الخرطوم-“القدس العربي”: تدخل احتجاجات السودان أسبوعها الثالث، بالموكب الذي دعا له تجمع المهنيين السودانيين اليوم الأحد لتسليم مذكرة للقصر الجمهوري تطالب برحيل البشير، يتبع ذلك موكب آخر يوم الأربعاء المقبل يتجه نحو مباني المجلس الوطني في أم درمان، مع تواصل التظاهرات الليلية في الأحياء وصولا للعصيان المدني الشامل حتى سقوط النظام.
وتمت الدعوة للخروج والتظاهر عقب صلاة الجمعة الماضية ورصد الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي حراكا في مناطق مختلفة من العاصمة عقب الصلاة مباشرة، مع وجود استعداد أمني مكثف، خاصة في منطقة ودنوباوي في أم درمان مقر ومسجد الأنصار الذين يتبعون لحزب الأمة القومي بقيادة الصادق المهدي.
واستبقت القوات الأمنية الحراك المقبل باعتقال 200 من الكوادر الحزبية المعارضة والناشطين والأكاديميين والصحافيين أبرزهم الصحافي فيصل محمد صالح، الفائز بجائزة بيتر ماكلر للشجاعة والنزاهة الصحافية لعام 2013 والسفير إبراهيم طه أيوب، وزير خارجية انتفاضة نيسان/ابريل 1985 والصحافي قرشي عوض من صحيفة “الميدان”. وبينما تم الإفراج عن البعض تواصل أجهزة الأمن البحث عن آخرين.
اعتقالات وحجب مواقع
وواصل جهاز الأمن الرقابة القبلية للصحف، الأمر الذي تسبب في احتجاب صحيفة “الجريدة” لعدة مرات كما تم منع الصحافيين محمد عبد الماجد وشمائل النور من الكتابة. ولا تزال مواقع التواصل الاجتماعي الشهيرة (فيسبوك وواتسآب) محجوبة في السودان منذ اندلاع التظاهرات في التاسع عشر من الشهر الماضي، لكن الناشطين استعاضوا عن ذلك باستخدام حلول أخرى منها تطبيق “في بي إن” لدخول المواقع المحجوبة.
وأثار حديث للبشير أمام قادة الشرطة جدلا واسعا ووجد تفسيرات مختلفة عندما أوضح إنهم لا يرغبون في قتل المتظاهرين لكنهم يضطرون. واستخدم الآية القرآنية “ولكم في القصاص حياة” لتبرير حديثه مفسرا كلمة قصاص بالقتل والإعدام، وعاد بعد عدة أيام (الخميس الماضي) في لقاء مع النقابات المعترف بها من قبل حكومته ليؤكد أن الذين يقومون بالتخريب هم مدعومون من مخابرات وسفارات أجنبية. وسخر البشير في هذا اللقاء من الذين انشقوا وخرجوا من حكومته.
وبعد وقت قصير من تأكيد وزير الدولة في الداخلية السودانية موسى محمد علي مادبو، هدوء الأحوال الأمنية والجنائية في المركز والولايات، شهدت مدينة بورتسودان الخميس تظاهرات للمرة الثانية فرقتها الشرطة بالغاز المسيل للدموع والهراوات. وفي عطبرة التي اندلعت فيها أول تظاهرة، بدأ عصيان مدني بجلوس المواطنين أمام منازلهم. وتشهد مدن السودان في الشمال والشرق والغرب تظاهرات واسعة منذ يوم الأربعاء الماضي، منددة بالوضع الاقتصادي المتردي ومطالبة برحيل نظام البشير، شملت أكثر من 25 مدينة وبلدة.
واعترفت الحكومة بسقوط 19 قتيلا في هذا الحراك، لكن جهات أخرى وناشطين، أكدوا أن عدد الضحايا تجاوز ذلك العدد. وقال حزب الأمة القومي في بيان له إن عدد شهداء مظاهرات السودانيين المطالبة بإسقاط النظام وتنحي البشير من السلطة وصل إلى 45 شهيدا وإن عدد المعتقلين خلال هذه المظاهرات السلمية تجاوز الألفي معتقل في كل السودان، تعرض أغلبهم للتعذيب، وعدد الجرحى تجاوز الألف ووصلت قائمة شهداء مدينة القضارف شرقي السودان 14 شهيدا حسب ناشطين.
وتم إسناد الحراك الجماهيري على الأرض بتأييد أحزاب وكيانات سياسية، أبرزها تجمع يضم 22 حزبا مشاركا في حكومة البشير عقدت مؤتمرا صحافيا أعلنت فيه نفض يدها من حكومة الوفاق الوطني التي أعقبت ما يسمى بمؤتمر الحوار الوطني ودعت الجيش لحماية التظاهرات السلمية ممن لا يتورعون في إراقة الدماء وقتل الأبرياء من المواطنين. وطالبت بإجراء انتخابات حرة ونزيهة يسبقها تشكيل مجلس سيادة انتقالي يقوم بتولي أعمال السيادة وتشكيل حكومة انتقالية تجمع ما بين الكفاءات والتمثيل السياسي وحل المجلس الوطني ومجلس الولايات وتعيين مجلس من 100عضو وحل الحكومات الولائية ومجالسها التشريعية وإعادة هيكلة الحكم والولائي والمحلي وفق مكونات الحوار الوطني.
غلاء طاحن وتفشى البطالة
وجاء في مذكرة الجبهة الوطنية للتغيير والتي تعتزم رفعها للبشير “أن الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي عمت معظم ولايات السودان، لم تكن فقط بسبب الزيادة في أسعار الخبز وندرته، ولكن كانت لها أسباب متعددة، إذ ظل الشعب يعاني ويلات الحرب والنزوح ونزاعات الأراضي والحواكير، ومن الغلاء الطاحن وتفشى البطالة وسداد فاتورة تعليم أبنائه، وفاتورة العلاج والدواء، وإهمال تطوير القطاعات الانتاجية وعلى رأسها الزراعة مما أدخل البلاد في أزمة اقتصادية مركبة”.
وسارعت العديد من الأحزاب لتأييد حراك الشارع وطالب حزب البعث العربي الاشتراكي القوات النظامية بالانحياز لاحتجاجات الشعب، مؤكدا “رفضه الحازم لأي انقلاب عسكري، يقدم نفسه بديلا باسم الخلاص”. وفي اليوم الأول من العام الجديد تم عرض “إعلان التغيير” لتوقع عليه كافة مكونات الشعب السوداني والذي يتضمن تسعة بنود على رأسها تنحي البشير، وجاء في مقدمة الإعلان “نحن شعب السودان في المدن والقرى، شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً ووسطاً، بكافة قوانا الشعبية والسياسية والاجتماعية والنقابية والمدنية وأصحاب المطالب، نؤكد عبر هذا الإعلان إننا لن نتوقف عن استخدام كافة أساليب النضال السلمي حتى يتم الخلاص من نظام الإنقاذ الشمولي”.
ودعا التحالف الوطني السوداني القوات النظامية للانحياز لخيار الجماهير وحماية السودان وممتلكات ومقدرات هذه الأمة و”ليس حماية البشير وسدنته ممن نهبوا الشعب وأفسدوا في الحكم وأفقروه”. ولم يتخلف النازحون عن الحراك الجماهيري، وأصدر المكتب السياسي لتنسيقية معسكرات النازحين واللاجئين/السودان بيانا أكد فيه وقوفهم وتضامنهم الكامل مع المظاهرات الجماهيرية السلمية ودعم استمراريتها إلى حين ما وصفوه بإسقاط نظام الابادة والتطهير العرقي، ودعوا مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي ودول الترويكا بالتدخل العاجل والفوري لإيقاف العنف المفرط ضد المتظاهرين وطالب مجلس النازحين، الشعب السوداني بالاستمرار في نضاله السلمي عبر كافة سبل المقاومة المشروعة وارغام النظام على ترك السلطة وتسليمها للشعب.
العنف المفرط ضد المتظاهرين
وشهدت عدة مدن سودانية على رأسها الأبيض وكوستي عقد محاكمات سريعة لعدد من الشباب الذين تم اعتقالهم أثناء المظاهرات وصدرت أحكام ضدهم بالسجن والغرامة، وأعلنت الحكومة السودانية القبض على مجموعة تنتمي لعبد الواحد محمد نور (معارض من دارفور له قوات تقاتل الحكومة) ونشر التلفزيون الرسمي صورا لشباب في حوزتهم أسلحة معلنا أنهم تلقوا تدريبا في إسرائيل لإحداث فوضى وتخريب أثناء التظاهرات، لكن هيئة محاميي دارفور نفت ذلك مؤكدة أن الذين تم القبض عليهم هم طلاب من جامعة سنار وسلمت الهيئة مذكرة لوزارة العدل والنائب العام طالبت فيها “بكفالة الحقوق الدستورية للطلاب المعتقلين وإلزام القوة النظامية التي أهدرت حقوقهم بالاعتقال غير المشروع ومحاكمتهم عبر وسائل الإعلام للإفراج الفوري عنهم وإلى حين ذلك الكشف عن أماكن اعتقالهم والسماح لهم بالاتصال بأسرهم ومحاميهم”.
وفي إطار الاستقطاب بين المكونات السياسية المختلفة عقدت مجموعة من الأحزاب التي ما زالت مشاركة في الحكومة مؤتمرا صحفيا نددت في بالتظاهرات وأعلنت العديد من القرارات جاء في مقدمتها “التمسك بالحوار الوطني ومخرجاته والمضي في تنفيذه والاعتراف بالأزمة وطريقة معالجتها التي بدأت تظهر في انحسار صفوف الخبز والوقود والتوافق على عدم الفوضى والتخريب والمحافظة على أمن البلاد”.
وقال الطيب مصطفى رئيس منبر السلام العادل: “للأسف خرجت مجموعة من الأحزاب عن وثيقة الحوار الوطني وتبقى عام واحد للانتخابات”. مشيرا لعدم سماحهم للمركب بأن يغرق وأدان خروج بعض الأحزاب من الحوار وانتقد التخريب الذي تم في الولايات وحرق الممتلكات العامة والخاصة، مؤكدا احترامهم لمخرجات الحوار الوطني.
وتحدث عبد الرحمن الخضر ممثلا للحزب الحاكم، المؤتمر الوطني، رافضا خروج بعض الأحزاب عن الحوار الوطني ومؤكدا قيام الانتخابات في موعدها 2020 وجدد ثقتهم في الحكومة لحل الأزمة الاقتصادية. على صعيد آخر بث التلفزيون السوداني ندوة عن استقلال السودان لم تخل من التطرق للواقع أكد فيها الدكتور أمين حسن عمر(القيادي في الحزب الحاكم) أن وضع السودان الآن أفضل من وضعه أيام الاستعمار، مشيرا إلى مظاهر التقدم في الخدمة المدنية والمجال الاجتماعي والعلمي، ونادى بشارة جمعة ارو وزير الإعلام والاتصالات والأمين السياسي لحزب العدالة بالصبر على مخرجات الحوار الوطني التي عالجت قضايا السودان مشيرا إلى ان التشاكس بعد الاستقلال جاء بسبب عدم التعاون والانتماء الضيق العتيق في إطار القبلية والجهوية والحزبية، وطالب بالاعتراف بالجيل الناشئ الجديد وتبني أفكار الشباب أصحاب الطاقات والقوة وعدم تحنيطهم فكريا مشيرا إلى أن السودان يسع الجميع.
وتقوم مجموعة دينية تسمي نفسها “اللجنة القومية لتحصين السودان بالذكر والدعاء” بما سمته الحملة القومية للدعاء والتضرع وذلك بختم القرآن والتضرع لحماية البلد من الفتن وأطلقت جمعية القرآن الكريم “الحملة القومية للدعاء والتضرع” في يوم 12كانون الأول/ديسمبر، وسيرت قوافل لتوزيع 92 ألف مصحف لأماكن السودان المختلفة، بحضور وزير وزارة رئاسة مجلس الوزراء أحمد سعد عمر ووزير المجلس الأعلى للإرشاد والدعوة الخليفة أبو بكر عثمان.
وأصدر مثقفون وخبراء في مجالات السياسة والاقتصاد والتربية والإعلام والعلاقات الدولية بيانا أعلنوا فيه دعم حراك الشعب السوداني لإسقاط حكومة البشير فيما شجبوا استخدام القوة المفرطة من أجهزة النظام لمواجهة المظاهرات التي بدأت في مدينة عطبرة في الأسابيع الماضية، وعمت أجزاء واسعة من البلاد. وقال البيان إنه لا توجد حلول لحل الأزمة السودانية إلا بقيام الشعب السوداني بالاضطلاع بمسؤوليات كاملة لاسترداد الديمقراطية وقيام عهد جديد من الحرية. وطالب الموقعون على البيان، المجتمع الدولي والإقليمي بممارسة أقصى ما يمكن للجم العنف الحكومي الذي يواجه الحراك السلمي وتحميل المسؤولية في هذا الشأن لقادة النظام.
وشهدت ليلة رأس السنة التي يحتفل بها السودانيون عادة حتى الصباح فعاليات مختلفة هذا العام حيث غابت مظاهر الفرح وتظاهر مواطنون ضد النظام واحتفل آخرون بصورة رمزية تحمل دلالات إسقاط النظام حيث زيّن البعض “تورتات” رأس السنة بعبارات تطالب بإسقاط النظام وأخرى باحتجاجات حتى النصر.