القاهرة ـ «القدس العربي» : لا تنتهي حكايات القاهرة ولا غيرها من مدن مصر وقراها، كما لا يعدم المصريون الحيلة في العثور على ضالتهم من القصص التي تنسيهم مرارة الحياة وقسوتها حتى حين.. ومؤخرا أطل عليهم وجه غائب نسجت حوله العديد من القصص المثيرة طيلة فترة غيابه، حتى مثلت عودته الحدث الأبرز الذي جذب الأنظار إليه وتسبب في جدل واسع.. هذا الوجه الذي نسجت حوله القصص هو وجه وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد الغائبة عن الأنظار منذ سبعة أشهر، إثر قضيىة فساد طالت وزارتها ولاحقت التهم بعض أفراد عائلتها، حسب التحقيقات التي نشرت في السابق قبل أن يضرب بستار من السرية حول القضية..
كان الظهور الحديث للوزيرة سارقا للابصار يشبه مشهدا سينمانيا حيث كان اللقاء أمام حمام سباحة في الفيلا التي تمتلكها الوزيرة في أحد التجمعات التي تقطنها الأقلية الثرية، ومن مفاجآت اللقاء كذلك أن من أشرف عليه وقام ببثه عبر صفحته الشخصية، هو سيف نجل الوزيرة، التي أعلنت الحكومة أنها في إجازة مرضية منذ واقعة الفساد التي أشرفت على ضبطها هيئة الرقابة الإدارية، ومنذ ذلك الوقت تم ترشيح وزير البحث العلمي ليقوم بمهام عمل وزيرة الصحة.. الأبرز في الظهور المباغت للدكتورة هالة زايد تمثل في تعهدها بحساب مقبل لا ريب لكل من أخطأ في عمله أو في الإساءة.. وأرجعت الوزيرة ساعة الحساب الحقيقية لديان السموات والأرض.
ومن أبرز القضايا التي اهتمت بها الصحف تلك المعنية بسد النكبة، حيث قال الدكتور عباس شراقي أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة، إن كل المياه المخزنة لدى إثيوبيا كان من المفترض أن تمر إلى السودان وتصل إلى مصر. وكشف عن أن تخزين إثيوبيا لمليار متر مكعب من المياه يعني أن مصر فقدت مليار متر من المياه، مشيرا إلى أن المياه المتوفرة في السد العالي ليست مصادفة، بل هي النتيجة التي دفعت مصر المليارات من أجل توفيرها. وأشار إلى أن 8 مليارات متر مكعب مخزنة في إثيوبيا كان من المفترض أن تصل إلى مصر، مشيرا إلى أن إثيوبيا تتبع سياسة فرض الأمر الواقع، ولو علمت مصر أن إثيوبيا لن تخزن، لكان بإمكانها زيادة المساحة المزروعة بالأرز وكشف عن أن إثيوبيا، بدأت أعمال التعلية، ويستهدف ارتفاع الممر الأوسط لتصل إلى 20 مترا. وألمح إلى أن الجانب السوداني في حالة ارتباك لأنه لا يعرف ماذا ستفعل إثيوبيا. كما تناولت الصحف، العديد من الموضوعات والقضايا المهمة وأبرزت إعلان الرئيس السيسي إطلاق مبادرة مصرية، لتقديم 30 مليون جرعة تطعيم ضد فيروس «كورونا» للأشقاء الأفارقة بالتنسيق مع الاتحاد الافريقي.. ومن الحوادث: لقي 5 أشخاص من أسرة واحدة مصرعهم، بطلقات نارية على يد مزارع هو شقيق الضحايا ونجل الأم المصابة ووقع الحادث في قرية أبومناع في محافظة قنا.
الأسوأ مقبل
البداية مع الأزمة التي تنتظرنا بصحبة الدكتور مصطفى كامل السيد في “الشروق”: ليس هناك شك في أننا مقبلون على أوضاع اقتصادية صعبة. ليس هذا ادعاء كاذبا من جماعة الإخوان، فهذا أمر تحدَّث عنه رئيس الجمهورية، وكان موضوعا لندوات عقدت في الجمعية العلمية التي تجمع خبراء الاقتصاد والإحصاء والتشريع، وفي بعض الأحزاب السياسية، وعلى الرغم من أن اثنتين من هذه الندوات جمعت من يمثل الاقتصاديين الليبراليين ومن يمثل اقتصاديي اليسار، إلا أنهما لم يختلفا كثيرا في تشخيص الأزمة، ولا في بعض السياسات المقترحة للخروج منها، بل إن تقارير المؤسسات المالية الدولية وفي مقدمتها كل من مؤسستي واشنطن الشهيرتين واللتين تشيدان دائما بنجاح الإصلاحات الاقتصادية في مصر، التي كانت ترجمة أمينة لنصائحهما، لا تنكران أننا في مصر مقدمون على شهور صعبة. إذا كان ذلك هو الحال الذي أصبح إجماع كل من يملكون معرفة صحيحة في الشأن الاقتصادي في مصر، فما هي أسباب هذه الأزمة؟ وما هي سبل الخروج منها؟ ليست المسألة فقط ارتفاع أسعار الحبوب في الأسواق الدولية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، ونحن بلا فخر أكبر دولة مستوردة للقمح في العالم، ومصدرنا الرئيسي هو تحديدا هاتان الدولتان المتحاربتان، ولا يدِّعي أحد أن بمقدوره التنبؤ بموعد انتهاء هذه الحرب، التي يقولون بشأنها إن الولايات المتحدة مصرة على استمرارها حتى مصرع آخر جندي أوكراني، فأحد أعراض الأزمة لدينا هي ارتفاع مديونيتنا الخارجية، التي تصاعدت كثيرا منذ سنة 2019 بحسب بيانات البنك الدولي، مما هو في حدود 98 مليار دولار إلى ما يتجاوز 137 مليارا في العام الحالي. الزيادة الهائلة هذه، بمقدار 44% إضافية عما كانت عليه من قبل لا علاقة لها لا بحرب أوكرانيا ولا بجائحة كوفيد. أكثر من نصف هذه الديون تتحملها الحكومة، وجانب كبير منها هو لتمويل خدمة الدين، أي أننا نقترض لسداد أصل ومعدلات الفائدة على الديون التي اقترضناها سابقا، وقسم منها (10% في سنة 2018 هو لتمويل مشترياتنا من الأسواق الأجنبية.
سبب الورطة
بصراحته المعهودة انتهى الدكتور مصطفى كامل السيد لما يلي: الحكومة هي المسؤولة عن زيادة حجم هذه المديونية التي تصل خدمتها في العام الحالي إلى ما يقرب 20 مليار دولار. طبعا يحتاج الأمر إلى إعمال الكثير من الخيال لكي نصدق أن السبب في هذه المديونية، التي تصاعدت منذ سنة 2019 هو ثورة يناير/كانون الثاني 2011، علما بأن الذين دعوا إلى هذه الثورة، وحتى الذين اتهموا بأنهم ركبوا موجتها، هم جميعا في السجون الآن. والفريق الأول منهم كان يكره ممارسة السلطة حتى عندما دعي بعضهم للانضمام إلى الحكومة كوزراء. تحديد المسؤولية عن زيادة المديونية، أمر مهم للبحث عن سبل للخروج منها، بصرف النظر عما إذا كانت أسباب اللجوء إلى هذه القروض حكيمة أو غير حكيمة. البعد الثاني في الأزمة هو المديونية الداخلية للحكومة. حكومتنا ليست مديونة للخارج فقط: لدول أجنبية وعربية ولمؤسسات عالمية وبنوك دولية، ولكنها مديونية أيضا للشعب المصري، فنفقاتها تتجاوز كثيرا إيراداتها، وهي تحصل على تمويل هذا العجز بزيادة الضرائب والرسوم، وكذلك بدعوة المواطنين لشراء السندات التي تطرحها بنوكها. والعجز في هذه المديونية الداخلية يبلغ في مشروع الميزانية للعام المالي المقبل 558 مليون دولار، وزاد بمقدار 1.14 % عما كان عليه الحال في العام السابق 2021 ــ 2022. مبتلعا ما قيمته 7.9% من الناتج المحلي الإجمالي. والجدير بالذكر أيضا أنه كما تقترض الحكومة من الخارج لسداد ديونها السابقة، فهي تقترض أيضا من الداخل لسداد ديونها المحلية أيضا، ويشكل ما تخصصه الميزانية لسداد الديون السابقة نحو ثلث نفقاتها. ومع كل هذا الإنفاق الحكومي في الخارج والداخل، وهذا هو الأمر الذي يهمكم أعزائي القراء، فإن نسبة الفقراء في مصر إلى إجمالي السكان لا تقل عن 29.7% من إجمالى السكان، أي ما يقرب من 31 مليون إنسان يعيشون تحت خط الفقر، أي لا يملكون من الدخل ما يمكنهم من إشباع أبسط متطلبات البقاء على الحياة من مأكل وملبس ومسكن.
بينما الأشجار تموت
اهتم محمد أمين في “المصري اليوم” بمأساة قطع الأشجار، التي باتت تمثل ظاهرة مؤلمة وفي هذا السياق سلط الكاتب على شكوى حازم راضي: للأسف ونحن بصدد عقد مؤتمر عالمي للمناخ وتأثيراته السيئة، فإننا نجد أن توجه الحكومة أصبح في الاتجاه المضاد تماما.. أصبح يقطع الأشجار ويجرف المسطحات الخضراء التي تقلصت بشكل كبير، خصوصا في القاهرة التي أصابتها حمى التطوير.. إننا لا ننكر أن الطرق حدثت بها طفرة لم نحلم بها منذ عقود، ولكن مع السرعة في الإنجاز فقد حدث أن سقط اللون الأخضر من الحساب.. وقد تحملت منطقتا مصر الجديدة ومدينة نصر بالأخص معظم هذا العبء.. فقد توجهت عين الحكومة نحو المسطحات الخضراء الصغيرة داخل المربعات السكنية لـ(تطويرها).. وبالطبع هذا التطوير يشمل إزالة الأشجار والمناطق الخضراء وإقامة كافيهات وجراجات. سيدي الفاضل، أنت بالطبع تعرف أن هذه الحدائق الصغيرة أصبحت المتنفس الأخير لمدينة تعيش في أتون الحر والعرق، ولا يجد مواطنوها أي ظلال للحماية من أشعة الشمس الحارقة، أو حتى الأوكسجين للتنفس أو للتنزه والاستمتاع باللون الأخضر الذي اندثر في السنوات الأخيرة. مرفق لكم صورة من مخطط الحكومة لإزالة مربع أخضر صغير داخل كتلة سكنية لم يشكُ قاطنوها من أي شيء ولم يعانوا سوى من تردي بعض الرصف للشوارع، وهو الأمر السائد في جميع أنحاء مصر.. ولكنهم فجأة استيقظوا على لافتة تخبرهم بأن هذه المربعات الخضراء التي أمام نافذتهم سوف تتم إزالتها لإقامة جراج وكافيهات.. ليتسلل الإزعاج والعشوائية من الشوارع الرئيسية إلى داخل المربعات السكنية وحتى تحت بيوتنا.
نشبه حدائقنا
تساءل حازم راضي في “المصري اليوم”: ونحن في خضم الدعوة للحوار، أليس من الأوقع والأجدى أن تتحاور الحكومة مع مواطنيها قبل اتخاذ قرار يمس راحة مواطنيها، ويقض مضجعهم ليلا ونهارا؟ أليس من الأجدى للحكومة أن تستشير متخصصا في العمران والتخطيط لتعرف أنها ترتكب جريمة حين تحول هذه المربعات الخضراء الصغيرة داخل الكتل السكنية – وليس على الشوارع الرئيسية أو حدائق عامة كبيرة – إلى جراجات وكافيهات؟ يقيني أن هذا هو الحوار الذي أعرفه والذي يعرفه كل مواطن.. فالمواطن البسيط لا يهمه سوى قضاء حاجات بيته وأولاده، التي أصبحت عزيزة جدا هذه الأيام.. لن يهتم بالحوار السياسي أو الاجتماعي أو حتى الاقتصادي، الذي يحفل بالكلمات الرنانة مثل النمو أو التضخم أو عجز الميزانية أو فائض الميزان التجاري.. كل هذا غير مهم بالنسبة له.. ولكن إذا جاءه مسؤول في الحي أو المحافظة وسأله: ماذا تريد تحت بيتك.. أمام عمارتك وفى شارعك؟ فإنه سيُصبح أسعد إنسان في الوجود لأنه سيشعر بأن الدولة تعمل من أجله.. وتراعي احتياجاته الأساسية التي من ضمنها بعض الحدائق الصغيرة أمام بيته.. ساعتها سيشعر المواطن فعلا بأنه مصري وأنه إنسان. انتقد الكاتب الحكومة التي تحمل فقط البناء التجاري الهادف للربح على حساب الإنسان.. الإنسان الذي نريده أن يطمح للجمال والرقي وينبذ القبح والعشوائية.. أتمنى أن تقف هذه الحملة المستعرة تجاه كل أخضر، والحفاظ على ما تبقى لنا من حدائق صغيرة لعلها تكون المنجية لنا من لهيب صيف مقبل.
خبر سار
أفضل خبر سمعه كرم جبر في المؤتمر الطبي مصر وافريقيا، أن مصر تقدمت لمنظمة الصحة العالمية لاعتبارها خالية من فيروس سي. تابع الكاتب في “الأخبار”: إنه الفيروس اللعين.. الشبح الذي أذل أعناق المصريين، واستنزف قوتهم ودخولهم، وجعلهم عبيدا وأسرى للخوف والذعر والهلع، والموت كل لحظة ودقيقة.. ولا يعرف فيروس سي إلا من أصابه المرض أو أحد أفراد عائلته، وإذا دخل فيروس سي من الباب خرجت السعادة والهدوء والأمن والاستقرار من جميع النوافذ والشبابيك.
فيروس سي الذي تعلن مصر أنها أصبحت خالية منه، أطلقوا عليه لقب «الشبح»، لأنه لم يكن ظاهرا ويخترق الكبد في صمت، ويتكاثر ويتكاثر، ويُفجر الخلايا الكبدية، فتنزل عصارتها في الدم وترتفع الإنزيمات الكبدية، ثم يتليف الكبد ويصبح مثل قطعة الجلد الميتة. سمعنا عن أطباء يعالجون بلدغ النحل، وأدى الأمر إلى وفاة بعض المرضى بصدمة عصبية. والعلاج بحقن اسمها إنترفيرون أسبوعية ثمن الواحدة ثلاثة آلاف جنيه، وكان لها القدرة على قتل خلايا الجسد السليمة والحيوية أكثر من قدرتها على قتل الفيروس، وكانت تصيب من يتعاطاها بفقر الدم والأنيميا والوهن الشديد. وكانت عمليات زراعة الكبد هي الحل المخيف. فالعملية رهيبة وتستغرق أكثر من 15 ساعة، وأهم ما فيها المتبرع، وظهرت عصابات بيع الأعضاء، وغالبا ما كان المتبرع يهرب قبل إجراء العملية بساعات، بعد مرحلة تحاليل طبية وفسيولوجية تستغرق شهورا وتتكلف عشرات الآلاف من الجنيهات، ووصلت التسعيرة للفص المتبرع به إلى أكثر من 150 ألف جنيه، وتصل تكاليف العملية إلى قرابة مليون جنيه. وسمعنا من يعالج فيروس سي ببراز الحمام أو بول الإبل، أو بالأعمال والسحر والشعوذة، وكان المريض يدفع كل ما لديه وتسوء حالته أكثر وأكثر. وما أدراك ما فيروس سي وأنت تستيقظ فجرا لتجد المريض يتقيأ دما مختلطا بالأطعمة في مشهد مرعب، بعد أن تنفجر خلايا المريء نتيجة انسداد شرايين الكبد. هذا هو جزء يسير عن فيروس سي الذي تعلن مصر أنها خالية منه، وكان يصيب 15% من السكان.
بسنت جديدة
ألقى الدكتور ياسر عبد العزيز الضوء في “الوطن” على تطورات قضية انتحار طالبة تبلغ من العمر 16 سنة، في مدينة الإسكندرية، بسبب “تعرضها للابتزاز من شخص استخدم صورة عارية منسوبة لها، وفضحها بين أهلها ومعارفها، ما أدى إلى انهيارها وإقدامها على قتل نفسها، عبر ابتلاع كمية كبيرة من الحبوب”. أما بسنت فهي الفتاة القروية التي شغلت أخبارها الناس في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، حين “قتلت نفسها بابتلاع حبة الغلة السامة”، وفق ما أفادت التحقيقات، إثر “تعرضها للابتزاز من مجموعة من الأشخاص الذين استغلوا صورا فاضحة منسوبة لها في الضغط عليها، وهو الأمر الذي لم تتمكن من تحمله، فأقدمت على الانتحار”. وللأسف الشديد، فإنه لم يمر وقت طويل حتى تكررت واقعة بسنت مرة أخرى، وللأسف الشديد أيضا فإن تلك الوقائع لن تتوقف في ظل بيئة اتصالية واجتماعية مشجعة لوقوع مثل تلك الجرائم والاختراقات. يعتقد البعض أن وقوع مثل تلك الحوادث يتزايد في البيئات المحافظة فقط، أو الأوساط الأقل تعليما وضعفا وعدم قدرة على توظيف آليات الحماية الاجتماعية والقانونية، لكن هذين الانطباعين خاطئان، إذ تقع تلك الحوادث في أكثر البيئات تحررا، كما تجد ضحاياها بين أكثر الطبقات قدرة على الاستفادة من نجاعة آليات الحماية. ومن جانب آخر، فإن بعض الدراسات العلمية الموثوقة أثبت أن قابلية المراهقين والمراهقات تحديدا للتأثر بالجرائم ذات الطبيعة الإلكترونية تتجاوز غيرهم من الفئات الأخرى، كما أن تأثير الابتزاز الإلكتروني يكون أكثر قسوة على الضحايا من تلك الفئة بالذات مقارنة بغيره من الجرائم.
تنمر سيبراني
انتقل الدكتور ياسر عبد العزيز للخارج لرصد مأساة شبيهة ببسنت: ظلت حادثة وقعت لمراهقة كندية تُدعى جلين كانينج عام 2011 ذات دلالة مؤثرة في هذا الصدد، إذ تعرضت تلك الفتاة التي تبلغ من العمر 17 سنة لواقعة اغتصاب جماعي بحسب أسرتها، لكنها مع ذلك استطاعت أن تتكيف مع تداعيات تلك التجربة الأليمة، أما ما لم تستطع التكيف معه فكان خضوعها لعمليات ابتزاز وتنمر من شبان في دائرتها الاجتماعية، استطاعوا أن يتوصلوا إلى شريط فيديو يصور واقعة الاغتصاب، وأن يستخدموه في ابتزازها والتنمر عليها. انتحرت جلين عام 2013، أي بعد مرور عامين على واقعة اغتصابها، وتعليقا على الحالة التي انتهت إليها ابنته قال والد تلك الفتاة قولا شهيرا في هذا الصدد: «لقد استطاعت التكيف مع مأساة الاغتصاب، لكنها أخفقت في تحمل الابتزاز والتنمر». لا يمكن تصور حجم الضغط الرهيب الذي تتعرض له طفلة أو مراهقة أو فتاة راشدة نتيجة تكثيف عمليات الابتزاز والتنمر الإلكتروني ضدها، وهو ضغط يجعل التفكير في الانتحار وسيلة مرغوبة وحلا «مريحا» في بعض الأحيان، وهذا الأمر لا يقتصر على البيئات المحافظة فقط. فبعد واقعة انتحار جلين بعامين، أقدمت مراهقة فرنسية تبلغ من العمر 14 عاما، على اتخاذ القرار نفسه، عبر إلقاء نفسها من الطابق الرابع، في البناية التي تسكن فيها، في حي «لورسا»، في ضواحي باريس، بعدما وجدت أن مقاطع فيديو مُسرّبة للقاء جنسي جمعها بصديق قد غزت “يوتيوب” ومعها تعليقات مهينة ومذلة وموجة عارمة من السخرية. يحدث هذا في قلب الدلتا المصرية، أو في منطقة العامرية على أطراف الإسكندرية، كما يحدث أيضا في مقاطعات كندا وضواحي باريس. وفي الولايات المتحدة تشكو الحكومة من ارتفاع “مقلق” في معدلات انتحار الفتيات بين 10 إلى 14 عاما، من نصف شخص لكل مئة ألف إلى 1.5 شخص لكل مئة ألف بنسبة زيادة 200%. ويتفق باحثون متخصصون على أن كلمة السر في ذلك الارتفاع المطرد ليست سوى “التنمر السيبراني”.
زغاريد بائسة
لا حديث يعلو فوق ما جرى في زفاف فتاة كفر الشيخ وتابعت فصوله سما سعيد في “اليوم السابع”: في الساعات القليلة الماضية اندلع الكثير من الجدل بشأن فيديو تريند العروسة الذي قوبل بالهجوم تارة وبالتأييد تارة، والغريب في الأمر أن تناوله بمثل هذه الكثافة والضجة الكبيرة على السوشيال ميديا هو أمر عادي، فالواقع إنه يحق للعروسة شرعا وقانونا وعرفا أن تبدي شروطها قبل الزواج، من حيث كونها أنثى عاقلة بالغة، ولكن الغريب الذي استوقفني طريقة طرح مثل هذه الشروط وتوقيتها على الملء وبشكل عام أمام الجميع وبصيغة الأمر. فمن حيث الشروط هي شروط طبيعية، تقولها أي فتاة في بداية حياتها مع شريكها، وفي الغالب تقال في فترة التعارف الأولى والخطوبة، الشخص الذي اختارته بمحض إرادتها، ولكن لما التأكيد على ذلك في حضور الأهل في مثل هذه المناسبة؟ أهو لمجرد استعراض القوة؟ أم للتأكيد على موافقته لهذه الشروط؟ ومن حيث المكان أعتقد أنه بمجرد جلوس الفتاة مع المأذون والأهل وإبداء موافقتها يُعد إقرارا بموافقة الطرفين على الطرق والأسلوب المتبع في حياتهم اللاحقة، الأمر الذي ينطوي على جرح لكبرياء وكرامة العريس وكأنها تشهدهم على ما ستقوله، وما تم الاتفاق عليه، وكأنما ذلك عدم ثقة في العريس، أي حياة يمكن أن تقام دون وجود كرامة وثقة بين الطرفين؟ أين هي المودة التي تكون بين الطرفين وليس من طرف واحد؟ ليتحول الفيديو لسجال ما بين الرجال والنساء عبر وسائل التواصل الاجتماعي ما بين مؤيد ومعارض للفكرة من أساسها، وتدخل الشيوخ في العرض قد ساعد في إبراز جوانب أخرى وإثارة العديد من التساؤلات حول المسألة، وقد تكون تصريحات العروس الأخيرة، في حد ذاتها وعدم الصمت عما هو دائر قد يكون بشكل أو بأخر محاولة لتصدر التريند، خاصة وهي بنفسها قامت بنشر الفيديو عبر صفحتها الشخصية، بل الاستزادة فيها وإطالته لأكبر وقت ممكن، قد يكون خانها التعبير أو لغة جسدها في تصدير أصبع السبابة الخاص بها طوال الوقت مع اختفاء ابتسامتها.
مصنع أكاذيب
على مواقع التواصل الاجتماعي يقرأ فاروق جويدة في “الأهرام” أخبارا مثيرة عن أحداث أو شخصيات أو جرائم، وحينما يفتح الموقع لا يجد شيئا فيه عن الخبر المنشور بالبنط العريض: أحاول بعد ذلك أن أفتح مواقع أخرى ولا أجد شيئا.. وكثيرا ما تقرأ عن قصة خيالية ولا تجد لها أصلا، والأخطر من ذلك أن هناك حكايات تمس حياة الناس وربما أعراضهم، وهي ليست أكثر من أكاذيب يكتبها البعض بلا أخلاق أو ضمير.. إن أسوأ ما في هذه الظاهرة أنها تملأ عقول الناس بالشائعات والأكاذيب.. وإذا حاولت أن تتقصى الحقيقة فلن تجد لها مصدرا.. كل إنسان يستطيع الآن أن ينشئ موقعا ويمتلك قناة لنشر الشائعات والأكاذيب، ولا يمنعه أو يحاسبه أحد.. هناك مواقع كثيرة تتناول قضايا تهدد الأمن القومي وتضر بمصالح الشعوب، ولا يكذبها أو يكشف حقيقتها أحد وهي تعمل بلا أي رقابة أو محاسبة.. الغريب في الأمر أن بعض القنوات الرسمية المسؤولة تستعين بما تنشره هذه المواقع من الشائعات والأكاذيب.. وحين يشاهد الإنسان هذه الأخبار على إحدى القنوات المسؤولة فإنه يصدقها.. وقد أصبحت هذه المواقع مصدرا لكثير من القصص والأخبار والحكايات الكاذبة.. لا أدري لقد اتسعت الظاهرة وهي تكبر كل يوم دون أن يوقفها أحد، وإذا سألت يقال لك إنها خارج السيطرة ولا تستطيع جهة أن تمنعها أو توقفها عن العمل.. ألا توجد قوانين تمنع مثل هذه الظواهر التي تهدد استقرار الشعوب وتفتح أبوابا لنشر الأكاذيب والشائعات.. هذه المواقع تتنافس في تأليف القصص والحكايات وفيها ما يسيء لسمعة الناس وأسرار حياتهم، بل إن فيها قصصا تخضع للقوانين التي تلزم المحاكمات أمام القضاء.. لا أدرى هل هي مشكلة عالمية تجاوزت حدود الدول والحكومات؟ أم أنها قضية أخلاقية تخضع لأخلاق الشعوب وسلوكيات شعوبها؟ أتمنى أن نجد يوما مؤسسات دولية تمنع هذه التجاوزات وتحاسب المسؤولين عنها، وتكون بمثابة محاكم دولية يلجأ إليها الناس الذين يتعرضون لمثل هذه الجرائم حتى لو كانوا حكاما أو مسؤولين كبارا.
أسود وأبيض
لكل شيء في الحياة على حد رأي الدكتور وحيد عبدالمجيد في “الأهرام” وجهان. فرحُ وحزن. حب وكُره. نجاحُ وفشل. ولكن المساحة بين الوجهين تكونُ أكبر عادة من كلٍ منهما. الرمادي في الحياة أوسعُ نطاقا بكثير من الأبيض والأسود. ونجدُ في المساحات الرمادية من الموضوعية ما لا نعثرُ على مثله في المساحتين البيضاء والسوداء. ومن الطبيعي، والحالُ هكذا، ألا يكون في كوكبنا ملائكة وشياطين. لكن الكثير ممن ينغمسون في صراعاتٍ حادة، سواء كانوا أطرافا فيها، أو أنصارا لطرفٍ أو آخر، ينسون هذه البدهيات. فيبدو لهم من يخاصمونه شيطانا يلعنونه، لأنهم لا يرون إلا وجهه الشرير، أو ما يعتقدون أنه كذلك، فيما يغمضون أعينهم عن وجهه الآخر الذي قد ينطوى على خير أو شيء منه. وغالبا ما يحدثُ العكسُ في نظرتهم إلى من يؤيدونه. وقد أخذ هذا التفكيرُ الأحادي أشكالا متعددة عبر التاريخ، لكنه بقي صامدا، رغم ثبوت أن العالم أكثر تنوعا وتعقيدا من أن يمكن حصره في ضدين متناقضين، بفعل أثر الانغماس في عداواتٍ حادة قد يكونُ لبعضها ما يبررُها، ولكنها تتجاوزُ حدود المعقول، وتتحولُ أحيانا إلى عُقدٍ بشكل ما. ولهذا التفكير اليوم تجلياتُ كثيرةُ منها مثلا التعامل مع الغرب بوصفه شرا كاملا، بسبب سياساتٍ أنتجت مراراتٍ عميقة، وخلقت عداء يُنسى في حال الانغماس به، أن الغرب ليس كتلة مصمتة، وأنه مصدرُ أهم العلوم والمعارف الحديثة، التي بُني كثير، منها بالطبع على تراكمٍ معرفىٍ أقدم أسهمت فيه شعوبُ ذات ثقافاتٍ مختلفة، لكن ما يلفتُ الانتباه أن الصينيين، الذين تعرضوا لانتهاكات غربية، ويخوضون الآن سباق القمة مع الولايات المتحدة، متحررون من عُقدة الغرب. فقد وجدوا أن العمل الجاد المخلص سعيا للتفوق على الغرب أجدى من تبديد الوقت في رجمه وهجائه، واكتسبوا ثقة في أنفسهم، وذاقوا حلاوة الفوز عليه في مباريات اقتصاديةٍ وتجاريةٍ ومعرفيةٍ كبرى. فالعملُ الناجحُ يُحقَّقُ ثقة تؤدي إلى مزيدٍ من الشغل، ومن التفوق، على نحو لا يعرفهُ من يجدون في الهجاء سلواهم، وينتظرون من يُغَّير العالم لإضعاف دور الغرب فيه، بغض النظر عما سيعودُ عليهم من هذا التغيير.
إن كنت حقيقيا
أيهما الأفضل طول العمر أم حسن العمل؟ الإجابة عند مصطفى عبيد في “الوفد”: في أعياد ميلاد معارفنا نردد دائما تمنياتنا لهم بالحياة لمئة سنة. ولو تدبرنا وفكرنا قليلا لرأينا أن الأمنية الأصوب هي تمني السعادة والرضا والعمل الخالد، بغض النظر عن عمر السنين التي يعيشها البشر.
فكم من الناس عاشوا حتى ضجروا وضجر مَن حولهم، وكم من الناس عاشوا قليلا وتركوا آثارا أطول وأعظم، لذا فإن الشاعر الفلسطيني فخري رطروط يقول لنا «مت باكرا.. إن كنت حقيقيا». وأعتقد أن اللقب الأكثر تداولا في بلدان الخليج وهو «يا طويل العمر» ليس جميلا، والأفضل منه قول «يا طويل الأثر»، فالإنسان بآثاره ومنافعه، وكما يقول أحمد شوقي «فالذكر للإنسان عمرٌ ثانِ». وإذا كان عدد من تجاوزوا مئة عام الآن يبلغ 450 ألف إنسان على وجه الكرة الأرضية، فإن مجلة «رويال سوسايتي أوبن سايز» تقول لنا إن التقدم العلمي والتطور التكنولوجي والوعي الصحي سيرفع أعداد المعمرين الذين يتجاوزون مئة عام في سنة 2100 إلى 25 مليونا من البشر، ويعني ذلك أننا قد نشهد جان كالمان جديدة، أو مَن يفوقها، وهي تلك السيدة الفرنسية التي ضربت الرقم القياسي في الحياة إذ رحلت سنة 1997 عن عمر 122 عاما، كما سنجد كثيرين مثل اليابانية كاني تاناكا التي بلغت قبل شهور 118 سنة. وأنا أصدق ما تقوله «رويال سوسايتي أوبن سايز» لأن متوسط عمر الإنسان ارتفع من أربعين عاما سنة 1950 إلى أكثر من 66 عاما في الوقت الحالي، لكنني لا أجد لذلك الارتفاع أي معنى يخص السعادة الحقيقية.
هزمته الفنون
قبل شهور قليلة قابل مصطفى عبيد سيدة في السادسة والتسعين من عمرها، وكانت تحكي له ذكرياتها وهي طفلة صغيرة تلعب على سلالم البيت، ولمحت الدموع تتدفق من مقلتيها، عندما قالت له «كانت أيام ليس كمثلها شيء» ثم أضافت ناصحة “ليس أسوأ من أيام جميلة تتذكرها بعد مرور تسعين عاما»، فالعمر يجري كقطار قشاش يتعجل سائقه الوصول إلى غايته”. قبل عدة سنوات، أجريت حوارا مع الاقتصادس البارز أمين فخرس عبدالنور، عندما احتفل بعيد ميلاده المئة، وكان سعيدا وباشا بمحبة مَن هم حوله، لكنه قاله لس «إنه ليس سعيدا بطول عمره، وإنما بما حققه من نفع لبلده ومجتمعه». الموت ضيف ثقيل، مقب مقبل. ربما نهابه، فلا نذكره عملا بمقولة الفيلسوف الفرنسي بليز باسكال الشهيرة التي تقول «اثنان لا يستطيع الإنسان أن يحدق بهما: الشمس والموت»، لكن المؤكد أنه يترصدنا جميعا واحدا واحدا.. يُحصي خطواتنا مُنذ أول دبيب لنا على الأرض.. يراقب أنفاسنا، ويستعد كل يوم ليؤدي مهمته في العبور بمن يُكلف به إلى عالم الخلود. لذا، فإن الحياة رحلة قصيرة، مهما طالت، وهي تتعاظم بما نمنحه للآخرين من نفع وخير وأخلاق وقيم وجمال وسحر وروعة ومنافع وسعادة.. وهكذا فإن ما يمكث في الأرض هو الخير الحقيقي، فعليك أن تعرف ما يجب فعله، تركه، منحه للعالم من بعدك. وليس أجمل من أبيات الشاعر الجميل محمود درويش تعبيرا عن ذلك، وهو يخاطب الموت في جداريته الشهيرة، فيقول:«هَزَمَتك يا موتُ الفنونُ جميعُها../هَزَمَتك يا موتُ الأغانى في بلادِ الرافدينِ/ مسلَّةُ المصري/ مقبرةُ الفراعنةَ / النقوشُ على حجارةِ معبدٍ/ هَزَمتك وانتصَرتْ/ وأفـْلتَ من كمائِنِكَ الخلودُ»؟
ذكريات لا تنسى
في زمن الشرف والكبرياء الوطني لم يكن التنافس، كما أوضح أحمد رفعت في “فيتو” بين من يتولون المسؤوليات العامة علي من يتقاضى مرتبات أكثر من الآخر، أو من يترأس عددا أكبر من الموظفين أو من له نفوذ وعلاقات أقوى.. بل كان التنافس بين القائدين العظيمين عبد المنعم واصل وعبد المنعم خليل على من يقوم بعمليات فدائية أكثر.. من يدمر من سلاح العدو أكثر.. من يعود من الأرض المقدسة إلى الأرض المقدسة بأسرى أكثر.. وعن الأخيرة ابتسم اللواء عبدالمنعم خليل وقال، إن حصيلة أبطال الجيش الثالث من الأسرى أكثر منها في الجيش الثاني.. وعلينا أن نوازن على الاقل معهم كانت عملية جديدة ستتم خلال ساعات.. انتهت التجهيزات والاستعدادات لها وقد استمرت شهرا كاملا.. وبغير تفاصيل عسكرية عديدة إلا إنها كانت عملية مشتركة بين قوات الصاعقة وقوات المشاة، الأولى تمثلها الكتيبة 83 والثانية يمثلها اللواء 135.. الأولى تكمن عند القنطرة والثانية عند رأس العش حتى يأتي الصيد الثمين.. كان قرار الثأر قد صدر.. ولا مفر ولا فرار التعليمات تقضي أن يترك رجال الصاعقة الصيد المكون من عدة دبابات ومدرعات، أن يمر ليكون من نصيب المشاة ثم يهاجم القوات التي سيرسلها العدو للإنقاذ.. وقد كان.. المشاة دمروا الرتل العسكري بالكامل ثم تولت الصاعقة تدمير قوة الإنقاذ وبالكامل أيضا نجحت العملية نجاحا كبيرا.. وسجل التاريخ العملية في سجلاته العسكرية والبطولية.. وكتبت صحف العالم عن الفضيحة الاسرائيلية.. ودخل قادة العملية عبد الحميد خليفة ومحمد التميمي وخليفة متري ميخائيل التاريخ.. حتى إن أحد الأسرى هرب ولحق به ميخائيل ودارت معركة بالأيدي مثل أفلام السبعينيات حتى سيطر عليه ثم حمله التميمي وعاد به عابرا القناة سابحا، وضحك جمال عبد الناصر لأول مرة بصدق منذ 5 يونيو/حزيران كما يروي السيد سامي شرف مدير مكتبه.. وخسر العدو 35 قتيلا – رقم كبير جدا بالنسبة له – و6 جرحى و3 أسرى وكل الدبابات والمدرعات ودون إصابة واحدة من أبطالنا الـ31.