جرائم القتل خطر إستراتيجي يهدد المناعة المجتمعية لفلسطينيي الداخل

وديع عواودة
حجم الخط
0

الناصرة – “القدس العربي”:

يحتل القلق من استشراء الجريمة والعنف سلم أولويات فلسطينيي الداخل، مما دفع القائمة العربية المشتركة لطرح هذه القضية على رأس شروطها  للتوصية أمام رئيس إسرائيل على رئيس حزب “أزرق- أبيض” بيني غانتس لتشكيل حكومة جديدة.

وتصاعد هذا القلق في الأيام الأخيرة بعد ارتكاب أربع جرائم قتل في بلدات عربية بفارق ساعات، وشهدت بلدات عربية عدة مظاهرات احتجاجا على استشراء الجرائم.

وعلى خلفيتها أكدت الفعاليات السياسية العربية الفلسطينية في الداخل أن إسرائيل تتحمل مسؤولية تفشي جرائم انتشار السلاح، التي اعترفت شرطتها بأن 90% منه يتم تهريبه من معسكرات الجيش.

وقتل شابان ليلة الجمعة، هما إبراهيم سعدي وبيان بوشكار، جراء إطلاق نار خلال حفل زفاف في بلدة بسمة طبعون، قرب حيفا، وأصيب شخص آخر بجراح خطيرة، ورابع بإصابة طفيفة، ليرتفع عدد القتلى العرب إلى 4 خلال يوم واحد وإلى 64 منذ مطلع العام.

وجاء أن سيدة من بلدة بسمة طبعون متزوجة في قرية إبطن قضاء حيفا، قدمت لحضور زفاف قريب لها، أصيبت برصاصة في رأسها فور وقوع شجار بين شباب على موقف لركون المراكب، حينما بدأت تبحث عن طفلتها لدى سماعها صوت إطلاق النار.

وحمل رئيس القائمة المشتركة أيمن عودة على الشرطة، وحملها مسؤولية عدم مكافحة الجريمة والمجرمين، وقال إنها تهمل قضية السلاح غير المرخص والعصابات الإجرامية. ومن جانبه، قال عضو الكنيست أحمد الطيبي من القائمة المشتركة إن جرائم القتل الأربع التي ارتكبت في يوم واحد تدل على فوضى الإجرام والسلاح غير المرخص في المدن والقرى العربية. واعتبر الطيبي أن غالبية الوسائل القتالية سرقت من قواعد عسكرية، ولذا جيش الاحتلال والشرطة يتحملان المسؤولية عن استمرار هذا الوضع.

الشرطة الإسرائيلية تهمل قضية السلاح غير المرخص والعصابات الإجرامية في البلدات العربية

“فخار يكسر بعضه”

من جهته، يؤكد رئيس لجنة المتابعة العليا داخل أراضي 48 محمد بركة أن الشرطة الإسرائيلية تقوم بدور تآمري كيدي بقرار من المؤسسة الحاكمة من منطلق تحطيم المجتمع العربي الفلسطيني من الداخل على مبدأ “فخار يكير بعضه”.

وخلال كلمة خاطب بها الجماهير المشاركة في الوقفة الاحتجاجية أمام محطة الشرطة في مدينة أم الفحم احتجاجا على توغل العنف والجريمة والقتل وانتشار السلاح في المدينة، قال بركة إن السلطات الإسرائيلية استنتجت بعد مشاركة فلسطينيي الداخل في هبة القدس والأقصى عام 2000 أنهم عدو داخلي خطير، وبحثت عن وسيلة لتدميرهم وإشغالهم، فوجدت بصرف النظر عن تجارة وتفشي السلاح والجريمة طريقا لذلك.

وأضاف بركة: “الحديث يدور عن تقاعس أو بالأحرى تآمر الشرطة”، منوها لعدم صدق مزاعمها بأنها عاجزة عن لجم العنف والجريمة في الشارع العربي. وتابع بركة في كلمته: “عندما يقصفون في غزة يعرفون بالضبط أين تنزل القنبلة على هذا الشهيد أو ذلك، أما عندما يقتل إنسان في أم الفحم فيتظاهرون وكأنهم لا يعلمون ولا يعرفون”.

وقال: “العنف هو قضية اجتماعية، ولكن في وضعنا اليوم هو قضية سياسية لأن العنف مُسلط على رقابنا وعلى أولادنا، ومن ذهب لن يعود، لكن يجب المشاركة بالتظاهرات الاحتجاجية. آن الآوان أن يكون رد فعل من كل شخص وكل مواطن، كي نحمي أولادنا ونعرف عندما يخرج أولادنا أنهم سوف يعودون بسلام، هذا أقل ما هو مطلوب من مجتمع صحي ومعافى. نتظاهر هنا وتظاهرنا سابقا في الجليل والشمال واللد والرملة، مجتمعنا غارق في الدم. الوضع بات لا يطاق، لا يكفي لوم الشرطة ومطالبتها بالقيام بواجبها”.

مسؤولية ذاتية

دعا بركة العرب الفلسطينيين في أراضي 48 لاتخاذ موقف واضح جماهيريا واجتماعيا وشعبيا بنبذ العنف ونبذ المجرمين، وتابع: “لا يمكن أن نحارب الجريمة ونصادق المجرمين. علينا أن نتبنى موقفا وطنيا لنبذ الجريمة والمجرمين، ولنبذ السلاح وحملة السلاح وتجار السلاح”، كما دعا الجميع إلى الاهتمام بالتربية على التسامح والحوار داخل بيته وفي بيئته”.

وهذا ما أكده الدكتور سمير محاميد رئيس بلدية أم الفحم على خلفية المظاهرة التي نظمتها اللجنة الشعبية في المدينة، أمام مقر الشرطة: “نحن نحمل رسالتين، الأولى للشرطة مفادها أنه آن الآوان أن تتعامل الشرطة بمسؤولية وجدية أقوى في ملفات الإجرام والقتل، وأن تعمل بشكل أكثر وأقوى في محاربة الجريمة والسلاح والذخيرة في مجتمعنا العربي”. كما أطلق رسالة للجميع: “لي كرئيس بلدية ولكل أب ولكل أم ولأئمة المساجد ومديري ومعلمي المدارس، علينا ضرورة التحرك”. وتابع: “كل واحد منا تقع عليه مسؤولية كبيرة من أجل مكافحة العنف والجريمة في مجتمعنا”.

تعاون مع جيوب إجرام

من جهته قال المحامي أحمد الأمين لـ”القدس العربي” إن مدينته أم الفحم باتت على بركان، ومن سيكتوي بهذه النار هي الشرطة لأن أهاليها بمختلف أطيافهم يشعرون اليوم بغضب شديد من  تقصير الشرطة وما يحدث في الساحة الفحماوية. وأضاف: “جئنا اليوم  لنصرخ في وجه الشرطة: أنتم مسؤولون أولا وأخيرا عن المواطن الفحماوي وعن المواطن العربي، فدمنا ليس رخيصا. هناك تخلف رجعي جاهلي ينهش نسيجنا الاجتماعي، لكن الأول والأخير الذي يستطيع فرض الأمن والأمان هي الشرطة، وحتى الآن لا تقوم بواجبها، متقاعسة بل متعاونة مع بعض جيوب الإجرام التي يغذيها هذا السلاح ويغذيها هذا الصراع القبلي”.

ويؤكد رئيس جمعية “أمان” كامل ريان لـ”القدس العربي” أن الفلسطينيين في إسرائيل زادوا عددا، وباتوا يعدون مليون ونصف المليون نسمة، وانتقل معظمهم من مجتمع فلاحي إلى برجوازي بكل ما يرافق ذلك من تبعات، لكن ذلك برأيه لا يبرر المعطى بأن ثلثي جرائم القتل في إسرائيل عربية. ريان الذي قتل ابنه في حادثة قتل لم يفك لغزها قبل سنوات في بلدته كفر برا يرى أن جرائم القتل في الداخل تنطوي على تهديد إستراتيجي على فلسطينيي الداخل لأنها تهدد مناعتهم المجتمعية، ومن شأنها أن تفرض جوا محبطا تعجيزيا يضرب فكرة العمل الجماعي، داعيا للضغط على الحكومة الإسرائيلية لبناء خطة حقيقية لمكافحة الجريمة والعنف في الشارع العربي، بموازاة تحمل المسؤولية الذاتية المرتبطة بالتربية في المدارس من جيل مبكر وإشاعة ثقافة الحوار في الإعلام والحيز العام.

ويقول رئيس بلدية الطيرة إن “الذين يرتكبون الجرائم هم من منظمات إجرامية، بسبب غياب الرادع، ومن يجب أن يشكّل الرادع هي الدولة والمؤسسات”.

وكانت بلدية الطيرة قد أصدرت بيانا عقب جريمة القتل التي وقعت في المدينة، انتقدت فيه “ازدواجية التعامل” لدى الشرطة الإسرائيلية، بين الجريمة لدى المواطنين العرب، وأخرى لدى المستوطنين اليهود. بدورها تُلقي الشرطة الإسرائيلية باللائمة على المواطنين العرب، مشيرة إلى أنهم لا يتعاونون معها في رصد الدلائل والقرائن، ولا يقدم مثلا شهود عيان على جرائم القتل إفاداتهم لها.

مزاعم الشرطة

من ناحيته، عقب الناطق بلسان الشرطة الإسرائيلية بالقول: “شرطة إسرائيل ترى بشدة حوادث العنف واستخدام الأسلحة غير القانونية في المجتمع العربي، ولذلك وضعت هذا الموضوع في أول سلم أولوياتها، وتواصل استثمار أفضل مواردها وقدراتها للحد من ظاهرة العنف في المجتمع العربي”، زاعما أنها نجحت منذ بداية العام بفك رموز 29 جريمة قتل في المجتمع العربي.

ويشار إلى أن ما يعرف بـ”مراقب الدولة” في إسرائيل قد اتهم في آب/ أغسطس العام الماضي أجهزة الأمن وخاصة الشرطة وجهاز الأمن العام (الشاباك) بالفشل في منع انتشار واستخدام السلاح غير المرخص في المجتمع العربي، الأمر الذي كان له الأثر الكبير على ارتفاع نسبة الجريمة وزيادة جرائم القتل وأعمال العنف بشكل مقلق وخطير للغاية.

ووفقا للمراقب، فإن 1236 رجلا وامرأة في المجتمع العربي قُتلوا في الأعوام 2000 وحتى تشرين الثاني/ نوفمبر 2017. وخلال العام 2016 قُتلت 30 امرأة عربية، أي 42% من مجمل النساء اللاتي قُتلن في ذلك العام في البلاد.

وجاء في تقرير “مراقب الدولة” أنه “لا يوجد تعاون بين ألوية ووحدات وأقسام الشرطة المختلفة من جهة، ولا يوجد تعاون بين الشرطة والجيش الإسرائيلي من جهة أخرى، بصفته الجهة التي تتسرب منها الأسلحة مسروقة، والتي تُستخدم بالجرائم”.

الشرطة الفلسطينية

ويشار إلى أن الناطق بلسان الشرطة الفلسطينية لؤي رزيقات قد أكد لـ”القدس العربي” في وقت سابق أن الشرطة الفلسطينية نجحت بخفض نسبة الجريمة في الضفة الغربية، حيث يقيم ذات المجتمع الفلسطيني بحجم كبير، لافتا لحيوية التدخل السريع والردع علاوة على التربية والتسامح.

وقال ارزيقات إن الإحصائيات التي سجلتها الشرطة على مدار عام 2018 لجرائم القتل أظهرت انخفاضا واضحا وملموسا في أعدادها على مستوى الضفة الغربية بنسبة 29% عما كانت عليه في عام 2017، معتبرا ذلك مؤشرا على نمو ثقافة القانون والوعي لدى أفراد المجتمع بالتوجه للقضاء وأجهزة الأمن لحل الخلافات، وهو انخفاض مستمر شهدته الضفة الغربية خلال السنوات الثلاث التي سبقت العام الماضي وكانت على النحو التالي: عام 2015 وقعت 54 جريمة، وعام 2016 وقت 43 جريمة، و2017 سُجل وقوع 34 جريمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية