رئيس الشباك الجديد، رونين بار، نجا بسلام من الرسالة المجهولة التي نشرت ضده. الضحية الوحيدة للقضية ظهرت كضحية غير مباشرة: وزير المخابرات، اليعيزر شتيرن، الذي صمم على القيام بانتحار سياسي فاخر، باطار جهوده ضد رسائل الشكاوى المجهولة، اعترف أيضا بميله إلى فرم رسائل الشكاوى عندما كان رئيس القوة البشرية في الجيش. العاصفة التي ثارت في أوساط الجمهور فاجأت حتى شتيرن الذي شغل منصب المتصيد الرئيسي للجيش الإسرائيلي قبل اختراع هذه الكلمة بوقت طويل. ولم يمر يومين على المقابلة البائسة التي اجراها مع راديو “103 اف. ام” حتى اضطر إلى الانسحاب من المنافسة على المنصب الرفيع والزائد، رئيس الوكالة اليهودية.
بار في هذه الاثناء كان قد دخل إلى منصبه في يوم الاربعاء الماضي. المفاجأة الوحيدة من ناحية مرؤوسيه كانت تتعلق باسمه. مثل معظم الجمهور، هم في الحقيقة لم يعرفوه. إلى أن تم رفع الحصانة عن اسمه في هذا الاسبوع. ولكنهم أيضا لم يعرفوا الاسم بار. حتى الآن الرئيس الجديد كان معروف في الجهاز باسم بيرزوفسكي، اسم عائلته الاصلي.
الرسالة ضده، التي صيغت بلغة ركيكة جدا، لم تؤثر بشكل كبير على لجنة غولدبرغ، لجنة المصادقة على تعيين الشخصيات الرفيعة. الادعاءات لم تكن مدعومة بأي شكوى أو أي دليل حقيقي. من المعقول أن القاضي المتقاعد اليعيزر غولدبرغ وأعضاء اللجنة تأثروا في المقابل بادعاء رئيس الجهاز التارك، نداف ارغمان، بأنه لا توجد أي صعوبة في إطلاق رسالة مزورة ضده هو نفسه أو ضد أي واحد منهم خلال خمس دقائق. عندما كانت هذه هي الصورة لم تتردد اللجنة بحسم القرار لصالح المصادقة على التعيين.
اثناء سفره للقاء اللجنة في القدس صادفت بار في طريقه سيارة مشتعلة. مؤيد متحمس بدرجة معينة اهتم بنشر صورة بار على الصحافيين، الذي كان حتى ذلك الوقت يسمى ر.، وهو يحمل الطفاية بيديه. وسرعان ما تحولت هذه القصة إلى محاكاة ساخرة في الشبكات الاجتماعية. ولكن في سنوات ولايته الخمس ستنتظره حرائق أكثر شدة. الهدوء الامني النسبي لا يجب أن يضلل. بار، مثل ارغمان، سيكون عليه أيضا مواجهة امكانية الانفجار في ساحات مختلفة –فلسطيني- إسرائيلية، ونشاطات إرهابية إيرانية ضد اهداف إسرائيلية ويهودية في الخارج.
قنبلة موقوتة واحدة تمكن ارغمان من ازالتها عن اجندة من سيحل محله في الساحة الفلسطينية. الحديث لا يدور عن القاء القبض على الفارين من سجن جلبوع، الذي حصل على تغطية واسعة وشاملة، بل عن قضية اخرى نزلت بسرعة نسبية في العناوين. في نهاية الشهر الماضي اعتقلت أذرع الأمن عشرات الأعضاء من حماس في الضفة الغربية بتهمة التورط بالتخطيط لعمليات في القدس وداخل الخط الاخضر. في التحقيق معهم تم ضبط مواد متفجرة كثيرة. هذا يبدو أنه التنظيم الأكثر طموحا لحماس في الضفة منذ سنوات كثيرة.
حماس تواصل التحرك في المثلث الذي يقع بين قطاع غزة والضفة الغربية والقيادة العسكرية التي تشغل هذا التنظيم من تركيا. من ناحية رئيس حماس في القطاع، يحيى السنوار، فان عمليات من الضفة يمكن أن تساعد في تقويض التنسيق الامني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، في حين أن استمرار وقف إطلاق النار في القطاع سيمكن منظمته من الاستيقاظ واعادة ترميم ما فقده في عملية “حارس الاسوار” في أيار الماضي. قواعد اللعب تم اعادتها إلى الصفر مرة اخرى إلى 9 أيار، عشية العملية. وحماس أعادت استلام كل ما سلب منها باستثناء ثلث المساعدة الشهرية القطرية بمبلغ عشرة ملايين دولار. ولكن حتى الآن لم يتم العثور على تسوية حولها.
مع ذلك، من الأرجح أن محاولة إسرائيل لربط إعادة إعمار البنى التحتية في القطاع بالتقدم في مسألة الأسرى والمفقودين ستنتهي بالفشل. السنوار يلتزم بتحرير السجناء (ذوي الاحكام العالية لحماس) كما تحرر هو نفسه في صفقة شليط قبل عشر سنوات بالضبط. فجوة المواقف بين الطرفين تبدو في هذه الأثناء غير قابلة للجسر. السؤال الرئيسي هو إلى متى تستطيع إسرائيل جر الوضع القائم، دون أن تسمح بإعادة إعمار جوهري وبدون أن تقرر حماس استئناف إطلاق النار.
بالنسبة للسلطة الفلسطينية، رغم سنه المتقدم (86 سنة الشهر المقبل) فان رئيس السلطة محمود عباس منذ فترة طويلة لا يبدو نشيطا وحيويا، في الاتصالات مع من التقوا معه من الإسرائيليين يرفض أبو مازن بشدة اقتراح أن تأخذ السلطة لنفسها أي دور في القطاع. في جهاز الأمن يقلقون من ثلاثة عوامل خطر محتملة وهي المس بالوضع الراهن في منطقة الحرم الذي يمكن أن يستقبل برد عصبي من قبل الطرف الفلسطيني، ازدياد الفوضى في مخيمات اللاجئين في شمال الضفة حيث تخاف السلطة من العمل هناك، وتصعيد معارك الوراثة في السلطة وفي فتح إذا حدث أي تغير في وضع الرئيس.
إلى أن يتم استئناف المفاوضات السياسية لا يوجد ما يمكن الحديث عنه، ازاء انعدام التفاهمات داخل ائتلاف بينيت – لبيد والاهتمام القليل الذي تبديه الإدارة الأمريكية بهذا الامر. ولكن الحكومة تعيق مبادرات اقتصادية للتعاون، التي ربما كان يمكن أن تحسن الوضع في الضفة وتبرز التناقض بينها وبين الواقع البائس في القطاع.
ارغمان، بصورة نادرة، تطرق بشكل علني إلى هذه الأمور في خطاب وداعه أول أمس. حسب قوله “غياب حوار بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، والخطوات التي قام بها أبو مازن، أدت إلى اضعاف السلطة. الواقع الحالي هو أن حماس قوية والسلطة الفلسطينية ضعيفة. إسرائيل يجب عليها إيجاد طريق للتعاون مع السلطة والدفع قدما بمشاريع اقتصادية بمساعدة دولية”.
ضعف المحققين
المسألة الملحة والمشحونة جدا سياسيا الموضوعة أمام بار تتعلق بإسهام الجهاز في مكافحة تفشي الجريمة في المجتمع العربي. ارغمان كان متحفظا جدا من اشراك جهازه في هذه العملية خشية من أن هذا النشاط سيضعه في صدام مباشر مع مواطنين إسرائيليين غير متورطين بالإرهاب أو التجسس. وكما نشر في هذا الاسبوع ينيف كوفوفيتش في “هآرتس” فان بار قام بتشكيل طاقم برئاسة شخص رفيع في الشباك سيقوم بفحص حدود المساعدة التي يمكن تقديمها للشرطة.
احدى المشكلات البارزة تتعلق بضعف المحققين، وليس بوسائل التحقيق الموجودة لدى الشرطة. باستثناء لاهف 433 فان الشرطة فقدت خلال السنين قدرتها على استخراج معلومات من التحقيق. وهي تعتمد بشكل كبير على الدلائل التي تم جمعها قبل الاستدعاء إلى التحقيق العلني. في حرب الأدمغة المشهورة بين المحقق والمحقق معه فإن الادمغة ضعيفة جدا. الشباك توجد له أفضلية من حيث المحققين والصلاحيات. ولكن مرة أخرى يطرح سؤال المنحدر الزلق. ما هي الوسائل المشروعة في الجهود من أجل منع جريمة عندما لا يدور الحديث عن إرهاب قنبلة موقوتة؟
الجزء الذي تقريبا لا ينشر عنه أي شيء في أعمال الشباك يتعلق بالقضاء على التجسس ومحاولات التأثير من قبل دول اجنبية. خلال سنوات كان الروس نشطاء جدا هنا مع التركيز على محاولة تجنيد من أوساط الجالية الكبيرة للقادمين من الاتحاد السوفييتي سابقا. الآن التركيز الأساسي هو على الصين، التي تشارك في تحركات النفوذ والتجسس الالكتروني. تدخلها المتزايد تحول في السنوات الاخيرة إلى عقبة كأداء أمام علاقات إسرائيل والولايات المتحدة.
بضغط من أمريكا شكلت الحكومة السابقة في 2019 هيئة لفحص الاستثمارات الاجنبية، التي استهدفت بالأساس وقف سيطرة شركات صينية على مشاريع حساسة في مجال البنى التحتية، التي يمكن أن تقلق الأمريكيين. في السنوات الأخيرة أوقفت إسرائيل مشاركة شركة صينية في تشغيل مطار بن غوريون ومناقصة بمشاركة الصين لإقامة منشأة تحلية ثانية في منطقة ناحل شورك. إذا كانت الصين تأمل المشاركة هنا في مناقصات لنشر بنى تحتية للجيل الخامس لشبكة الهواتف المحمولة، فيبدو أن هذا الأمل قد تبخر.
ولكن في هذه الآلية توجد نقطة ضعف لأنها توجد تحت مسؤولية وزارة المالية، التي لها ميل مفهوم لصالح زيادة الاستثمارات في الاقتصاد. موقف الشباك يتم طرحه، لكن ليس دائما له وزن مناسب. ربما أن الخطوة الصحيحة ازاء حساسية هذه المسألة ستكون باخضاع هذه الآلية لرئيس الحكومة الذي يدرك جميع الاعتبارات المعقدة ويمكنه الموازنة بينها.
مسألة أخرى ستقض مضاجع رئيس الشباك الجديد تتعلق بإحباط العمليات في الخارج. هذا مجال المسؤولية عنه تنقسم بين الشباك والموساد. الشباك يقوم بتأمين مؤسسات إسرائيلية ويقدم النصائح لتأمين مؤسسات للجاليات اليهودية المختلفة. مؤخرا، على خلفية العملية التي نسبت لإسرائيل وهي ضرب علماء الذرة في إيران، سجل ارتفاع حاد في حجم الإنذارات. المحاولة الأخيرة تم إحباطها فقط قبل أسبوعين عندما تم اعتقال مواطن من اذربيجان ومواطن من باكستان بتهمة أنهما خططا للمس برجال أعمال إسرائيليين في قبرص، وهما مبعوثان من قبل حرس الثورة الإيراني. سيكون هناك المزيد من هذه العمليات، جزء منها بالتأكيد أكثر إحكاما.
موضوع آخر، على الأقل اعفي منه رئيس الجهاز الجديد حتى الآن، هو متعة الخدمة تحت قيادة نتنياهو، ناهيك عن الحاجة إلى استبعاد طلبات الحماية الباهظة لزوجته. بار لن يجرب كما يبدو الشعور بالضيق بعد الآن، الذي أحسن وصفه مئير دغان المتوفي وغيره، حول الذهاب إلى النقاشات في مكتب رئيس الحكومة. مشاركون في منتديات سياسية وأمنية تولد لديهم الانطباع بأنه رغم انعدام تجربة نفتالي بينيت والعدد غير القليل من الأخطاء التي حدثت، حدث تحسن كبير في الأجواء. النقاشات أصبحت موضوعية وازيلت منها كليا أجواء جنون العظمة التي سادت حول نتنياهو في السنتين الاخيرتين لولايته.
بنظرة إلى الوراء، لا ريب أن الخطر الذي حلق فوق مؤسسات الحكم كان خطرا ملموسا. نتنياهو عمل على التخلص من جزء كبير من النخبة المهنية، مستشار قانوني، النائب العام للدولة، مفتش عام للشرطة، رئيس الشباك وغيرهم، واستبدالها برجاله. هذه القصة لم تتم روايتها بالكامل. الكثير من الأشخاص الذين كانوا هناك يعتقدون أنه فقط كان هناك خطوة بين إسرائيل وبين أجراء تغيير لا رجعة عنه، الذي فقط بدايته تتمثل بوقف الاجراءات القانونية ضد نتنياهو. ويضاف إلى ذلك اجواء التحريض والانقسام التي أشعلها رئيس الحكومة السابق ومن يؤيدونه والتي هددت أكثر من مرة بالانزلاق إلى عنف شديد. أواخر أيام نتنياهو في السلطة تميزت من جانب بإطلاق الشياطين العنيفين في الشبكات الاجتماعية، ومن جانب آخر محاولاته لتوسيع سلطات الطوارئ التي استخدمت في فترة الكورونا لاغراض اخرى.
ما يميلون إلى نسيانه هو أنه لا يوجد وعد بأن لا يعود هذا الكابوس. حكومة بينيت – لبيد غير مستقرة بشكل خاص، على الأقل حتى تمرير الميزانية فانه ما زال يمكن أن تنهار ازاء مجمل النزاعات والخلافات الداخلية.
عاموس هرئيل
هآرتس 15/10/2021