عرفت مصر في تاريخها الحديث خمس ثورات بواقع ثورتين في كل قرن فقد استهلت مصر القرن 19 بثورة عام 1805 والتى قادتها القيادات الشعبية وعلى رأسها الشيخ عمر مكرم، والتي اتخذت خطوة غير مسبوقة في تاريخ مصر بعزل الوالي العثماني خورشيد باشا، وتولية محمد علي ولاية مصر، وقد استطاع الشعب المصري أن يفرض إرادته بعد ثورة استمرت أكثر من شهرين ويجبر السلطان العثماني على الرضوخ للإرادة الشعبية بتعيين محمد علي واليا وعزل خورشيد الذي استكبر على الإرادة الشعبية بعزله قائلا ‘لقد ولاني السلطان فلا يعزلني الفلاحون’، وهكذا استطاع الشعب المصري لأول مرة في تاريخه أن يكون طرفا فاعلا في المعادلة السياسية، وأن يقرر حق الأمة في اختيار حاكمها، وأن تخضع الدولة العثمانية لإرادته، وأن يتولى محمد علي الحكم نزولا عند شروط العلماء بإقامة العدل وإقامة الشرع ورفع المظالم وألا يقطع أمرا إلا بمشورة عمر مكرم والعلماء. وقد تمكن محمد علي من تحقيق طموحه في تولي حكم مصر من خلال ثورة شعبية ناجحة أتت به إلى سدة الحكم، واستطاع التخلص من الصعوبات والمعوقات التي واجهته في حكم مصر بمعاونة الزعامات الشعبية التي انقلب عليها ببث الفرقة بينها واستمالة البعض الآخر، وتوزيع الغنائم عليهم ثم التخلص من عمر مكرم القيادة العنيدة التي لم تقبل المساومة على مبادئها وهكذا انتهت الثورة بعد بضع سنوات بسيطرة محمد علي على مقاليد الأمور والقضاء على دور القيادات الشعبية. ثم جاءت الثورة الثانية مع نهاية القرن 19 من خلال الثورة العرابية عام 1881 التي قادها أحمد عرابي ضد الاستبداد والفساد، وبالرغم من النجاح الذي حققه أحمد عرابي في البداية إلا أن عوامل متعددة عملت على فشل الثورة واحتلال الانكليز لمصر منها بعض أخطاء العرابيين، والتدخل الأجنبي وخيانة بعض قواد الجيش وبعض السياسيين وانحيازهم للخديوي توفيق، وموقف السلطان العثماني ثم جاءت الثورة الثالثة في بداية القرن العشرين ثورة 1919 والتي انفجرت بصورة تلقائية عفوية غير متوقعة أثارت دهشة الانكليز ورجال الوفد على حد سواء بعد فترة من الكمون والسكون امتدت من عام 1882 حتى عام 1919 وبالرغم من التضحيات العظيمة التي قدمها الشعب المصري خلال الثورة، والذي قدم خلالها أكثر من ثلاثة الآف شهيد على أقل تقدير فإن ما حصلت عليه مصر من نتائج والمتمثلة في تصريح 28 فبراير لم يتكافأ مع هذه التضحيات، حيث ظلت مصر من الناحية الفعلية محمية بريطانية رغم الاستقلال الشكلي وإعلان إلغاء الحماية البريطانية، ثم جاءت الثورة الرابعة ثورة يوليو 1952 والتى تحولت من مجرد انقلاب قام به بعض ضباط الجيش صباح 23 يوليو إلى ثورة حقيقية بعد التغييرات الجذرية التي أحدثها عبد الناصر في المجتمع المصري إلا أنها أخفقت في تحقيق الديمقراطية ورسخت الحكم العسكري الذي أدى في النهاية إلى الثورة الخامسة ثورة 25 يناير مع بداية القرن الواحد والعشرين، والسؤال الهام الذي يطرح نفسه هل تنجوا ثورة 25 يناير من مصير الثورات السابقة؟ وهل تنجح في تحقيق أهدافها؟ الواقع أن هناك تحديات خطيرة تواجه مسيرة الثورة وتواجه الرئيس محمد مرسى أول رئيس مصري مدني منتخب في تاريخ مصر والذي كرس لشرعية جديدة هي شرعية صناديق الانتخابات وعلى رأس تلك التحديات المجلس العسكري وانتزاعه العديد من سلطات رئيس الجمهورية خاصة فيما يتعلق بالمؤسسة العسكرية التي أصبحت سلطة خارج نطاق الدولة المصرية وستحاول العمل جاهده على ترسيخ أوضاعها وكيانها من خلال الدستور الجديد، ولذلك فإن المجلس العسكري يمثل أحد أهم التحديات التي تواجه الثورة بالإضافة للتحديات الأخرى المتمثلة في قوى النظام السابق وأصحاب المصالح والبيروقراطية المصرية وبعض أجهزة الدولة التي ستقف عائقا بل ستعمل جاهدة على إفشال الرئيس الجديد هذا بالإضافة لبعض الدول الخارجية الأجنبية كالولايات المتحدة والكيان الصهيوني أو بعض الدول العربية التي ليس من مصلحتها وجود نظام ديمقراطي مستقر في مصر وبالرغم من خطورة هذه التحديات إلا أن أخطر هذه التحديات هو انقسام القوى السياسية والثورية وتغليب مصالحها الشخصية والأيدلوجية واختلافاتها السياسية والفكرية على المصالح العليا للوطن مما يتيح للقوى المضادة للثورة اللعب على هذا الوتر وتوظيفه ضد الثورة إن استكمال الثورة لمسيرتها، وتحقيق أهدافها يحتاج إلى عدة سنوات، وأمامنا فرصة تاريخية في ظل رئاسة محمد مرسى لإنجاز هذا الهدف ولكن هذا يتوقف على قوة وصلابة الرئيس والدعم والتأييد الشعبي للرئيس والذي يمكنه من مواجهة التحديات المتعددة التي تواجهه إننا- وبحق – أمام فرصة تاريخية لو أحسنا توظيفها لإنجاح الثورة وتجنب عوامل الفشل والإخفاق التي أصابت الثورات السابقة أولا قدر الله تكرار أخطاء الماضي وأن تلحق ثورة 25 يناير بمصير الثورات الأخرى وأن نحمل أبنائنا وأحفادنا مخاطر وتضحيات ثورة أخرى قد تنفجر بعد عدة عقود د. صفوت حسين – كلية التربية- جامعة دمنهور [email protected]