من ألطاف الله، في حوادث الاعتداءات اللاسامية التي وقعت قبل أيام في فرنسا، أن الذين دنسوا عشرات المقابر اليهودية بالشعارات والرسوم النازية ليسوا من الشبان المسلمين ذوي الأصول المغاربية والإفريقية، وإنما هم من الفرنسيين اليمينيين المتطرفين. كما أن الذين هاجموا الكاتب اليهودي المعروف آلان فنكيلكروت في أحد شوارع منطقة مونبارناس الباريسية بالسباب والشتائم العنصرية ليسوا من أبناء العرب والمسلمين وإنما هم من ذوي السترات الصفر الذين دأبوا منذ ثلاثة أشهر على تنظيم المظاهرات كل أسبوع احتجاجا على السحق الاجتماعي الذي تقترفه ماكينة الاقتصاد النيولبرالي ضد ملايين من العمال الذين سدت أمامهم آفاق العيش الكريم.
وأغلب الظن أن مجموعة المتظاهرين الذين اعتدوا على آلان فنكيلكروت لا معرفة لهم به، ولا اهتمام لهم بكتاباته في النقد الأدبي والفكري. وإنما مبلغ علمهم، على ما يبدو، أن الرجل من أشهر المثقفين اليهود وأنه من أعلاهم صوتا في الدفاع عن دولة إسرائيل، هذا فضلا عن أنه أحد أعضاء النخبة الفرنسية التي يعتقد ذوو السترات الصفر أنها منعّمة مرفهة والتي لا علاقة لهم بها سوى أنهم يمقتونها ولا يطيقونها.
هذا ما جنته اللاسامية الأوروبية على الحق العربي وعلى الحقيقة الإنسانية: قبل عقود كان إجماع الأمم أن «الصهيونية ضرب من العنصرية»؛ أما اليوم فقد استدارت الدنيا حتى صار ناقد هذه الصهيونية ذاتها مريضا بالعنصرية، كارها للساميّة ناكرا لجميلها!
وكالعادة، لم تؤد الاعتداءات اللاسامية إلى خدمة أي قضية سياسية أو أخلاقية. بل إن مرتكبيها حققوا عكس ما يرمون إليه، وقدموا أجلّ الخدمات إلى من يعتبرون أنهم أعداؤهم من اليهود والصهانية. فقد تمثل رد الفعل العام في خروج عشرات الآلاف من المتظاهرين في مختلف المدن الفرنسية للتعبير عن تنديدهم بجميع مظاهر العداء للسامية وعن تضامنهم مع مواطنيهم اليهود. أما الأهم والأخطر فهو أن الرئيس ماكرون سارع، في الخطاب الذي ألقاه أمام المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية الفرنسية الأربعاء، إلى إعلان إجراء سياسي يحقق مطمح اللوبي الصهيوني في أوروبا: إنه سن قانون جديد يعدّ مناهضة الصهيونية ضربا من العداء للسامية! ولأن ماكرون يعرف أن هذا القانون هدية تفرح ساسة دولة إسرائيل، فإنه حرص قبل إلقاء خطابه على مهاتفة نتنياهو لإخباره بأن الحكومة الفرنسية قررت، بسن هذا القانون، أن تتبنى تعريف اللاسامية الذي وضعه «التحالف الدولي لذكرى المحرقة».
وكان كل من البرلمان الأوروبي والمجلس الأوروبي قد أوصيا الدول الأعضاء أواخر العام الماضي بإدراج هذا التعريف، الذي وضعه الصهاينة، للاسامية في صلب القوانين الوطنية. ومعروف أن هذا قد حصل نتيجة ضغوط شديدة على الاتحاد الأوروبي مارستها المنظمات الصهيونية اللجوجة المؤيدة لنتانياهو.
أما ما يعنيه القبول بأن يكون الصهاينة هم الخصم والحكم في كل مسألة تتعلق باللاسامية فهو قبول منع انتقاد الصهيونية نهائيا. وما يعنيه هذا، عمليا، هو تحريم وتجريم أي انتقاد لدولة إسرائيل، باعتبار أن انتقاد ايديولوجيتها (الصهيونية) هو انتقاد لها. والنتيجة أن إسرائيل قد صارت من المقدسات وصار انتقادها من المحرمات. وهذا أحدث دليل على أن الاعتداءات الأوروبية على اليهود لا يمكن أن تصب إلا في مصلحة إسرائيل. غير أن المأساة أن اللاسامية ترغي وتزبد ولكن لا تعي أنها هي أوثق حليف موضوعي للصهيونية!
ولا يعني تفنن اللوبي الصهيوني في استخدام اللاسامية فزاعة للإخراس والترهيب أن كراهية اليهود ظاهرة طارئة بل إنها متمكّنة بعميق الجذور في قرار النفسية الأوروبية، كما أن تجلياتها في الأدب، بدءا من «يهودي مالطا» لكرستوفر مارلو و«تاجر البندقية» لشكسبير، أكثر من أن تحصى. وهنالك اليوم لاسامية رسمية تتبناها الدولة في المجر. كما أن بولندا شهدت قبل أشهر مظاهرات رفعت فيها شعارات لاسامية رغم أنه لم يبق في بولندا يهود أصلا! أما فرنسا، التي تزايدت فيها الاعتداءات على اليهود العام الماضي بنسبة 74 بالمائة، فإنها تشهد تجددا في الأعمال اللاسامية لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية.
هذا ما جنته اللاسامية الأوروبية على الحق العربي وعلى الحقيقة الإنسانية: قبل عقود كان إجماع الأمم أن «الصهيونية ضرب من العنصرية»؛ أما اليوم فقد استدارت الدنيا حتى صار ناقد هذه الصهيونية ذاتها مريضا بالعنصرية، كارها للساميّة ناكرا لجميلها!
كاتب تونسي
يتهم الصهاينة من خالفهم باللاسامية ومرات يتهمونا بها وكاننا مثلهم من بولاند وانجلاند وروسيا وامريكا تعالوا يا عالم وانظروا اي معاناة يذيقونها ليهود الشرق فتراهم يقطنون باحياء فقيرة جنوبي المدن تسود بها المخدرات وعصابات العالم السفلي فالشرقي عربي بحقوقه وصهيوني بواجباته فلهم الاعمال السوداء ويحرم من كثير من المناصب والاعمال والسلام على من اتبع الهدى0