الخرطوم-“القدس العربي”: دار جدل واسع خلال الأسبوع الماضي حول إمكانية أن تكون المحطة المقبلة لإسرائيل هي الخرطوم، بعد زيارة الرئيس التشادي ادريس دبي للدولة العبرية ولقائه نتنياهو وتزامن ذلك مع صدور تقارير إعلامية تلمّح للسودان باعتباره يمثل الخطوة المقبلة في التطبيع.
وقالت وسائل إعلام محلية في إسرائيل أن نتنياهو يسعى من خلال تطبيع العلاقات مع السودان، إلى إنشاء مسارات جوية مختصرة من وإلى البرازيل وأمريكا الجنوبية، عبر استغلال الأجواء النيجيرية والتشادية والسودانية والمصرية.
وحسب تقرير أوردته شركة الأخبار الإسرائيلية، أن تطبيع العلاقات الإسرائيلية مع السودان يبدأ بفتح الأجواء السودانية أمام شركات الطيران الإسرائيلية، وعلى وجه الخصوص رحلات الطيران الآتية والمغادرة من إسرائيل إلى البرازيل.
وسارع السودان إلى نفي أي اتجاه له في التطبيع مع إسرائيل وقال وزير الدولة في وزارة الخارجية السودانية أسامة فيصل، في تصريحات في البرلمان، إن بلاده لم تتلق أي اتصالات من إسرائيل بهذا الخصوص، مشيرا إلى موقف الخرطوم الثابت تجاه القضية الفلسطينية.
اتجاه إسرائيل نحو افريقيا لم يعد خافيا، فقد تكررت زيارات نتنياهو للقارة السمراء مؤخرا، ففي أقل من ثلاث سنوات، زارها ثلاث مرات، وفي العام الماضي حط رحاله في أوغندا، وكينيا، ورواندا، وإثيوبيا، وليبيريا ولم تخل تلك الزيارات من الاتفاق على تحسين العلاقات مع دول فيها أعداد كبيرة من المسلمين.
وينظر الكاتب الصحافي الدكتور ابراهيم الصديق لهذا التقارب بعين الحذر، وذلك بحكم الوجود الافريقي والثقل المؤثر في القرارات الأممية. ويقول: “عام 1973 وبعد الحرب، قطعت سبع دول افريقية علاقاتها مع إسرائيل دفعة واحدة وهي تشاد ومالي والنيجر والكنغو برازفيل وبوروندي وزائير وتوغو، وبعد اتفاقية كامب ديفيد بين السادات وبيغن 1979 تحركت إسرائيل في القارة من جديد، وتقريبا أكثر من 48 دولة لها صلة أو أخرى مع إسرائيل التي كانت عضوا مراقبا في منظمة الوحدة الافريقية حتى عام 2002 وبعد قيام الاتحاد الافريقى تقدمت بطلب آخر ورفض”.
ويرى الصديق أن الواقع الدولي والإقليمي يشهد حالة هشاشة، ويشير إلى ارتباط العلاقات أكثر بالمصالح وتراجع المواقف ذات الطابع المبدئي، ويضيف “كما أن النمو الاقتصادي المتسارع في القارة الافريقية، شكل مدخلا جديدا للعودة للقارة حيث تختزن أغلى المعادن وخاصة في منطقة البحيرات، ومع حالة الشتات العربي، كان المسعى الإسرائيلي أكثر جرأة هذه المرة.”
وبالنسبة لوضع السودان يقول إن إسرائيل رعت ودعمت الحرب في جنوب السودان حتى الانفصال، وكانت وراء قضية دارفور حيث نشطت هناك أكثر من 38 منظمة إسرائيلية، وما زال عبد الواحد محمد نور، أكثر المتعنتين وثيق الصلة بإسرائيل، ولكل ذلك فهو يقطع بأن لا مجال لإسرائيل في السودان، ويرتكز على هذا الرأي بالموقف المبدئي والوجدان الشعبي.
ويذهب في هذا الاتجاه الخبير الدبلوماسي الرشيد أبو شامة ويصف ما تردد عن زيارة نتنياهو للخرطوم باللعبة الاستخباراتية ويضيف: “هي محاولات لمعرفة اتجاهات السودان من خلال بالونة اختبار، وهي مجرد أمنيات إسرائيلية تحاول ابتزاز الخرطوم من خلال إمكانية رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وغير ذلك مما يمكن أن تقدمه تل أبيب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة”.
ويمضي للقول بعدم وجود أي فرصة للتقارب بين الدولتين، فالسودان تحكمه توجهات إسلامية على المستوى الرسمي ولديه شعب لا يقبل أي تنازلات في ملف القضية الفلسطينية.
لكن المحلل الباحث الدكتور عبد الله علي إبراهيم، يرى عكس ذلك ويقول لـ “القدس العربي” إن أكثر ما يمكن قوله عن مسألة استمرار السودان في موقفه المقاطع لإسرائيل إنها في مهب الريح. ويضيف مفسرا حديثه: “فقد الموقف مع مرور الزمن دوائر سنده أو دوائر منتظر أن تسنده. فالجنوب، الذي كان من المنتظر أن يرى في فلسطين نفسه، تواثقا باكراً مع إسرائيل وهو ما يزال حركة قومية مسلحة. وحتى الهامش المسلم في دارفور نفض كثيرون يدهم عن مقاطعة إسرائيل ونظروا لفلسطين كنكبة عربية لا إسلامية يكرس المركز العربي في الخرطوم لها وقتاً وموارد خصماً على البلد”.
ويرى عبد الله أن الصفوة أصابهم الإعياء من القضية الفلسطينية: “فاستنكروا كيف طبع العرب العاربة بينما يمتنع العرب المستعربة؟ من جهة أخرى فرأيهم أن التطبيع سيخرجهم من غضب أمريكا. ومتى رضيت عنهم غِنوا. وهذا ما صدر عن برلماني من يوم أو يومين”.
لكنه في الوقت ذاته يقر أن التطبيع ليس على الأجندة المباشرة للحكومة الآن. غير أنه لا يستبعد تحسن العلاقات بين السودان وإسرائيل ويقول: “حكوماتنا تعقد أوثق العلائق مع إسرائيل مثل ترحيل الفلاشا في 1984 من وراء ظهرنا. ومتى تهيأ للحكومة قبول صفقة التطبيع فلن تخشى، يشجعها أن قواعد المقاطعة لم تتخلخل فحسب بل يعقد عليها سودانيون خلاصهم مما هم ذفيه من فاقة على أمل التطبيع ورشاقته”.
في مطلع العام الماضي أثير الجدل حول التطبيع بين الخرطوم وتل أبيب، من خلال ندوة أعلن فيها رئيس حزب الوسط الإسلامي، الدكتور يوسف الكودة دعوة صريحة للتطبيع مع إسرائيل وأورد أدلة فقهية تدعم اتجاهه، لكن هذه الدعوة وجدت رفضا تاما على المستوى الرسمي وعلى مستوى المؤسسات الدينية، غير أنها واجهت نقاشا واسعا على وسائل التواصل الاجتماعي وجذبت الكثير من المؤيدين.
ويتأرجح الموقف السوداني تجاه إسرائيل بين لافتتين، الأولى هي القمة العربية التي عقدت في الخرطوم في ستينيات القرن الماضي، وقصة ترحيل الفلاشا اليهود من إثيوبيا لإسرائيل عام 1984.
قمة اللاءات الثلاث أو قمة الخرطوم هي مؤتمر القمة الرابع الخاص بجامعة الدولة العربية، عقدت في الخرطوم في 1967 على خلفية هزيمة عام 1967 أو ما عرف بالنكسة. وقد عرفت القمة باسم قمة اللاءات الثلاث حيث خرجت بإصرار على التمسك بالثوابت من خلال: لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحق لأصحابه.
وظلت الخرطوم تفخر بهذه القمة إلى أن جاءت عملية ترحيل الفلاشا أواخر عهد الرئيس جعفر نميري والتي نفذت بسرية من مطار الخرطوم أولا ثم من مدينة القضارف شرقي السودان ومنطقة عروس على ساحل البحر الأحمر.