جماليات «السرقة الأدبية»!

حجم الخط
32

يمارس الروائي، غالبا، «السرقة الأدبية» دون أن يلقى عليه القبض نقديا.. أما السرقة المباحة فهي من الروائي الأكبر في تاريخ الأدب والوحيد الذي يستحق «جائزة نوبل» في الرواية! وأعني بذلك «القدر»، فهو الروائي الأول، وكل ما نفعله حقا- نحن الأدباء- هو (السرقة) من إبداعه في اللعب بمصائر الناس، محاولين أن نضفي على ذلك أفكارنا الوطنية أو العاطفية، أو الفكرية والسياسية.

تسع ساعات وحيدة في ليل البحر والغرق

ها هي البريطانية كاي لونغستاف (46 سنة)، جميلة، شقراء، طويلة القامة، رشيقة، وتعمل مضيفة جوية، تقع عن باخرة (نورويجن ستار) السياحية، كانت ثملة، وقبل سقوطها تشاجرت مع حبيبها الذي رافقها في رحلة (عاطفية!) إلى مدينة فينيسيا وسواها، لم تقُل بعدَ نجاتها أقفزت من ارتفاع عشرين مترا من الباخرة إلى الماء المظلم لتموت انتحارا أم دفعها حبيبها من الباخرة في غمرة الشجار الثمل، أم زلّت بها قدمها وسقطت؟!

النجاة بعد عدة ميتات ذعرا!

وتم إبلاغ قبطان باخرة (نورويجن ستار) عن سقوط راكبة في البحر، فعاد بالباخرة بحثا عنها ولم يجدها، فقد ابتعدت بها الأمواج زهاء كيلومتر عن مكان سقوطها، وهكذا تم إبلاغ ما حدث للمسؤولين عن الإنقاذ في تلك المياه الإقليمية، وتابعت الباخرة سيرها.
صباح اليوم التالي، عثرت عليها قــــوارب الإنقــــاذ، وقالت لحظة نجاتها إنها سعيدة لأنها ما زالت حية بعد أكثر من تسع ساعات قضتها «كاي» وحيدة في ظلمة البحر تطفو وتسبح. وحين نجت روت (ميتاتها العديدة) وحيدة في البحر المظلم طوال ساعات حتى طلع الفجر ولم تلتهمها سمكة قرش ولم تتجمد بردا ولم تخر قواها.

روعة المقاومة في كل حقل

تروي الناجية، سعيدة الحظ بنجاتها، حكاية تلك الساعات المرعبة في البحر، تقول إنها كانت تغني كي لا تموت بردا.. وإنها مارست اليوغا.. ولعلها صلّت.. وقال الأطباء إنها كانت سعيدة الحظ لأن حرارة الماء كانت 20 درجة مئوية وكان البحر هادئا.. ثم إنها شابة أربعينية بكامل صحتها الجسدية والعقلية.. أما جنون الحب فليس عاهة!

عوامل كثيرة ساهمت في نجاتها.. أهو السيد الحظ؟

ما الذي لفتني في تلك الرواية التي خطها القدر؟ هل مر عمرها أمام عينيها في ومضات وهي تواجه احتمالية الموت؟ هل صلّت؟ قالت الصحافة الغربية التي كتبت عنها إن نجاتها معجزة.. أما أنا فوجدت في ما حدث مشروعا لسرقة أدبية من القدر، وذلك لعمل روائي ليس عنها بالذات، بل عن بطلة أو بطل أختاره لرواية أسميها «عشر ساعات مع الموت»، مثلا.

السرقة الأدبية من الروائي القدر

القدر بالتأكيد هو الروائي الأول في التاريخ، الذي يهدي الأدباء منجما من ماس الكتابة، عليهم أن يحسنوا السرقة منه! وأنا من أصحاب السوابق في السرقة الأدبية من روايات القدر، ولا أدري لماذا يمارس البعض حماقة السرقة من الآخرين ومنجم الماس هذا أمامهم. والمهم فنيا صقلها في رواية قد أستوحيها من قصة «كاي» التي كتبها القدر، وفي وسعي تحويل المشرفة على الموت إلى صياد فلسطيني رمت به الغطرسة الإسرائيلية في البحر، وخلال الساعات التي قضاها في ليل الأمواج، يتذكر معاناته الطويلة مع الاحتلال الإسرائيلي الذي ينتهك إنسانية الفلسطيني بعدما احتل وطنه ورمى به إلى بحر الأحزان والانتهاكات، والعالم لاه عنه وعن عدالة قضيته، ثم يصلي لخالقه وهو يواجه الموت غرقا.
وفي وسعي الاحتفاظ ببطلة عانت انتهاكات بعض مجتمعاتنا العربية لحقوقها، بما في ذلك محاولة تزويجها- مثلا- من عجوز ثري، فرمت بنفسها في الماء ثم ندمت وقررت المقاومة.
في حكاية «كاي» التي خطها القدر مجال كبير للسرقة الأدبية، وتضمينها ما يريد الكاتب تحميلها من أفكار.. فلمَ إذن تلك السرقات الأدبية من الزملاء الأدباء؟

هل ثمة ما يدعى «الحظ» و«النحس»؟

يمكن للكاتب أن يجد في حكاية «كاي» ما يبرر اعتقاده- بصفته روائيا- بوجود شخص (منحوس) وآخر (محظوظ)، بما في ذلك حكاية أخرى خطها القدر-مثلا-عن رجل فاز مرتين بجائزة اليانصيب الكبرى في خمسة أشهر، وتحول من فقير أفريقي مهاجر إلى كندا إلى ثري كبير، هو ميليغ (28 سنة)، وكانت الجائزة الأولى مليون دولار ونصف والثانية نحو ذلك تقريبا.
القدر يكتب بأبجدية البشر حكايات كثيرة تغري (بالسرقة الأدبية) بعد إضفاء أفكارنا الشخصية عليها ورؤيتنا للدنيا ولمصائر البشر، سياسية كانت أم اقتصادية أم فكرية.

قاتلة زوجها صارت بطلة فيلم!

وهذه مثلا حكاية المرأة الفرنسية، جاكلين سوفاج، التي جاء مؤخرا من حولها، وهو (ايف رينيه)، إلى فيلم تلفزيوني (تمثيل مورييل روبان)؛ فهي التي أطلقت النار على زوجها السكّير (في حكاية هزت فرنسا وصحافتها) وقتلته بعدما ضربها وأذلها وأهانها طوال 47 سنة، واغتصب خلالها أولادهما.. وانتحر ابنهما الأكبر «باسكال» صبيحة قتلها لزوجها، ولكن حُكم عليها بالسجن.
رئيس الجمهورية، أولاند، أصدر عفوا عنها قبل انتهاء ولايته استجابة لتظاهرات نسائية لصالحها ولعرائض نسائية. وصدرت عنها رواية بلسانها بعنوان: «كنت أريد أن يتوقف ذلك»!
وهكذا، فأنا لست الوحيدة التي تمارس السرقة الأدبية من القدر.. بل وأشجع القارئ عاشق الكتابة على ممارسة تلك السرقة الحلال المباحة!

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Tawfiq Abdulrahman:

    يَا رَيحانةَ الحُبِّ فُوحِي …
    قَد سَرَقتِ رُوحِي …
    وَهأَنتِ بالسَّرقةِ تَبوحِي!

  2. يقول Tawfiq Abdulrahman:

    لا تَنوحِي ..
    لا تَنوحِي ..
    يَا رَيحانةَ الحبِّ فُوحِي …
    هأَنتِ بالسَّرقةِ تَبوحِي …
    قد سَرقتِ روحِي!

  3. يقول المغربي-المغرب.:

    هناك مقولة معروفة عند الفلاسفة. .وهي أنه ليس هناك جديد في مجال الفكر والإبداع بالمعنى المطلق للكلمة…ولكن هناك صياغة جديدة لمواد قديمة. .وهذا يؤكد بشكل واضح ان التلاقح الفكري وتوارد الخواطر والتأثير والتاثر الفكري والمعرفي هي عناصر حتمية في مجال الإبداع بمجالاته المختلفة…ومن هنا فإن إطلاق لفظ السرقة قد تكون بعيدة نسبيا عن الاحاطة بالمفهوم المقصود…وأما السرقات الحقيقية الواضحة فنجدها فيما يمارسه المتطفلون على العلوم والاداب من اختلاسات مبيتة تجعلنا أمام سلوكات ونماذج مافوية أصبحت مهيمنة في عالمنا العربي المنكوب على البحث العلمي والكتابة الأدبية. ..والنتيجة هذا التردي الكارثي شكلا ومضمونا وسلوكا. ..مما تزكم به انوفنا صباح مساء..وشكرا سيدتي الفاضلة ولجميع أعضاء المنتدى.

  4. يقول بولنوار قويدر-الجزائر:

    السلام عليكم
    تحية خاصة وخالصة أزفها لكم جميعا قرّاء ومعلقي القدس وبخاصة بعض الأسماء التي جرت في عروقنا دمنا وسكنت سويداء قلوبنا منهم :الإبن البار رؤوف بدران فلسطين الحب والمحبة غادة الشاويش شحرورة جريدتنا الأخت”منى” قد إفتقدناك من منبرنا نسأل الله أن يكون غيابك خيرا -لعله مولود جديد بهي الطلعة-معذرة إن تجاوزت حددي..وكذلك النجم الساطع الدراجي-شيخ المعلقين الكروي داود صاحب العليقات المميزة بقصرها الدسمة بمعانيها المكللة بأيات الرحمن- أستاذنا د.أثير الشيخلي -طبيب بلا طاولة ولامشرحة ولكن فقط بكلمة طيبة-المغربي المغرب تدخلاته الرائعة وصوت مراتكش نسائمه العليلة عبدالكريم البيضاوي -رياض المانيا كلماته النبيلة-سوري كلما قرأت لك تذكرت سوريا التاريخ المجد ودمسق عاصمة الكون نسأل الله أن يعيد عليكم العافية والأمن- والأمانسامة كليّة سوريا/ألمانيا وتدخلاته المميزة والتي تعتبر منبع لنيل الزاد –
    كل تحياتي لقرّاء القدس و قرّئها للمرة “ن” أي بعدد لا متناهي
    لله في خلقه شؤون
    وسبحان الله

  5. يقول محمود ابو عارف كولومبيا:

    ولماذا تسمي الكاتبة المبدعة القدر بانه مصدر للسرقة الأدبية ؟

    لماذا لاتسميه بالملهم ؟. اليست كلمة ملهم أقوى بكثير وأعلى مكانة من ” السرقة الأدبية ” وحتى وان كانت تستعملها على المجاز . فالسرقة هي أخذ شيء دون رضى مالكه ،. فمن يملك القدر كي ” يسرق الأديب منه”. فالقدر هو بيد الله
    ثم ان الحث على ” السرقة الأدبية” للادباء وان على المجاز قد لايكون مقبولا
    يرجى من الأديبة المبدعة ان تعيد النظر بذلك

  6. يقول المغربي-المغرب.:

    ألف شكر لك أستاذنا بولنوار. ..وإلى المزيد من تحليلاتك الجميلة الرائعة …ومواقفك الهاذفة. ..

  7. يقول S.S.Abdullah:

    أظن عنوان (جماليات «السرقة الأدبية»!) مع ربط السرقة من القدر (الرب) داخل الموضوع، تلخص إشكالية أي منتج لغوي من المثقف بلغة دولة الحداثة، مع معنى المعاني لمفهوم الرب والنبي، مع كل من يناقش هذا المنتج تحت عنوان (النقد والإصلاح)،

    وهذه ما لاحظتها مشكلة المشاكل بين من يدعي العلم في لغة الإسلام،

    وهو جاهل، بأبسط أصول الحوار والمحادثة، بين الأنا والآخر والمنتجات اللغوية، كأسرة إنسانية تحت لغة الإسلام، في أجواء العولمة والإقتصاد الإليكتروني،

    ومن هنا سر روعة مقالة (غادة السمان) للعملية الإنتاجية في مهنة الكتابة والتدوين اللغوي، في أجواء العولمة والإقتصاد الإلكتروني عام 2018،

    لتوضيح مشكلة الإنسان واللجوء وعملية الإنقاذ أو كيفية التعامل معه في عرض البحر الأبيض المتوسط، لمن كان يملك أوراق صادرة من جهة تملك حق النقض في الأمم المتحدة أم لا؟!

  8. يقول رؤوف بدران-فلسطين:

    الى محرري التعليقات والردود الكرام العاملين في القدس العربي :
    نرجوكم ونتوسل اليكم ان تزيدوا عدد الاحرف المتاحة في التعليقات, لكي تكتمل جماليات الرد وافٍ دون تقطيع او ترقيع , لان بهذه الزيادة المرتقبة من قبلكم , تجعلوا من المعقب والقاريء على حدٍ سواء يندمج مع المضمون الجمالي وتتبعه رجاءً… مع خالص مودتي واحترامي.

  9. يقول Tawfiq Abdulrahman:

    الموت فوق الصِّفر .. تحت الصِّفر!

  10. يقول محمد جمال دنورة:

    عزيزتي غادة
    السرقات الأدبية ثلاثة أنواع : ترجمة صريحة (2) اقتباس مع تزوير اسم المؤلف (3)وأقذرها اختراع جديد أسمه ”توارد خواطر“!! وبكل وقاحة يقول اللص:“ زي ما فكرت أنت فكرت أنا!!
    العار الكبير عدم وجود قوانين حازمة في البلاد العربية تحمي حقوق التأليف. واليونسكو العربية مسخرة!
    محمد جمال دنورة،(صديق قديم)
    مؤلف وكاتب روائي وكاتب سيناريو باللغات والأنظمة الثلاثة: العربية والإنكليزية والفرنسية في كافة التخصصات الأدبية

1 2 3 4

إشترك في قائمتنا البريدية