يوم الجمعة، 2 أيلول، دخل السبت إلى منطقة المجلس الإقليمي “شومرون” في الساعة 18:36. وبعد خمس دقائق، أي في 18:41، أبلغ مركز الأراضي في المجلس الإدارة المدنية عن إحدى المعدات الهندسية التي تعمل على تحسين شارع الدخول إلى القرية الفلسطينية قُصْرة جنوب شرقي نابلس. يبدو أن تدنيس السبت لم يشغله: في ثلاثة أيام سبت مختلفة، في آب وتشرين الأول من هذه السنة، أبلغ أيضاً عن أعمال فلسطينية في شمال الضفة بهدف أن يقوم موظفو الإدارة بوقفها. مرة شق بنية تحتية لخط كهرباء بين قريتي عقربا والمجدل في شرق نابلس، ومرة شق طريق لقرية عصيرة الشمالية في شمال نابلس، ومرة تسوية أرض قرب قرية قِفِّين غربي جنين. إلحاحية الإبلاغ خارج ساعات العمل الرسمية عن إصلاح مقطع شارع في قرية فلسطينية تدل على إخلاص يتجاوز وظيفة موظف في هيئة عامة، خصوصاً في مجلس معظم سكانه من المتدينين والحريديين القوميين.
تم الإبلاغ بواسطة نموذج إلكتروني بعنوان “إبلاغ عن اشتباه بخرق قوانين التخطيط والبناء”. هذه منصة محوسبة للإدارة المدنية، حلت محل مركز اتصالات كان يشغله شخص لغرفة عمليات المناطق “ج”، وهو جسم شكلته الإدارة المدنية في 2020 بهدف علني، وهو تركيز وزيادة نجاعة نشاطات إنفاذ القانون وهدم منازل فلسطينية في 61 في المئة من أراضي الضفة الغربية (أي المنطقة التي تسمى “ج” والتي أبقى فيها اتفاق أوسلو السيطرة التخطيطية والإدارة بيد إسرائيل بشكل مؤقت. في 1999 كان يجب أن تنتقل صلاحيات التخطيط والبناء والإدارة في هذه المنطقة للسلطة الفلسطينية، لكن إسرائيل لم تنفذ الاتفاقات).
عند إطلاق مركز الاتصالات لغرفة العمليات للمنطقة “ج” في كانون الثاني 2021، وهو نبأ أطلقه الموقع الإلكتروني لمستوطنة “كوخاف يعقوب” (المقامة على أراضي كفر عقب) أطلق عليها “ملشنون”؛ أي واش صغير. وكتب في النبأ: “إذا شاهدتم عمل بناء لفلسطينيين يبدو لكم مشبوهاً وغير مصادق عليه، أو صادفتم مكرهة صحية لفلسطينيين يستخفون بالقانون، فأمامكم الآن مخبر خاص بكم، توجهوا خلال ساعات اليوم وبأي وسيلة ممكنة، وقدموا شكوى عليهم”. خلافاً لمركز الاتصالات الهاتفي الذي أُعدّ لذلك مبدئياً، فثم نموذج إلكتروني يستخدمه “مركزو الأراضي” أو من يقومون بدوريات الأراضي التابعون لمجالس إسرائيلية في الضفة. لأسباب تقنية مؤقتة، قيل الجمعة الماضي للصحيفة بأنه لا يمكن الوصول إلى النموذج الإلكتروني في هذه الأثناء.
وثيقة داخلية للإدارة المدنية وصلت للصحيفة مؤخراً بصورة خارطية وجدول إكسل بعنوان غرفة عمليات “ج”، تبين بالتفصيل 1168 تقريراً أو وشاية عما حدث في الأشهر الثمانية، من 1 آذار إلى 19 تشرين الأول. توفر هذه الوثيقة نظرة على تدخل كثيف للمستوطنين في نشاطات الإدارة المدنية والجيش في كل ما يتعلق بطرد الفلسطينيين من معظم مناطق الضفة، وإحباط أعمال البناء والبنى التحتية التي يقومون بها، والحرص على أن لا يتجاوزوا الجيوب التي خصصتها إسرائيل لهم.
إن طلب “الصهيونية الدينية” السيطرة على الهيئات التي تدير حياة الفلسطينيين وأراضيهم في الضفة، لم يأت من العدم؛ إنما هو استمرار طبيعي للضغط الذي استخدمه لوبي المستوطنين طوال سنوات كثيرة على الأرض وفي الكنيست وفي وسائل الإعلام والمحاكم، والذي يعرض منذ ثلاثين سنة عرضاً خاطئاً وهو أن المنطقة التي تسمى منطقة “ج” هي منطقة لإسرائيل ومخصصة لليهود فقط.
في عمود منفصل في جدول إكسل، الذي وصل لـ “هآرتس”، تظهر في العادة تعليقات المبلغين التي تعكس مدى وصول البناء والعمل الفلسطيني في الضفة الغربية إلى عمل إجرامي، حسب معايير الإدارة المدنية والمستوطنين. على سبيل المثال: “شق طريق وتمهيد منطقة في مكان قفر لم تكن مفلوحة في العشرين سنة الأخيرة”؛ “تمهيد منطقة للبناء قرب شارع”؛ “مكبس، جرار أو شاحنة تقوم بشق طريق في شمال كفر لاقف؛ “إعداد قناة من أجل وضع أنبوب”، “بناء كثيف وتمهيد أراض”؛ “أعمال في كسارة غير قانونية، التي تم فرض مصادرة عليها قبل بضعة أشهر”؛ “عرب يقيمون الآن خيمة/ مبنى قرب التواني”؛ “بناء يدوي لخيمة ووضع خزان للمياه”؛ “حفر بئر للمياه”؛ جرافة تعمل لليوم الثاني على التوالي في جنوب قرية بيت أولا”؛ “عرب يعملون داخل الخط الأزرق”؛ “عرب يقيمون خيمة الآن”؛ “عرب يغرسون أشجاراً”؛ “عرب يضعون كرفاناً قرب كريات أربع”؛ “سيارة، عرب يمهدون الأرض”؛ “جرافة في بيت أولا تعمل لليوم الثالث على التوالي”؛ “جرافة تحول مسرب إلى طريق”.
تظهر في الجدول الساعة (بما في ذلك الدقائق والثواني) التي كتب فيها التقرير وساعة بداية معالجته واسم المبلغ ورقم هاتفه والآلات التي أبلغ عنها. قد تكون هذه مثلاً جرافة أو عربة أو حماراً أو محراثاً أو حصاناً أو تراكتور أو حفاراً صغيراً أو خلاطة أو شاحنة أو مجارف وأدوات يدوية. وأحياناً يشار إلى الجهة التي عالجت الشكوى على الأرض – موظفو الإدارة، موظفو إدارة التنسيق والارتباط أو جنود اللواء القطري، أو كلهم… وإذا ما تمت معالجة أولية، وما هي. أحياناً كتب أن التقرير غير مهم. وأحياناً ببساطة لأن نقاط التحديد غير دقيقة. نصيب الأسد من التقارير، 731 تقريراً، كان للقدس وجنوبها، والباقي لشمال القدس.
تقارير في أيام السبت والقليل عشية السبت غير نادرة. تقريران في عيد الغفران يظهران في جدول الإكسل، الأول في الساعة 13:36، المبلغ هو مركز أفرات (مركز الاتصال في مستوطنة أفرات والمسؤول عن 90 تقريراً، 25 منها في أيام السبت). يظهر “أشخاص” في عمود “الأدوات”. لا توجد ملاحظات أخرى، ومن غير المعروف ما هي “مخالفة البناء” التي اتهم بها هؤلاء الأشخاص الذين ظهروا في عيد يوم الغفران في أراضي قرية الخضر. وكتب التقرير الثاني في الساعة 18:06 (الصوم ينتهي في الساعة 19:05)، عن حريق لقمامة في أراضي ساكر، وفي أراضي الخضر أيضاً. المبلغ هو آفي مرغولين. لم يرفق اسمه بصفة رسمية، لكن عدداً من المنشورات الصحافية تدل على أنه كان يعيش في بؤرة “سديه بوعز” الاستيطانية التي هي نفسها بؤرة غير قانونية. حسب جمعية “كيرم نبوت” فإن 99 أمر هدم بناء صدر ضد المباني في هذه البؤرة الاستيطانية.
لا يظهر مرغولين أنه يحمل صفة رسمية في مجلس “غوش عصيون”، لكنه وقع على 181 تقريراً (مخالفة) في المنطقة، 23 منها في أيام السبت. هو ليس أكثر من يظهر في الجدول: شاي لوحي، وهو من دورية الأراضي في المجلس الإقليمي جبل الخليل، وقع على 199 مخالفة، 35 منها تمت تغذيتها للنموذج الإلكتروني في أيام السبت وأيام الأعياد. يشاي كوهين، رجل الدورية في غرب بنيامين (منطقة رام الله) وقع على 199 مخالفة (5 منها في أيام السبت وفي عيد الأسابيع). أما المبلّغ عن شارع مدخل قرية قصرة، الذي ذكر آنفاً، فوقع على 27 مخالفة في الجدول باسم ملاخي. يبدو أنه يشعياهو بن ملاخي، الموظف في قسم الأراضي في المجلس الإقليمي “شومرون”، الذي ذكر في موقع المجلس الرسمي إلى جانب نظرائه ايتان مرغليت (32 مخالفة في الجدول، بما في ذلك 1 في يوم سبت و3 في الأعياد)، وهدار اوبنهايمر، المركزة والموقعة على مخالفتين.
درور ايتكس من جمعية “كيرم نبوت” يقدر بأن استخدام الهواتف المحمولة في أيام السبت تلقى الدعم من الحاخامات بصورة معينة، خصوصاً في منطقة المجالس المحلية التي يديرها متدينون وحريديون قوميون. “حاخام مستوطنة “عوفرا”، آفي غيسار، أعطى في السابق إذناً بمواصلة البناء في أيام السبت لسبع وحدات أقيمت على أراض فلسطينية خاصة، التي اقتحمها مستوطنو عوفرا”، قال ايتكس. “أعطي الإذن عقب التماس قدمه أصحاب الأراضي المسلوبة للمحكمة العليا بهدف إشغال البيوت، وعملياً من أجل تقليص قدرة تدخل المحكمة العليا في هذه الحادثة بواسطة وضع حقائق على الأرض”.
بقلم: عميره هاس
هآرتس 11/12/2022