ثورات أم تثويرات عالمية: والبداية من سريلانكا

هناك مثل هندي شهير يقول: «عندما تتصارع الفيلة يموت العشب»، وكما نلاحظ فإن الأحرف التي تشكل كلمة «العشب» هي نفسها الأحرف التي تشكل كلمة «الشعب»، أما الفيلة فالمقصود بها هنا القوى الكبرى التي على ما يبدو ستؤدي صراعاتها على قيادة الكوكب إلى سحق الكثير من الشعوب، أو على الأقل استخدام أراضي العديد من البلدان كمسرح لتنافسها المحموم للسيطرة على العالم أو كأدوات ووقود لتنفيذ مشاريعها الشيطانية.
واضح تماماً ومنذ اليوم الأول للغزو الروسي لأوكرانيا ومن بعده تهديدات الصين باجتياح تايوان أن العالم مقبل على صراع خطير لا يقل خطورة عن الحرب الباردة بين الغرب والاتحاد السوفياتي، إن لم يكن أخطر بكثير لأن مفاعيله واثاره الكارثية بدأت تظهر بسرعة على الكثير من دول العالم الثالث التي باتت تواجه خطر المجاعة بسبب تعثر صادرات القمح والزيوت الروسية والأوكرانية إلى العديد من دول العالم. ومن المعروف أن دولاً كثيرة تعتمد اعتماداً رئيسياً على واردات القمح من الخارج، وعلى رأسها الدول العربية التي أظهرت التطورات الأخيرة أن بعضها يعتمد بنسبة مئة في المائة على القمح الأوكراني كلبنان، بينما تعتمد دول عربية أخرى بنسب أقل، لكنها نسب كارثية خطيرة أيضاً. وينسحب الأمر نفسه على بلدان غير عربية، وقد حذرت الأمم المتحدة من أن الصراع على أوكرانيا بات يهدد مئات الملايين من البشر بالمجاعة في أصقاع العالم كافة.
هل نحن بصدد هندسة دولية جديدة للعالم؟ هل مشروع الفوضى بدأ ينتقل من العالم العربي إلى بقية بلدان المعمورة؟ انتفاضات شعبية عارمة من سريلانكا إلى كينيا إلى غانا إلى مقدونيا إلى الأرجنتين إلى البرازيل إلى الأكوادور. جائحة الانتفاضات الشعبية بدأت تجتاح العالم! ألم يتحرك الشعبان الأرجنتيني والألباني فوراً بعد انتفاضة سريلانكا التي اقتحمت القصر الرئاسي ودفعت الرئيس وحاشيته للهروب من القصر؟ والأهم من ذلك، هل انتهت الثورات أو التثويرات في العالم العربي؟ أم إن الموجة الثانية قد تندلع هذه المرة بقوة وزخم أكبر بكثير خاصة وأن كل الأسباب التي دفعت الشعوب العربية للخروج إلى الشوارع قبل عقد من الزمان تفاقمت وأصبحت الأوضاع أسوأ بعشرات المرات مما كانت عليه في بداية ما أسماه الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما بالربيع العربي؟ هل تنضم بلدان عربية جديدة إلى الموجات القادمة من الثورات أو التثويرات (سموها كما تشاؤون)، خاصة وأن الأوضاع المعيشية تزداد سوءاً ليس فقط في البلدان العربية المنكوبة أصلاً، بل أيضاً في الدول الأوروبية نفسها؟ وإذا كان التضخم وجنون الأسعار ونقص المواد الأساسية يضرب الغرب، فما بالك ببلداننا العربية التي كانت تعاني شر معاناة قبل الأزمة العالمية الجديدة؟ ألم تحذر الأمم المتحدة من أن نقص واردات الحبوب إلى بلدان عربية عدة سيتسبب باضطرابات اجتماعية واقتصادية وسياسية خطيرة؟ هل بعض الأنظمة العربية قادرة أصلاً على توفير الغذاء والدواء لشعوبها قبل اندلاع أزمة أوكرانيا التي تحولت إلى صراع دولي مرير يهدد العالم أجمع؟

هل ستؤدي الانتفاضات العربية إلى تحرر الشعوب الأخرى والحصول على حقوقها المسلوبة، أم إن ما نشهده الآن وما سنشهده لاحقاً من اضطرابات وانتفاضات شعبية دولية مجرد أحجار شطرنج؟

لا نريد أن ندخل في نظرية المؤامرة، ولا نريد أن نتهم القوى الكبرى بتطبيق نظرية «الفوضى الهلاكة» في بقية بلدان الدنيا ضمن صراعها فيما بينها على النفوذ في العالم، لكن أليست الاضطرابات والثورات والتثويرات والمظاهرات التي بدأت تجتاح العالم، أليست نتيجة طبيعية لصراع الكبار؟ لماذا طار رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان من منصبه؟ أليس لأنه دخل في لعبة التحالفات الدولية، ورفض الانحياز لجانب أمريكا في صراعها الحالي مع روسيا والصين؟ ألم تكن سريلانكا نفسها أشبه بالمستعمرة الصينية الصامتة؟ ألم تشكل نقطة ارتكاز مهمة في طريق الحرير الصيني؟ ألم تتماد في ارتباطها بالمشاريع الصينية؟ ألا يمكن أن نقول هنا أن لعبة التثوير التي طالت سريلانكا في الأيام الماضية هي جزء من الصراع بين أمريكا والصين؟ هل تعمل أمريكا ضد الصين في سيرلانكا؟
ألم تتمكن أمريكا الآن من طرد الرئيس السريلانكي الموالي للصين والسيطرة على ميناء هامبانتوتا لقطع طريق الحرير؟ طبعاً لا نريد أن نغمط الشعب السيرلانكي الثائر حقه في الثورة والمطالبة بحقوقه والدفاع عن مصالحه ومواجهة حكامه، لكن هل كانت الانتفاضات التي اجتاحت المنطقة العربية وبدأت تنتقل الآن إلى بقية دول العالم، هل كانت عفوية تماماً؟ لا شك أن هناك مليون سبب وسبب للثورات في العالم العربي وغيره، لكن أليس من حقنا أن نتهم القوى الكبرى بأنها استغلت وتستغل مظالم الشعوب ومآسيها وأزماتها لدفعها إلى الشوارع ليس من أجل الحصول على حقوقها المسلوبة، بل تنفيذاً لمخططات ضباع العالم في إطار الصراعات الدولية على النفوذ؟ ألم تخصص أمريكا وأوروبا أكثر من ترليون دولار لبناء طرق دولية تنافس الحزام الواحد الصيني في اجتماع السبعة الكبار السابق في بريطانيا وأكدت عليه قبل أسابيع في اجتماع ألمانيا؟ هل يمكن أن نشهد إضرابات وتثويرات في البلدان التي يمر بها الطريق الصيني تباعاً؟
هل تخدم هذه التثويرات الشعوب المسحوقة، أم إنها مجرد وسائل لتحقيق مشاريع الكبار وتمريرها على حطام الأوطان وأشلاء الشعوب المظلومة ومعاناتها؟ خرجت الشعوب العربية ضد الظلم والطغيان، لكننا اكتشفنا لاحقاً أن ضباع العالم استغلوا تلك الثورات وجيّروها لمصلحتهم ولتحقيق مخططاتهم في التوسع والهيمنة والسيطرة على العالم؟ لقد ظنت الشعوب الثائرة أنها ستحقق أهدافها في التحرر من نير الطواغيت والأنظمة الاستبدادية، لكنها أدركت بعد ملايين التضحيات أنها كانت مجرد وقود في مخططات أكبر منها بكثير؟
هل يا ترى تختلف الثورات أو التثويرات التي بدأت تجتاح العالم عن الانتفاضات العربية؟ هل ستؤدي إلى تحرر الشعوب الأخرى والحصول على حقوقها المسلوبة، أم إن ما نشهده الآن وما سنشهده لاحقاً من اضطرابات وانتفاضات شعبية دولية مجرد أحجار شطرنج في لعبة الأمم؟

كاتب وإعلامي سوري
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    ماذا عن الإكتفاء الذاتي يا دكتور ؟
    لقد دمر الفساد أغلب الدول العربية ,
    وأصبح بعضها عالة على المجتمع الدولي !!
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول ابو ربابة:

    كل هذا لا يهم ،المهم حاليا عند العالم حياة الشواذ؟!!!!!!!فعلا أرررربت.

  3. يقول حميد:

    الولايات المتحدة الامريكية كانت تخطط وتنفذ أما الآن فبعدما قوت روسيا عضلاتها والصين وايران والهند وكثير من الدول اختارت الانحياز للدب الروسي أصبحت امريكا كالكلب الذي ينبح لرأية قافلة تسير في الصحراء ، لا أحد يطيعها ولا يلتفت إليها وكأنها دولة متوسطة الحجم كباقي الدول ، هاهو الرئيس الأمريكي يصل إلى العربية السعودية ولا يستقبل عند مدرج الطائرة لا من طرف الملك ولا ولي العهد عكس رؤساء امريكا السابقين عندما كانت لأمريكا هيبتها، منذ أشهر وهو يطلب من السعودية والامارات زيادة انتاج البترول الجواب كان صريحاً : لا وقد نقلها الرئيس ماكرون للرئيس الأمريكي خلال احد الإجتماعات وأمام انظار العالم … هل أمريكا مريضة وتحتضر؟ قد تكون لكن الأكيد أنها شاخت وهرمت وأن بعض القوى أصبحت في أعلى درجات الجهوزية للتجهيز عليها بضربة قاضية وكل محاولات أمريكا لفرض عقوبات على هذه الدول لا تزيدها إلا تفوقاً وهذه روسيا “المحاصرة” من طرف امريكا والغرب تحقق ارباحاً خيالية وصلت إلى أزيد من ٩٣ مليار دولار بسبب ارتفاع اسعار الغاز والبترول…هل اصبحت وسائل الردع الأمريكية بدائية ؟

  4. يقول إبسا الشيخ:

    تحياتي لك دكتور فيصل
    لا أتوقع حصول الثورات في البلدان العربية حاليا ربما بعد عقود ،

  5. يقول واجئ النقطاء العتوفين:

    هناك مثل هندي شهير يقول: «عندما تتصارع الفيلة يموت العشب»، وكما نلاحظ فإن الأحرف التي تشكل كلمة «العشب» هي نفسها الأحرف التي تشكل كلمة «الشعب» اهـ
    وبنفس الطريقة، من كلمة «العشب» بعد تغيير ترتيب أحرفها لدينا أيضا كلمة «الشبع»، ولدينا أيضا كلمة «العبش»، ولدينا أيضا كلمة «البشع»، إلى آخره. هل أنت حقا جاد فيما تقول يا عزيزي فيصل القاسم ؟؟ أم أنك تحاول إيهامنا بأنك تضرب بالمندل !

  6. يقول باقر العسفة العتفة:

    (أم إن الموجة الثانية قد تندلع هذه المرة بقوة وزخم أكبر بكثير خاصة وأن كل الأسباب التي دفعت الشعوب العربية للخروج إلى الشوارع قبل عقد من الزمان تفاقمت وأصبحت الأوضاع أسوأ بعشرات المرات مما كانت عليه في بداية ما أسماه الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما بالربيع العربي؟) انتهى
    أولا، وقبل كل شيء، إن أولى هذه الثورات العربية كانت قد اندلعت فعليا في بداية «فصل الربيع»، فاستحقت بذاك تلقائيا من ذاتها ولذاتها تسمية «الربيع العربي» قبل أن ينطق بها أوباما أو أي أمريكي أو أوروبي آخر بأسابيع وحتى بشهور !؟
    ثانيا، في الغرب الأمريكي تحديدا، أوباما ليس هو أول من استعمل تسمية «الربيع العربي» حتى تُنسب إليه بهذه السذاجة التي لا تعكس سوى ظل من ظلال «عقدة الأجنبي»، بل إن التسمية ظهرت لأول مرة في المجلة السياسية الأمريكية Foreign Policy، حيث نشر المحلل السياسي مارك لينتش مقالا في اليوم السادس من شهر كانون الثاني عام 2011 قال فيه بأنه ربما كان قد استخدم التسمية ذاتها لكن دونما أي قصد أو نيَّة !!؟

  7. يقول وديع الشوبكي:

    اصبح العالم يطبق قانون الغابة ، القوي يأكل الضعيف. للدول القوية مصالح ونفوذ وامتيازات سوف تدوس علی الحكومات والشعوب لتحقيقها. نحن كعرب لا امل فينا. رغم ثرواتنا الهائلة لا وزن لنا ولا قيمة؛ يتلعبون بنا الاقوياء ككرة القدم. نعم للأسف المصير للأسوأ ، مزيد من الضعف ومن الفقر ومن الحروب ومن استقواء الغير لنا. شكرا

  8. يقول سامح //الأردن:

    *(الضباع لا تأكل بعضها البعض).
    العوض ع الدول الصغيرة والفقيرة
    المنكوبة بحكام فاسدين ظلمة.
    حسبنا الله ونعم الوكيل في كل فاسد وظالم وقاتل.

  9. يقول مُلاحِظَة:

    هل تعمل أمريكا ضد الصين في سيريلانكا ؟
    تساؤل إعلامي ساذج حقيقة ، أمريكا لا تحتاج إلى سيريلانكا إذا أرادت أن تعمل ضد الصين !!

  10. يقول ابوعمر:

    كل الثورات الشعبية الرافضة للطغاة والمستبدين والعساكر الهمج..الرعاع..القتلة..الفسدة…عند العجم تنتهي الى ازلة الطغاة ومحاكمتهم ..الا القورات الشعبية العربية التي تنتهي الى الانكسار والموت البطيئ…..لان الشعب العربي لايملك القيادة الرشيدة التي تتولى الرعاية والتوجيه واعادة السيادة للشعب ومؤسساته….العرب كالايتام الذين يتحرش بهم اللئام..واولهم العسكر اعتى اعداء الشعب

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية