ثورة شعبية أم انقلاب؟

كلما استضافت الجزيرة مصريا مواليا للعسكر (من الداخل أو في المهجر) في برامجها الحوارية، تكون الأجابة على كل سؤال، مهما كان، بجملة ‘يجب بدءا أن أصحح وأنوه بأن ما حدث في الثلاثين من يونيو كان ثورة شعبية قام بها 35 مليون مصري وليس انقلابا عسكريا’، ثم يسترسل في الاجابة على السؤال، ان تذكره، ويدافع بكل ما أوتي من قوة عن العسكر وكل قراراتهم، ولا ينسى أن يذكرنا بأن الحاكم الفعلي لمصر، هو الرئيس عدلي منصور، الذي يتلكأ في ذكر اسمه وينظر الى الورق الممدد امامه ليتذكره، وحتى لا يخطئ في الاسم الذي لا يحفظه احد، وان الفريق عبد الفتاح السيسي ليس الا وزير دفاع (والله). يذكرني هذا بالمخبر المصري الذي يمشي في الشوارع ويسمعه الجميع مرددا: انا مخبر، أنا مخبر.. حتى لا ينسى.
لنسلم جدلا بأن ما حدث في مصر في حزيران/يونيو (شهر الهزيمة، فاكرين) هو ثورة شعبية، وأن الجيش انحاز الى الثورة، فلماذا، يا ترى، لم يعد الجيش الى ثكناته تاركا الثوار الجدد ليحكموا البلاد والعباد، بالعدل والديمقراطية التي فرط بها الاخوان. أنهت الثورة حكم المرشد، كما يقولون، ليبدأ بدلا منه حكم العسكر، أو بالأصح حكم الفريق. تشكلت حكومة الثورة الجديدة من الشباب، اذ أن اصغر وزير فيها، ان بقي في رأسه شعر، فهو بالتأكيد أشد ابيضاضا من ثلوج يناير في ميشيغان. ان كانت هذه الحكومة هي من الشباب واليهم فلماذا قدم بعضهم للمحاكمات، واودع بعضهم في السجون، اما الباقون فبدلا من ان يكونوا خلف مكاتبهم في الادارات الحكومية والوزارات، التي تربع عليها العسكر، نراهم في الشوارع والميادين يهتفون ضد قانون التظاهر الجديد الذي يحاول العسكر تمريره مع قانون مكافحة الارهاب وقوانين اخرى لم تسّرب بعد. قانون الارهاب هذا يذكرني بمقولة الرئيس الامريكي السابق جورج بوش، الذي قال ان لم تكن معنا فأنت بالتأكيد ضدنا.
يتفنن الانقلابيون في تلفيق التهم للرئيس السابق محمد مرسي، من قتل للمتظاهرين الى التدخل في سلطة القضاء الى اخونة الدولة. على أن أطرفها على الاطلاق، هو ان مرسي سمح لباسم يوسف بانتقاده اللاذع له والتهكم عليه من باب حرية التعبير، الاخوان ضاقوا ذرعا بيوسف واقاموا دعوى ضده، فانبرى معارضو مرسي يدافعون عن يوسف وحقه في حرية التعبير والرأي، التي يكفلها الدستور (دستور مرسي الذي الغي).
الآن بدلا من الاشادة بمرسي (من باب اذكروا محاسن معتقليكم او مغيبيكم)، باطلاقه للحريات، تفتحت قرائح القضاء المصري عن تهمة جديدة غريبة، حتى ابليس لا يستطيع اختراعها، وهي ان مرسي فرط في هيبة مركز رئيس الدولة، الذي هو ليس منصبا شخصيا له، بل هو منصب عام له حرمته ولا يجب لاحد مهما كان، حتى مرسي، ان يسمح لاي كان (حتى باسم يوسف) بالمساس بهيبته او الحط منه (يا سلام).
تهمة خطيرة تمس الامن القومي المصري، وبهذا يكونون قد ضربوا عصفورين بحجر، أوقعوا بمرسي ومنعوا ايا كان من التطاول على العصفور الاخر، السيسي.
تهم اخرى جاهزة، فبدلا من محاكمة كبار الضباط في الداخلية والدفاع، وعلى رأسهم السيسي المكلف من الشعب بمحاربة الارهاب، بتهم قتل المعتكفين في الحرس الجمهوري والمنصة ورابعة والنهضة، ستوجه التهم لقادة الاخوان بتحريض هؤلاء والتغرير بهم، مما ادى الى قتلهم. أليس هذا ما يردده الاعلام المصري (الحر) الآن.
قال السيناتور الامريكي جون ماكين في القاهرة، مقربا الصورة للمصريين عن الانقلاب، شكلها كالبطة وصوتها كالبطة اذا فهي بطة، استنتاج منطقي وبديهي، ولكن مريدي الانقلاب لم يقتنعوا. ببساطة السيسي يحكم ببدلته العسكرية، واحكامه عسكرية، وبطانته عسكرية، وبعدها ان لم يقتنع ضيوف الجزيرة من جبهة الانقاذ انه حكم عسكري فماذا عسانا نقول لهم الا انه ثور، فيقولون لنا احلبوه أو يردون بكل ثقة عنزة ولو طارت.
ان كان الثالث من يوليو ثورة شعبية، فما بال هذا الشعب في الساحات والميادين والمدارس والجامعات المصريـــــة، وليس الازهر فقط، يهتف ضد العسكر والانقلاب ويطالب بعودة الشرعية، أم ان الوضع الان ‘احنا شعب وانتوا شعب’، كما افتى الشيخ علي الحجار في اغنيته الشهيرة.
المؤيدون للانقلاب ما زالوا يحلمون بان الجيش سيتنازل عن الحكم لهم في النهاية، وانها مرحلة انتقالية وخريطة الطريق، او المستقبل، ستنفذ كما وعد الجيش، مع انهم في نفس الوقت يؤيدون، بل يشجعون الفريق السيسي للترشح للانتخابات الرئاسية، منطق غريب فعلا. يقول الشباب والناصريون والوفد والتجمع وجبهة الانقاذ، انهم يرفضون الدولة الدينية، ومرسي بالمناسبة لم يشكل دولة دينية، وان ثورتهم قامت لبناء الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة، فلماذا يقبلون الان بخنوع بالدولة العسكرية، وحالهم الان كمن رضي الدنيّة في دينه، او بالاصح لهم في دنياهم.
جبهة الانقاذ هذه تدافع عن السيسي مهما قال في التسريبات (واعتقد انه هو من يسربها) وكأن كلامه منزل لا تجوز مناقشته، او انه الملهم المعصوم الذي لا يأتيه الباطل من يمينه او يساره او من فوقه او من تحته. الدكتاتورية الآن تترسخ في مصر الثورة، ثورة الـ25 من يناير 2011، التي انتهت وحل محلها انقلاب الـ30 من يونيو والثالث من يوليو 2013، أو الثورة الشعبية، ان شئتم ولما تقتنعوا بعد، فهنيئا لكم، ولكم من بعد ثورتكم طول البقاء.

‘ كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية