جدار عازل جديد بين إسرائيل والأردن

يحتل الأمن في منظومة التفكير والتطبيق الإسرائيليين، المكانة الأهم في مقومات التفكير الاستراتيجي لدى القيادات الصهيونية قاطبة، وهذا يعود إلى مكونات حياة «الغيتو» الطويلة التي عاشها اليهود في أوروبا. كما ويعود ذلك إلى التفكير المنطلق من أن يتحصن الكيان الصهيوني بقلاع تحميه من الغير (الأغيار).
لذا وعلى الرغم من عقد اتفاقية سميت باتفاقية سلام بين الكيان الصهيوني والأردن في العام 1994، كما وأن ما سمي بالحدود الأردنية ـ الأسرائيلية شهدت هدوءا نسبيا بينهما، مع ذلك فإن إسرائيل تسعى حاليا إلى إقامة جدار عازل بينهما، خصوصا بعد الانتهاء من بناء جدار بينها وبين مصر.
أما عن تفاصيل الجدار الجديد، فإن الصحافة الإسرائيلية أفاضت في تبيان بعض مكوناته وخطوطه، فهو سيمتد من مدينة إيلات ـ قرية أم الرشراش الفلسطينية المحتلة ـ الواقعة على البحر الأحمر، وصولا إلى أطراف منطقة الجولان السورية المحتلة، وبطول قد يصل إلى نحو 250 كيلومترا.
وبحسب الصحافة الإسرائيلية، فإن تكلفته قد تصل إلى نحو مليارين ونصف المليار شيكل. أما المقطع الأول من هذا الجدار فسيتم بناؤه بمسافة تقدر بنحو ثلاثين كيلومترا، ويبدأ من إيلات وصولا إلى موقع تمناع في وادي عربة. وهناك بنت إسرائيل مطارا لها. أما عن أسباب بناء هذا الجدار الجديد، فإن بنيامين نتنياهو ذكر «أن الجدار الجديد مع الأردن يهدف إلى منع تدفق ما أسماه إرهابيين ومتسللين يبحثون عن العمل لدينا». في حين إن خبير الخرائط الفلسطيني خليل التفكجي ذكر أن الجدار الجديد سيكون في محاذاة نهر الأردن وضمن منطقة ستقع تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية، بما يتيح استيلاءها على مياه نهر الأردن ـ بقاياه ـ من ناحية الضفة الغربية والأحواض المائية الجوفية والجوانب الزراعية والاقتصادية في منطقة غنية.
وأضاف: كذلك لمنع حل الدولتين، وبين أن منطقة الأغوار تعتبر حيوية بالنسبة لإسرائيل، ومن هنا يأتي اشتراط بقاء قواتها المحتلة منتشرة على امتداد نهر الأردن في أي اتفاق تسوية يتم التوصل إليه مع الجانب الفلسطيني، وأن الجدار يستهدف محاصرة الدولة الفلسطينية المستقبلية، إذا ما قامت في إطار طوق إسرائيلي محكم والقضاء على فكرة استقلالها السياسي والاقتصادي.
الغريب أن هذا المشروع الجديد، سيمتد على الأراضي نفسها التي تم الاتفاق خلالها مع الأردن لنقل مياه البحر الأحمر من منطقة إيلات وصولا إلى البحر الميت، وفي محاولة لإعادة إحياء هذا البحر بعد أن استولت إسرائيل على أغلب المياه التي كانت تصله، علما أن مشروع ناقل المياه بين البحر الأحمر والبحر الميت، كان يقضي ببناء برك وبحيرات ومواقع سياحية واستجمامية عديدة. فهل مشروع الجدار الجديد يطوي ذلك المشروع المائي الذي تم توقيعه بين الأردن وإسرائيل منذ أشهر قليلة؟
وكانت فكرة «القلعة المحصنة» راودت بعض قادة الحركة الصهيونية منذ أن فكروا بإقامة كيان لهم في فلسطين، ومن بينهم جابوتنسكي، حيث ذكر في عام 1925 «إن الاستعمار الصهيوني حتى في أضيق نطاق، يجب إما إنهاؤه وإما تنفيذه على الرغم من إرادة السكان المحليين، لذا لا يمكن للاستعمار أن يستمر وينمو إلا في ظل حماية مستقلة عن السكان المحليين، أي داخل حائط حديدي لا يمكن للسكان المحليين اختراقه»، بحسب ما جاء في كتاب الدكتور نور الدين مصالحة «طرد الفلسطينيين- مفهوم الترانسفير في الفكر والتخطيط الصهيونيين».
كما وأن جابوتنسكي كتب قصيدة عن شاطئي نهر الأردن، حيث يجب أن يكونا من ضمن الكيان الصهيوني، كما وعلينا تذكر ما كتبه الكاتب المفكر عبد الوهاب المسيري في إبرازه أهمية الأمن وقداسته في منظومة التفكير الصهيوني، حيث ذكر «ويظهر أثر التفكير الغيتوي على الفكر الصهيوني في تقديسه لكل ما هو يهودي، وفي تصوره أن اليهود والدولة الصهيونية هما مركز الدنيا والتاريخ، وفي فصله الحاد بين اليهود والغير (الأغيار). ويظهر أثر الغيتو غلى فكرة الأمن الإسرائيلي المبنية على الشك العميق في الأغيار» بحسب ما جاء في كتاب (موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية).
ومما يؤكد هذا الكلام أن إسرائيل لجأت إلى بناء جدار عزل عنصري بينها وبين الفلسطينيين الذي صادر نحو 10٪ من أراضيهم، وأتلف الكثير من حقولهم ومزروعاتهم، ودمر مئات من بيوتهم وأملاكهم، وقطع التواصل بين العديد من قراهم ومدنهم، وأربك حياتهم وعطل مصالح عديدة لهم.
وحتى مع مصر، وإذا كانت إسرائيل قد عقدت ما يسمى اتفاقية سلام معها، فإن مخاوفها الأمنية حتمت عليها بناء جدار عازل، على الرغم من وجود قوات دولية، وخصوصا أمريكية في سيناء حتى يومنا هذا، كما أنها أقامت جدرانا عديدة بينها وبين غزة ولبنان وسوريا، على الرغم من وجود قوات دولية أيضا على ما سمي بالحدود.
من مخاوفها التي لا تنتهي، والتي تضرب في الأعماق، في الكثير من الأحيان‘ فإننا يمكن أن نضرب مثالا ليس من ابتداع صاحب نكات ثقيلة، من ذلك أن السلطات المحلية في بلدة كريات شمونة (الخالصة) الواقعة في الشمال الفلسطيني المحتل، فكرت ذات يوم منذ نحو سنتين ببناء جدار عازل يمنع وصول الطيور، وخصوصا الحمام من الجنوب اللبناني إلى المنطقة، خوفا من أن يحمل رسائل وتعليمات وتوجيهات قد تضر بالكيان الصهيوني.

٭ كاتب فلسطيني

سليمان الشيخ

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية