الرباط – «القدس العربي»: اختار “اتحاد العمل النسائي” في المغرب الاحتفال بمرور 18 سنة على إقرار مدونة الأسرة عبر إطلاق الحملة الوطنية الثانية لإصلاحها، ليعيد إلى واجهة النقاش موضوع طال التجاذب بشأنه وكان إقرار القانون الجديد بمثابة نقطة النهاية له.
“مدونة الأسرة” التي شكلت قفزة نوعية في مسار التشريع المغربي، حيث كسرت حواجز عدة تقف أمام مساواة المرأة بالرجل في العلاقات الزوجية وما يهم الطلاق والثروة وحتى قبل الارتباط برفع السن إلى 18 سنة، بالإضافة إلى سحب ولاية الرجل على المرأة في الزواج… ما زالت تشكل مصدر نقاش وتتناسل المطالب على ضفافها بالدعوة إلى المزيد من “المكتسبات”، وفق الجمعيات النسائية.
وتعتبر “مدونة الأسرة” اليوم مرجعاً في تدبير الحياة الزوجية والأسرية في المغرب وشكلت “ثورة هادئة” على القوانين السابقة وخاصة الأحوال الشخصية، مرت 18 سنة على إقرارها، وهي مناسبة اغتنمها “اتحاد العمل النسائي” ليجدد دعوته إلى إقرار تغيير جذري وشامل يضمن الملاءمة والمساواة، وذلك من خلال إصلاح بعض مقتضياتها.
وبالنسبة للهيئة الحقوقية النسائية، فإن القانون موضوع الحملة الوطنية، عفا عليه الزمن ولم يعد يتلاءم مع “رؤية حداثية للأسرة المغربية”، وفي ذلك تستشهد بمسألة تعدد الزوجات والميراث، مطالبة بمنع الأول وتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في الثاني.
الأصوات النسائية كانت على موعد مع المطالب نفسها قبل سنوات، وفي كل عام تجدد دعوتها للإصلاح، معتبرة أن مرور الوقت كشف عن اختلالات تشوبها وتستلزم المراجعة في بعض مقتضياتها.
وتشدد الحركة النسائية الحداثية على ضرورة القيام بمراجعة شاملة لمقتضيات مدونة الأسرة، بهدف مواكبتها للتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدها المجتمع المغربي خلال السنوات الماضية.
وفي أحدث بيان له، أكد “اتحاد العمل النسائي” أن المدونة شكلت عند صدورها قفزة نوعية في مجال الأحوال الشخصية، واستطرد بالقول، إنها لم تقطع كلية في فلسفتها ومضامينها ولغتها مع المنظور الذكوري المحافظ للعلاقات الأسرية ولمكانة وحقوق النساء ضمنها، وهو ما أكدته تجربة 18 سنة من التطبيق.
الهيئة في بيانها أوضحت أن مدونة الأسرة “مازالت تتضمن نصوصاً تمييزية تكرس التراتبية في العلاقة بين الزوجين والحيف والعنف ضد النساء والفتيات، وتؤدي إلى انتهاك حقوقهن الأساسية وتفقيرهن وعدم شعورهن بالأمان، وخاصة ما يتعلق بالزواج، تزويج الطفلات، الطلاق، الولاية الشرعية على الأبناء، النفقة، ثبوت الزوجية، اقتسام الممتلكات المتراكمة أثناء الحياة الزوجية الحضانة، النسب، تعدد الزوجات والإرث”.
ويتابع: “اتحاد العمل النسائي” توضيحاته بالإشارة إلى أن المدونة “تشمل ثغرات تكرس التحايل على القانون كالمادة 16 وعلى قواعد الاستثناء التي عمقت دونية النساء والفتيات كما هو الحال بالنسبة لتزويج الطفلات، وعلى مواد مفتوحة على التأويلات الفقهية المحافظة بلا حدود كالمادة 400، وأخرى عديمة الفعالية لحماية حقوق النساء وأطفالهن”.
ووفق البيان نفسه، فإنه بعد صدور الدستور سنة 2011 أصبحت مدونة الأسرة في تعارض جوهري مع مقتضياته وخاصة منها تنصيصه على المساواة وحظر التمييز بين الجنسين في كافة الحقوق والحريات الأساسية، وعلى التزام الدولة بما تنص عليه المواثيق الدولية المصادق عليها وسموها على التشريعات الوطنية، وبملاءمة هذه الأخيرة مع مقتضياتها، وأساساً هنا اتفاقية (السيداو) للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل.
الهيئة النسائية ذاتها أبرزت أن الصيغة الحالية لمدونة الأسرة “لم تعد تستجيب لا للتحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ولا للدور المحوري الذي أصبحت تلعبه النساء في تدبير الأسر وإعالتها، ولا للسياق السياسي والدستوري، ولا للالتزامات الدولية التي صادق عليها المغرب”.
وختم الاتحاد بيانه بالدعوة إلى تغيير شامل وعميق لمدونة الأسرة باعتماد المرجعية الحقوقية والدستور والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، وذلك لتحقيق المساواة وللاستجابة لطموحات النساء والفتيات إلى بناء مجتمع ديمقراطي يتلاءم فيه القانون مع الواقع وينعكس إيجاباً على حياتهن اليومية ويضمن الحماية والنهوض بحقوقهن الإنسانية الأساسية.
هل هي بداية معركة جديدة؟
الأكيد أن بيان “اتحاد العمل النسائي” لن يمر مرور الكرام بالنسبة للتيار المحافظ الذي يجسده الإسلاميون بالخصوص، والأكثر تأكيداً أن بياناً معاكساً سيصدر قريباً رداً على مطالب ودعوات الهيئة النسائية صاحبة الدعوة إلى “الإصلاح الجذري”.
هي سنة التجاذب بين الحداثيين والمحافظين خاصة عندما يتعلق الأمر بمطالب تريد إجراء تغييرات على اجتهادات يعتبرها أنصار التيار المحافظ من صميم الشرع والدين، لذلك لا يجب تغييرها أو إبداء أي مطالب بشأنها.
المعركة ليست وليدة اليوم، بل تعود رحاها إلى التسعينيات من القرن الماضي، حين تولت “حكومة التناوب” زمام تدبير الشأن العام وصعدت أحزاب يسارية إلى السلطة تحت قيادة الراحل عبد الرحمن اليوسفي زعيم حزب “التحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” حينها. الصراع اشتد حينما طرحت “الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية”، وتعالت أصوات المحافظين من الإسلاميين لتقول لا لهذه الخطة. ولم يكتف الحداثيون والمحافظون بالجدل والنقاش عبر البيانات واللقاءات والندوات، بل نقلوا رحاه إلى الشارع عبر تنظيم مسيرتين، الأولى في الرباط وضمّت المناصرين للخطة، في مقابل مسيرة في الدار البيضاء كان الدعاة لها ومنظموها من التيار المحافظ، اختلفت نسبة المشاركة بين الأولى والثانية، لكنها نقلت موضوعاً من النقاش الهادئ إلى فورة المسيرات الاحتجاجية وكل طائفة تدافع عن قناعاتها.
العاهل المغربي يحسم الشد والجذب
ولم ينه ذلك الشد والجذب سوى حسم العاهل المغربي محمد السادس لهذا الجدل الذي عمّر طويلاً بخصوص وضعية المرأة في المغرب، فكانت مدونة الأسرة التي انتصرت لحق المرأة في المساواة وشكلت مقتضياتها عربون تقدير من المغرب لنسائه.
وقبل الخطاب الملكي، كان العاهل المغربي قد أنشأ الجمعة 23 تموز/ يوليو من عام 1999، اللجنة الملكية الاستشارية لتعديل مدونة الأسرة برئاسة إدريس الضحاك في البداية ثم عوضه بعد ذلك محمد بوستة.
من اللافت للانتباه هو إجماع مختلف مكونات المجتمع المغربي بأحزابه وجمعياته الحقوقية على تثمين إصدار مدونة الأسرة بما حملته من مستجدات أرست قواعد تدبير الشأن الأسري بكثير من بعد النظر، كما مكنت المرأة من تجاوز العديد من حواجز التمييز التي عانتها في السابق من القوانين التي كانت تجعلها في المرتبة الثانية بعد الرجل الزوج.
لا يختلف الحداثيون والمحافظون إلا عندما تنتصب مطالب جديدة ودعوات إضافية للمزيد من المكتسبات كما تعتبرها الحركة النسائية، بينما تعتبرها التيارات المحافظة مزايدة وخروجاً عن الشرع والدين، كما الحال مع تعدد الزوجات والمساواة في الإرث.
الخلاف يتجسد في كل مرة يصدر بيان عن حركة نسائية مثل الصادر عن “اتحاد العمل النسائي” بمناسبة مرور 18 سنة على إصدار مدونة الأسرة، والذي يشدد على ضرورة المراجعة لبعض مقتضياتها. وليس بغريب أن تتجدد دعوات الإصلاح، وفي مقابلها تجدد رفض المحافظين، فمدونة الأسرة تضم 400 مادة، تتناول أحكام الأسرة زواجاً وطلاقاً وما قبلهما وما بعدهما، وهو ما يفتح باستمرار باب النقاش على مصراعيه أمام الجميع.
ومن نافلة القول، إن المدونة التي مر على إصدارها 18 عاماً، جسدت المساواة بين الرجل والمرأة في عدد كبير من نصوصها ومقتضياتها، منها وضع مسؤولية الأسرة تحت رعاية الرجل والمرأة باعتبارها طرفاً شريكاً للرجل في الحقوق والواجبات تُجاه الأسرة. كما تخلت المدونة بخصوص تدبير شؤون الأسرة، عن مفهوم طاعة الزوجة لزوجها، وعن “إشرافها على البيت وتنظيم شؤونه”، ونَصّت في المقابل على “حقوق وواجبات متبادلة بين الزوج والزوجة”.
المدونة أيضاً سحبت من الرجل الحق الكامل في الطلاق، ومنحت للزوج والزوجة ممارسة هذا الحق وفق الشريعة الإسلامية وتحت مراقبة القضاء بما في ذلك الطلاق بالتراضي. واشترطت المدونة لإجراء الطلاق الحصول على الإذن المُـسبق من القضاء، ودفع المبالغ المُـستحقّـة للزوجة والأطفال قبل إصدار القرار، كما تم إلغاء الطلاق الشفوي.
ومنحت المدونة المرأة حق التّـطليق ضمن شروط حدَّدتها النصوص بحصول الضرر بكل أنواعه (العنف، والهجر، والغيبة، وعدم الاتفاق أو الإخلال بشرط من شروط وردت في عقد الزواج)، كما منحتها حق الطلاق إذا ما تزوج الرجل امرأة ثانية وكان ذلك مخالفاً للعقد، والحق في طلب الطلاق حتى لو لم يرد ذلك في عقد القرآن، وساوت بين البنت والولد المحضونَيْن، ووحّـدت سن اختيار الحاضن لكليهما.
ومن المقتضيات المهمة أيضاً، رفع ولاية الرجل عن المرأة الرشيدة في الزواج وترك لها حرية تفويض ولايتها بمحض إرادتها لأبيها أو لأحد أقاربها. كما عملت المدونة على مساواة المرأة بالرجل بالنسبة لسن الزواج، حيث أصبح 18 عاماً للاثنين بعد أن كان 15 عاماً بالنسبة للمرأة و18 عاماً بالنسبة للرجل.
مقتضى آخر مثير للجدل والاهتمام أيضاً، هو تقنين تعدد الزوجات بحيث قارب الاستحالة في مدونة الأسرة، وتم وضعه بيد القاضي وحده وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، أي إذا ثبت لدى القاضي وجود المبرر الاستثنائي الموضوعي للتعدد وقدرة الرجل على العدل بين زوجتيه وأولاده، وألا يكون وارداً غير ذلك في عقد الزواج، وأن تُـبلَّـغ الزوجة الأولى والثانية أمام القاضي، كما مُـنحت الزوجة الأولى حقّ طلب الطلاق للضرر.
وتبقى مطالب الحركة النسائية متجددة باستمرار نظراً للتحولات المجتمعية والاقتصادية التي يشهدها المجتمع المغربي، ونظراً للتطور الحاصل في مختلف مناحي الحياة على جميع المستويات، لكن حاجز الجدل والصراع سيظل قائماً ما دام هناك مؤيد لهذه المطالب ومعارض لها.
إن ما تسعى إليه هذه الجمعيات هو دق آخر مسمار في نعش الأسرة المغربية وتشريع الحمل خارج نطاق الزوجية بل مكافئة الزانية على ذالك ، إنه مؤسف جدا أن يكون بيننا من يضرب في ديننا وقيمنا وأخلاقنا ويدعي أنه ينتمي إلى مغربنا الحبيب ، هذه الوجوه تريد إشعال نار الفتنة بين الرجل والمرأة وبين الأبناء والأباء بشعارات براقة ظاهرها الحداثة وباطنها سم سيقتل الجميع وأتمنى أن لا يأخد المشرع المغربي بكلام هؤلاء حفاظا على السلم الإجتماعي ومما تبقى من التماسك الإجتماعي.