لندن – “القدس العربي”:
هي بالتأكيد “كلفة التوقيت السيئ” والتحضير غير المكتمل.
ساعات فقط فصلت في المشهد السياسي الأردني بين محاولة الحكومة ترويج قانون جديد متشدد باسم جرائم إلكترونية وبين حراك مضاد ونادر ينطوي بوضوح على تمرد ملموس في كل أدبيات الخطاب قياسا بالماضي لنخبة عريضة من مئات الشخصيات الوطنية التي قررت فجأة وبعد معدل الجرائم الإلكترونية القانوني مخاطبة القصر الملكي مباشرة والترويج بدورها وعبر منصات التواصل لما سمي برسالة صريحة لا بل جريئة جدا من الشعب إلى الملك.
لا أحد عمليا فهم الأسباب التي دفعت أكثر من 1500 شخصية للادعاء بأنها تمثل الشعب الأردني في الرسالة.
لكن لا أحد بالمقابل يريد القول بأن توقيت قانون الجرائم الإلكترونية الجديد استفز قيادات ونخب المعارضة والحراك.
وبالتالي قد يستحق جائزة التوقيت السيئ جدا خصوصا وأن البلاد في مسارات تحديث المنظومة السياسية والتمكين الاقتصادي والحكومة فيما يبدو استعجلت قليلا ولم تحضر تشريعها المثير كما ينبغي وطرحته على طاولة مجلس النواب بصفة الاستعجال.
هجم الجميع بدون استثناء على مشروع الحكومة الجديد بما في ذلك حزب المعارضة الأكبر والعشرات من المهنيين والحقوقيين والنقابيين، لكن هجمة رسالة الشخصيات الوطنية بالتزامن هي الأكثر خشونة ليس على صعيد الرسائل والعبارات التي تقال لأول مرة، ولكن على صعيد تحشيد وجمع التواقيع على الرسالة ضمن طيف واسع من المكونات الاجتماعية لا بل الإصرار نكاية بقانون الحكومة الجديد على إطلاق حملة عبر الشبكة الإلكترونية لجمع تواقيع على تلك الرسالة المثيرة.
وفعلا تتحدث جهات منظمة عن اقتراب التوقيع على الرسالة من حاجز 2000 شخصية مع عصر الثلاثاء ضمن مبادرة حراكية اجتماعية جديدة معارضة جذرا وبسقف مرتفع في الوقت الذي كان فيه رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة يبادر ويناور مبشرا بالتحول الحزبي والسياسي في أوساط الشباب عبر سلسلة من اللقاءات مع طلاب الجامعات.
حقق قانون الجرائم الإلكترونية الجديد معدلات قياسية في الاحتجاج والمعارضة والقلق وبصفة الاستعجال أيضا.
لكنه تسبب بالتزامن -مما يثبت جزئية التوقيت الغريب السيئ- بصدور رسالة قد تحصل تداعيات سياسية بعدها خصوصا إذا ما تجاوزت حالة الترسيم مجرد رسالة أو بيان.
زخم الشخصيات في الرسالة الجديدة واضح وحاد الملامح حيث جنرالات متقاعدون ووزراء سابقون وأساتذة ورؤساء جامعات وشيوخ ووجهاء عشائريون ومثقفون يساريون، ومعهم في التوقيع على الرسالة الجديدة التي أقلقت جميع الأوساط في عمان إعلاميون وكتاب.
بين الموقعين الدكتور عبد الرزاق بني هاني والدكتور موفق محادين وعادل الروسان الكاتب الذي غادر سجنه للتو والحقوقي البارز عاصم العمري وبينهم أيضا النشطاء الأكثر بروزا في شريحة المتقاعدين العسكريين مثل الفريق موسى العدوان والعميد علي الحباشنة واللواء محمد العتوم.
غير هؤلاء المئات وزخم العدد في التوقيع واضح فيما التوقيت يقول بوضوح بالرد على مشروع الحكومة الجديد الداعي للسيطرة على منصات التواصل الاجتماعي وفرض غرامات مالية ضخمة وعقوبات قد تصل إلى التوقيف والحبس ضمن ما يسمى بحزمة الجرائم الإلكترونية.
في الرسالة الجديدة صراخ سياسي كبير وتحذير جديد وكلام عن عصابة فاسدة وُليَت إدارة شؤون الأردنيين الذين يعانون القهر والظلم والكبت والجوع والعطش.
في الرسالة مطلب مباشر يحذر من حل قضية الشقيق الفلسطيني على حساب الأردنيين وآخر يريد تشكيل حكومة وطنية ووضع دستوري جديد في المملكة لتغيير النهج وثالث يطالب بقطع العلاقات مع الإمبريالية والصهيونية.
رسالة الـ 1500 شخصية خشنة إلى حد ملموس وتظهر الصعوبات التي نتجت عن إخفاق الحكومة بالاستثمار مع النخبة في مرحلة ما بعد زفاف ولي العهد.
والأهم أنها رسالة تقول ضمنا من فرط تشددها في اللغة والتحذير خصوصا في الجزء الذي يقول باسم الشعب الأردني “المنية ولا الدنية” إن الإصرار على الاحتفاظ بالنخبة الحالية التي تدير شؤون الدولة سيقود نخب الشارع إلى التحريك والتشدد والظهور مجددا في توقيت أسوأ ما فيه الفقر والبطالة والوضع المعيشي المعقد.