يروج الخطاب السياسي الرسمي لجزائرين اثنتين، واحدة قانعة وقابلة بأوضاعها، مهما ساءت، يفضل تسميتها بالجزائر العميقة، وجزائر متمردة وجاحدة، كافرة بنعمة الله، حتى لو كانت على رأس المستفيدين من الأوضاع.
خطاب تم تطويره والترويج له، بعد بروز ظاهرة الحركات الاجتماعية الاحتجاجية، التي كان وراءها شباب المدن الكبرى في الشمال. ممثلو هذه الجزائر الجاحدة التي «تأكل في الغلة وتسب في الملة»، كما يدعي الخطاب السياسي الرسمي. عكس جزائر الجنوب والمناطق الريفية، التي تعبر أحسن تعبير عن هذه الجزائر العميقة، الهادئة القابلة بمصيرها الذي حدده لها النظام السياسي الحاكم.
صورة كذبتها الوقائع الاجتماعية في السنوات الأخيرة، بعد أن التحق شباب الجنوب، بكل أنواع حركات الاحتجاج الوطنية التي أبدعوا بدورهم فيها، وهم يطرحون ما يميز مناطقهم من مشاكل وتحديات، كقضية استخراج الغاز الصخري ومسألة البطالة التي يعاني منها الشباب بحدة في هذه المناطق الصحراوية، البعيدة عن مراكز القرار الاقتصادي والسياسي، الذي يتعامل مع الجنوب كثروات طبيعية يريد الاستحواذ عليها، حتى لو تم تدمير الطبيعة ورهن مستقبل الأجيال، كما يحصل في ملف الغاز الصخري.
صورة تبناها الكثير من النخب السياسة الحاكمة بعد الاستقلال، عن جنوب هادئ ومسالم، قابل بكل أوضاعه، ليست بعيدة عن الصورة الكولنيالية التي روجت لها النخب العسكرية والإدارية الفرنسية لهذه المناطق وابنائها في فترة الاحتلال. وهي تركز على اختلافهم عن أبناء الشمال المتمردين بالسليقة، الذين احتكوا بالأفكار الغريبة عن هذه البلاد المنادية بالاستقلال والحرية. أفكار حملتها إليهم نخب عصرية، عكس أبناء الجنوب المسالمين، القابعين تحت سيطرة شيوخ الزوايا وأعيانها. صورة فلكلورية، يمكن متابعتها هذه الأيام بمناسبة انطلاق هذه الحملة الانتخابية الغريبة، التي تريد السلطة فرضها على الجزائريين، عبّرت عن نفسها بتوجه أغلبية المرشحين لها إلى أقصى الجنوب، لزيارة القبب والزوايا للتبرك بشيوخها، ونيل كراماتهم. كما جرت العادة منذ عقود لدى السياسي الرسمي. بعد الانتكاسة الفكرية التي عرفتها الجزائر، بداية من ثمانينيات القرن الماضي. بما سجلته من ردة على الفكر الإصلاحي الديني، لصالح الزوايا وفكرها الأسطوري، خوفا من الإسلام السياسي الجذري الصاعد. ردة كان وراءها سياسيا، بعض أبناء الزوايا، الذين وصلوا إلى التحكم في زمام الأمور على مستوى رئاسة الجمهورية وبعض مراكز القرار الأخرى، بداية من منتصف الثمانينيات.
مؤشرات كثيرة تُحمّل النخب مسؤولية ألا يتم العصف باستقرار الجزائر في هذا الظرف السياسي الذي تعيشه هذه الأيام
سيطرة، انطلقت بعدها عمليات ترميم للفكر الديني التقليدي ومؤسساته الرثة، خوفا من هذا الإسلام الجذري، ابن حواضر الشمال وشبابها، تحول بموجبه التبرك بشيوخ الزوايا، إلى أحد طقوس الحملات الانتخابية المزورة، التي باركها شيوخ وأعيان هذه الزوايا، كاستراتيجية سياسية للحافظ على مكانتهم في هذا المجتمع المتحرك، رغم كل مظاهر السكون البادية على السطح، خدمة لمصالحهم المالية، وتلك المرتبطة بالجاه والهيمنة، تريد الحفاظ عليها وتدعمها هذه النخب التقليدية، التي قبلت بهذه اللعبة واستكانت لها، ضمن مسار عائلي تاريخي قامت به منذ ما قبل استقلال البلاد..
نفهم، ضمن هذا السياق، لماذا لم يخطر على بال أي مرشح لهذه الانتخابات المرفوضة شعبيا، التواصل مثلا، مع الجامعات ونخبها العلمية، التي بدأت في التوسع والانتشار، في مدن أقصى الجنوب، بما فيها جامعة إدرار الافريقية، التي تم التفكير فيها لتكون همزة وصل بين هذه المناطق وعمقها الافريقي، بدول الساحل الملتهبة، على أكثر من صعيد. تماما كما فعل الأجداد تاريخيا، حين نشروا الإسلام وثقافته في هذا العمق الافريقي، عن طريق قوافلهم التجارية، وبعثاتهم الدينية التي دافعت عن إسلام متسامح وشعبي، مازال يقاوم التطرف والمغالاة لحد الساعة. مقابل النخب السياسية الرسمية الحاكمة التي طورت نظرة نيوكولنيالية وهي تتعامل مع الجنوب وأبنائه، مازالت تصر على تعيينهم لتسيير الشأن السياحي في شقه الفلكلوري، عندما تقبل على مضض بتعيينهم كوزراء في بعض الحالات النادرة، في حين تتعامل هي مع كل تعيين لها في الجنوب، مهما كان المنصب، كعقوبة مسلطة عليها. تعمل المستحيل للإفلات منها، وعدم تكرارها. هي التي مازالت مقتنعة بأن الجنوب لا يصلح للزيارة إلا في فصل الشتاء الدافئ، في المواسم والأعياد الدينية، التي يراد لها أن تتكرس كصورة نمطية دائمة، وليس فقط بطاقة تعريف، تباع كوجهة للسائح الأجنبي الباحث عن الغرابة والتوحش.
هي صورة الجنوب نفسها الذي مازال يتعامل معها هذا الفكر النيوكولونيالي الرسمي، الذي أُعيد إنتاجه، بعد الاستقلال، بشكل موسع، عن طريق برامج المدرسة العمومية ووسائل الإعلام وغيرها من الوسائط الأيديولوجية، بما فيها الصورة السياحية النمطية، لمجتمع تقليدي، يصعب أن يعبر عن نفسه من قبل أبنائه وبناته داخل مؤسسات الدولة، حتى لو كانت كل الشواهد تقول، على سبيل المثال، إن المرأة الترقية في ولاية جانت أو إيليزي، تماما مثل المرأة الحسًانية في تندوف، هي أكثر تحررا بكل المقاييس من أغلبية بنات مناطق الشمال. يكفي فقط التخلص من النظرة النيوكولنيالية الموروثة، التي ترسخت لدى النخبة الرسمية الحاكمة، التي تتعامل مع المظاهر الخارجية كاللباس والمظهر الخارجي للغوص إلى عمق هذه المجتمعات، لضمان عدم السقوط في قراءة استشراقية، عفا عليها الزمن، ليتحول بموجبه هذا التنوع الثقافي في هذا البلد القارة، إلى نعمة وليس نقمة كما يراد له أن يكون.
تنوع ثقافي لابد من إضافة له، ما يميز الجنوب من سعة جغرافية وضعف ديموغرافي، لابد من الانتباه له عند وضع السياسات، في منطقة حدودية لإقليم الساحل الافريقي، الذي يعرف حالة اضطراب قصوى، يمكن أن تمس بأسس الدولة الوطنية ذاتها في الكثير من دوله الهشة، تاريخيا. مؤشرات كثيرة تُحمّل هذه النخب مسؤوليات أكيدة، حتى لا يتم العصف باستقرار الجزائر في هذا الظرف السياسي الذي تعيشه هذه الأيام، بما تحمله من تحديات في الأيام القليلة القريبة. رغم ما عبر عنه الحراك السلمي عن مستويات وعي فائقة، وهو يتعامل مع محاولات اللعب الرسمي على شروخ المجتمع الثقافية واللغوية، التي تريد هذه النخب الرسمية، تكريسها كسياسة لفرض حضورها، حتى لو كان على حساب استقرار البلد وتطوره.
*كاتب جزائري
“واحدة قانعة وقابلة بأوضاعها، مهما ساءت، يفضل تسميتها بالجزائر العميقة..” لا أشاطرك الرأي دكتور في تعبيرك “مهما ساءت ” لأن هذه الفئة المسماة بالجزائر العميقة وهي تمثل السواد الأعظم من الشعب لا تريد الانجرار وراء حركات مشبوهة كالتي رأيناها تركب الموج بأدراج البريد المركزي وتلوح بمطالب وبألوان حاربها الشعب بالأمس من أجل نيل استقلالها والحفاظ على مكتسباته ومقوماته ، المشكل يادكتور أن ما يصطلح عليه بالجزائر العميقة لها قناعات نتجت من رحم معاناته وويلاته السابقة وهو في هذا أفقه وأعلم من النخب التي نتكلم عنها ، ما أنجز حتى اليوم عظيم لكن ليس على حساب الوطن.
انتم ايها المثقفون يجب ان تتخلوا عن الافكار الكولنيالية الغربية باسم الحرية و حقوق الانسان لتدمير الاوطان
عندما نقرأ يااستاذ ناصر ..مايكتبه كتبة نظام 62 المنقلب على المشروعية التحريرية. ..ومنهم من تمرغوا إلى درجة تفوق التخمة في المناصب والمكاسب. ..؛سندرك بداهة أن القوم يراهنون بإلحاح شديد على أمرين لاثالث لهما. …الأول تكريس ماسمي بالانتخابات وما سيلزم عنها بأي شكل من الأشكال. ..ولو اقتضى الحال ممارسة الفجور التخويني إلى أقصى درجاته في حق كل يطمحون في غد جديد لاوجود فيه للنهب والسلب. ..وسيادة البوط العسكري على كل المجالات والميادين….؛ والثاني جلب الموافقة الفرنسية واستجداءها لاستخدام التنكيل المعهود في حق كل من لم يرغب باستمرارية النظام الانقلابي بادرانه وكوارثه ومشيتيه. ..ولذك تجد في خطاب هؤلاء نبرة واضحة من الانفعال وفقدان الأعصاب. …لأنهم يشعرون انهم يجرون ضد الوقت لقتل إرادة الشعب. …
ما شاء الله دكتور جابي لم تترك لنا ما نضيفه، كتبت شخصيا لأكثر من عشرين سنة إلي النخبة الفاسدة السياسية خاصة نخبة حزب جبهة التحرير قائلة لهم دوام الحال من المحال و طار عقلي عندما سياسة السيد سلال القاتلة في ملف الغاز الصخري اجبرت الجيش للتدخل ليهدأ من روع سكان الجنوب الطيبين ممن يتمتعون بوعي سياسي و حضاري أفضل من لوبيات الموت و الفساد في دولة العز و الكرامة…
بعد فشل محاولة التفرقة بين العرب و الأمازيغ بشيطنة الراية الثقافية و الدعاية آن المظاهرات منحصرة على العاصمة اكتشف النظام خدعة اخرى و هي آن سكان الولايات الداخلية و الجنوبية يمكن التعويل عليهم في استمراره .و تذكر فجأة آن هناك سكان الجنوب يعيشون الحرمان و شرع في وعوده بالتكفل بظروفهم بجدية ، كأن سكان الشمال يعيشون في الجنة. من يعيش في الجنة الدنيوية هم أصحاب القرار و ز بانياتهم و أبنائهم ، اما باقي الجزائريين فهم سواسية في المعانات من نظام الفساد و الاستبداد.
الذي حاول ولم يفشل بعد في التفريق بين الأمازيغ والعرب هو فرحات مهني قبل اي احد آخر.. الذي طالب اتباعه في بداية الحراك ان يلقوا بالعلم الوطني في الزبالة ويحملوا راية الماك التي سرقها من الحركة البربرية وحولها الى راية لتقسيم الوطن..
من السخف اتهام نظام قام على الاطارات من أصل امازيغي ولا يزال.. ومن الاكثر سخفا اتهام قائد الاركان الامازبغي الشاوي انه ضد الامازيغ..
للخصومة السياسية حدودها التي لا يجب ان تتحاوزها الى هدم اركان الوطن وقيمه المشتركة.. ومن العار ان يتم تزوير الصراع السياسي وتصويره انه صراع هوياتي..
صحيح ان قائد الاركان ارتكب اخطاء سياسية خطيرة. ولكن لا تصل الى حد التحالف مع فرنسا كما فعل غيره على حساب وحدة الوطن..
إلى عبدالوهاب عليوات: لست بصدد الدفاع عن فرحات مهني و كنت من الأوائل ممن نددوا بطلبه المساس بالراية الوطنية و لكن هذا لا يبرر السياسة القمعية تجاه شباب الحراك بسبب رفع الراية الأمازيغية و ليس راية حركة الماك الانفصالية .دون أن ننسى سجن المجاهد بورقعة و النشطاء السياسيين و الصحفيين.القمع يولد الانفجار و لا يمكن إسكات صوت الشعب بالسياسة القمعية.