإحراجٍ للنظام في أحيانٍ كثيرة، كانت ولا تزال الخصم المفضل والحل الأسهل أمام النظام مقارنةً مع المعارضة المدنية، لا سيما إذا كانت متسعة تستند إلى قاعدةٍ شعبيةٍ عريضة أو إلى الثورة، إذ أن وصول الصراع المفترض كونه سياسياً إلى مرحلة السجال المسلح، يجعل اليد العليا للنظام من دون أدنى شك، بل كثيراً ما يجعل منه الطرف المفضل شعبياً، وذلك لميزتين رئيسيتين: الأولى هي أن النظام يظل على الأغلب أكثر عدداً، وأفضل تسليحاً وربما تنظيماً وتدريباً، بالإضافة إلى كون الصراع المسلح يخرج التحدي والمجابهة مع النظام من دائرة الممكن والمقبول، الذي لا غبار عليه إلى مستوى من العنف لا يستسيغه السواد الأعظم من الناس؛ في مقدور المواطن العادي المتوسط، رب الأسرة أن يُضرب متحملاً المشقة والإعياء وشبح الرفت، وأن يعتصم في الشارع أو يتظاهر، إلا أنه سيجفل حتماً عن المواجهة المسلحة العنيفة مع النظام، وعلى ذلك، خاصةً في دولنا التي لا تقيم وزناً أو اعتباراً للحياة البشرية، دول «الإنسانية الأخرى» على حسب تقييم السيسي لنا، حيث لا يتورع الرؤساء الأشاوس المهيبون عن قصف شعوبهم بالطائرات ببراميل النابالم والأسلحة الكيماوية، فإن الأنظمة عادةً ما تخرج منتصرةً من صدامها مع هذه الجماعات، للوهلة الأولى، على الأقل. لكن ذلك بدوره يطرح سؤالاً أهم ومتصلاً بشكل مباشر: كم من البشر العابرين يقتل النظام في سبيل ذلك؟ وكم يتضاعلف العدد جراء انعدام الكفاءة والتدريب والإعداد؟ كم يعذب وكم يعتقل وكم من أحكام الإعدام يصدر؟
إن معركة النظام المصري في الأساس هي ضد فتح المجال العام والحريات السياسية وتداول السلطة، مقترنةً بالثأر من ثورة يناير/كانون الثاني، وعلى هامش ذلك، الحرب مع الإرهاب، مع أولئك الذين قد يتحالف معهم إذا لزم الأمر، والغرض الأساسي لا لبناء الدولة الحديثة أو التنمية المستدامة، لا سمح الله، وإنما احتكار أدوات العنف، والأهم من ذلك احتكار الإرهاب، وإرساء مبدأ رد الفعل غير المتناسب مع أبسط أشكال الاحتجاج والتعبير، ليصبح معلوماً مؤكداً للقاصي والداني أن أي اعتراضٍ سيتم الرد عليه بمنتهى القسوة، تماماً كما يسعى لاحتكار المعلومة والمعرفة، إذ يفرض تعتيماً على كل ما يدور في المسرح السيناوي، وفي هذا السياق يتعين علينا أن نذكر الباحث سمير الاسكندراني، الذي حُبس حين كسر هذا الاحتكار، وكان أول من عرف العالم بخبر عشماوي ذاك بالتحديد.

معركة النظام المصري في الأساس هي ضد فتح المجال العام والحريات السياسية وتداول السلطة مقترنةً بالثأر من ثورة يناير

ثم بعد كل ذلك لم يجب النظام عن كيف تحول ضابط للإرهاب؟ ما هي البيئة الحاضنة التي تفرخ الإرهابيين؟ أليس إرهاب الدولة مسؤولاً، بل المسؤول الرئيسي بأل التعريف عن ذلك؟ أليس الفقر والجهل مسؤولين عن ذلك؟ أليس الخطاب الديني الذي تبنته ودعمته الدولة سبباً مباشراً؟ إن شيئاً من ذلك لم يتغير. في يقيني أن الغرض من ذلك الخبر أو الكشف دعائي أكثر من أي شيء، وما التوقيت إلا قنبلة دخان للتمويه أو تمرير حدثٍ أو قرارٍ آخر. سيبقى العنف ما بقي الغضب، ففي البداية دائماً يكون السخط والغضب، وما لم تحل المشاكل الاجتماعية الاقتصادية العالقة وما استمر تفاقمها في ظل مصادرة المجال العام فسيزيد الغضب والعنف، ولن يفلح العنف الساحق، النظام سوى في تأجيل المشاكل وزيادة الدموية والتبلد والقسوة، في زيادة التوحش.

كاتب مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول خليل ابورزق:

    تعظيم قدرات و عبقرية و دور اي فرد محفور بعمق في فكر هذه الانظمة و متوارث منذ الانظمة الفرعونية. و يتم اكتشاف الخطأ دائما باستمرار الافكار على الرغم من ذهاب الاشخاص. او استمرار الاقليات الحاكمة او عودتها على الرغم من ذهاب الزعماء. بل اننا نكتشف عيانا بيانا ان كثير من هؤلاء الافراد كانوا طرابيش كما هو الحال مع السيسي و قبله بشار او حتى اصناما كما كان الحال مع بوتفليقة و ان كل ما في الامر انهم كانوا موجودين في موقع الحادث عند وقوعه.
    هل ستنتهي الثورة المضادة بنهاية السيسي؟ و هل ستنتهي اعمال العنف بنهاية عشماوي؟ بل الم يعد المماليك الى حكم مصر بعد ان قضى العثمانيون على ملكهم ثم عادوا مرة اخرى الى حكم مصر بعد ان ذبح محمد علي باشا جل امرائهم؟

  2. يقول bassam alkildany:

    thanks for sir khaleefa haftar

إشترك في قائمتنا البريدية