كم كان وجهها شبيها بالوصف الذي تقدّمه عن مدورة الجنة؟
كنتُ أمازحها، حين نلعب.. فنتعب.. فنجوع.. فأطلب منها قطعة من وجهها، لأنه يشبه حينذاك قرص الخبز الأبيض الساخن، تضحك وتمسح العرق السارح على خدّيها، فيتوهّجان بالحمرة. كنت أحلّق بخيالي وأحاول أن أطبق دائرة وجهها على قرصٍ وهميّ أتخيله أرض الجنة؛ فتشرق روحي بشيء لم أدرك كنههُ.. حتى كبرت وعلمت أنه الإيمان.
كم آمنت بجنتها، وشمسها، ومدورة خيالها الرائعة، وقرص الخبز الشهيّ أيضاً. تلك هي جميلة، أم الصبر. كنت أذهب إلى السوق معها، وأستظلّ بسياج الطين الطويل الممتد، كي أتقـّي حرارة الشمس في ظلّ فيئه، كانت أمّي تقول: الله خلق الشمس، كي تنير لنا الدرب، وخلق الفيء كي يبـّرد عظامنا، حين نطيل اللعب حتى الظهيرة! كانت تقسّم الدقيق الذي تحصل عليه من قسيمة «الحصّة التموينية» إلى قسمين؛ الأول تسدّ به جوعنا، والقسم الآخر تخبزه وتبيعه بالسوق لشراء علبة دواء لأختي الصغرى.
(القصّاب ) يتابعها بنظراتهِ أينما حلّتْ:
ـ يا جميلة!
ـ «هلا خوية»
ـ لا.. أقول أنتِ فعلاً جميلة.
تخجل.. تلفلفُ نفسها بالعباءة؛ دمعة ساخنة، ربما حارقة وحزينة وعاتبة تتدحرج لتسقط فوق آخر رغيف خبز لم يُبع. تلفّ الرغيف بقصاصة من صحيفة متهالكة منذ خبر تفجير قريب.. تضعهُ تحت عباءتها وتنهض.
ـ جميلة..
تصمت؛ لم ترّد بأي كلمة
ـ أنتِ بحاجة إلى هذه الدنانير؛ وأنا أحتاج إليكِ لليلة!
تتعثّر بخطواتها.. تسقط؛ لكنها تسمو بشرفها.
جميلة نهضت من كبوة الزمن، ليجثو الفقر راكعا أمام عفّتها.
قاصة عراقية
وأنا أقرأ حكايتك: { جميلة } الجميلة…انتابني صدق إحساس بانطلاق سهم مرتعش الرياش؛ بسرعة قصوى؛ فأصاب الهدف بصمت؛ كقذيفة تخدير؛ لا قذيفة تدمير…ورأيت عينيك تتابعه : { قذائف كعيون الجنّ تنطلق } كما قالها الشاعر بدرشاكر السيّاب.الحكاية رسالة وصلت أسرع من رسالة هارون الرشيد إلى نقفور( كلب الرّوم ).صعب أنْ تكون ( الكلمة ) سهمًا جميلًا لحكاية في زمن الصواريخ المجنحّة.فتخطأ تلك الصواريخ؛ وتصيب ( السهام ) من دون عويل ولا صراخ.
ــــــــــــــ
مساء الخيرات والعافية دكتور
رأيك وهذه القراءة للنص، جعلتني أفرح..
نعم فرحتُ لجملة: “.صعب أنْ تكون ( الكلمة ) سهمًا جميلًا لحكاية في زمن الصواريخ المجنحّة.فتخطأ تلك الصواريخ؛ وتصيب ( السهام ) من دون عويل ولا صراخ.”
أن تكون كلمتي أو حكايتي كما أشرت عزيزي فهذا يعني أنني حققت المراد، وهو أقصى غايات الكاتب – حسب اعتقادي- لأنني أكتب معاناة النساء ليقرأ الناس ما خفي عنها، أو ما لا تريد أن تطلع عليه الشمس..
أنا ممتنة جدًا لحضورك ومتابعتك
احترامي واعتزازي
أختي ذكرى المحترمة تقولين:{ لأنني أكتب معاناة النساء ليقرأ الناس ما خفي عنها، أو ما لا تريد أن تطلع عليه الشمس}
أرى؛ والرأي قبل شجاعة الشجعانِ ؛ أنْ تكتبي عن ألق النساء قبل معانتهنّ…لأنّ النساء ألقهم بحجم الحياة كلّها؛ ومن دونهنّ لا شيء إلا الأرض اليباب.غالبًا أميل إلى جانب التفاؤل والنّور…ولو كانت الدموع تملأ الأعين الحور.اكتبي عن كلّ
النساء؛ فالمرأة زينة الحياة وظلّ السّماء على الأرض.ألم تقرائي أوّل آيات الوحي: { اقرأ باسم ربّك الذي خلق؛ خلق الإنسان من علق }.ليدلّنا أنّ البدايّة المباركة من التكوّين الأوّل للإنسان؛ في موطنه الأمّ/ المرأة.حينما توفّيت والدتي صعقت.ثلاثة أيام بليالها؛ لم أنم ولم أتناول طعامًا ولم أشرب إلا الماء لمرّة واحدة فقط.انتابني إحساس أنّ جذوري سافرت إلى البحر الملح؛ فبقيت في جزيرة وحيدًا…أنادي ياصاح: أعيدوا إليّ جذوري قبل مجيء العاصفة.وكأنّ الله استجاب لندائي؛ فرزقني ببنت نسخة طبق الأصل من والدتي: شكلًا وسلوكًا وهيئة وطباعًا.فكنت أناديها باسم والدتي.
إنّ ألق المرأة العربيّة عجائبي؛ فيه بركةالحياة وجمال الوقار وصبر الزمان الأيوبيّ؛ ونعيمها الذي لا ينفد؛ هيولي.
قصة لطيفة وأسلوب الكاتبة قريب للقلب. وتعليق الدكتور جمال مذهل.
كل الشكر والتقدير عزيزتي أم نورة
نعم دكتور جمال دائما يتحفنا بتعليقاته المهمة والجميلة.
اجمل ماقرأت ياسيدة الكلمات
مبدعنا العزيز شكرًا لحضورك وتفاعلك الطيب
احترامي دائما