الناصرة- “القدس العربي”:
يستعرض مستشار سابق للأمن القومي الإسرائيلي، مئير بن شبات، سبعة أسباب لأهمية “الاغتيال” المزعوم للقيادي الفلسطيني محمد الضيف، داعيا للمزيد منها ولمواصلة الحرب. فيما يدحض جنرال إسرائيلي آخر رؤيته، ويشدد على خطورة استمرار الحرب.
ويقول بن شبات في مقال نشره موقع القناة 12 العبرية، إنه حتّى كتابة هذه الأسطر، لم يتضح بعد مصير محمد الضيف. وبخلاف تقييمات إسرائيلية معاكسة تقلل من قيمة العملية من ناحية تغيير واقع الحرب ونتائجها، يعتبر أن زواله في هذه الأوضاع من قيادة حماس، سيشكّل ضربة نفسية صعبة للحركة، وسيلحق الضرر أيضاً بالقدرات القيادية وبالسيطرة واستراتيجية الحركة في مرحلة تحتاج فيها إليه أكثر من أي وقت مضى.
كما يقول بن شبات إن الهجوم على الضيف وسلامة ينضم إلى سلسلة اغتيالات لقادة ومسؤولين آخرين في الحركة، وسيجبر حماس على الاعتماد على ضبّاط أقل خبرة، وإعادة بناء التنسيق والتواصل من جديد في أوضاع ليست مثالية. زاعما أن “الإنجاز الاستخباراتي الإسرائيلي” يشكّل إهانة لحماس ويمرّر رسالة واضحة إلى السنوار وزملائه بشأن توجه إسرائيل، وهو ما يخدم أيضاً جهود إعادة الرهائن. ويزعم أن الصواب الآن هو الاستمرار في النهج نفسه وعدم التوقّف، ففي هذه المعركة، يجب عدم الاكتفاء بصورة نصر، حتّى ولو كانت هذه الصورة هي اغتيال محمد الضيف، وفق ما يقول.
يشدد بن شبات على أهمية اغتيال الضيف كونه القائد الحمساوي المركزي الذي حوّل حماس من حركة إلى كيان مع قدرات عسكرية، وكان أحد المخططين وقادة “طوفان الأقصى”. وخلال سنوات قيادته الطويلة للحركة ونجاته من محاولات إسرائيل اغتياله، تحوّل إلى شخصية ورمز.
وفيما يقلل مراقبون إسرائيليون من أهمية العملية ويعتبرونها نوعا من الانتقام ضمن حساب مع الماضي تخلو من أي قيمة مستقبلية، يرى بن شبات أنه من وجهة نظر إسرائيل، فإن اغتيال الضيف في هذا الوقت مهم جداً لهذه الأسباب:
أولاً، بسبب الضرر النفسي الذي سيلحق بحماس وقادتها ونشطائها في غزة، وقيادتها في الخارج وداعميها في الضفة. ويمكن افتراض أن البشائر من غزة ستضر بالمزاج العام أيضاً في إيران وحزب الله.
ثانياً، بسبب الضرر الذي سيلحق بالقدرات القيادية والسيطرة والتخطيط الاستراتيجي للحركة، وخصوصاً بسبب الخبرة الطويلة التي جمعها الضيف خلال سنوات عمله الطويلة، ومعرفته بطريقة عمل إسرائيل، والثقة الكبيرة التي يتمتّع بها من جانب مَن يقودهم. فالضيف كان مركزيا في صياغة سياسة حماس، وقاد شخصيا مسارات بناء القوة العسكرية للحركة، وكان يقف وراء عمليّاتها المركزية لسنوات.
ثالثاً، بسبب التأثير الإيجابي الذي يمكن أن يكون لهذه الخطوة في جهود إعادة المحتجزين.
رابعاً، بسبب التأثير في الوعي الذي تُحدثه هذه الخطوة في مكانة حماس في نظر الغزيين، وهي خطوة ستقوّي شعور تفكّك حماس، وتساهم في الجهود المعقدة التي تشجّع نمو قوة أُخرى، حتّى لو لم يكُن بصورة فورية.
خامساً، بسبب الردع الذي يشكّله هذا في كل ما يخص اختباء قيادات حماس داخل الجمهور وقد مرّرت إسرائيل رسالة واضحة فحواها أن استعمال المجتمع كملجأ إنساني ليس آمناً دائماً.
سادساً، لإيضاح أن الاتجاه الهجومي لإسرائيل لم يتوقّف، وأنها مصمّمة على الاستمرار في القتال حتّى تحقيق جميع أهداف الحرب.
سابعاً، هذه الخطوة توضح للولايات المتحدة ودول أخرى وكل من يريد إيقاف الحرب، أن هناك فائدة وجدوى من استمرارها.
ضمن مزاعمه المتماثلة مع توجهات نتنياهو، يدعي بن شبات أنه حتى لو لم تكُن هذه واحدة من أهداف الحرب، فلا يجب التقليل من أهمية ومساهمة هذه العملية في رفع معنويات إلاسرائيليين، وتعزيز الثقة بالمؤسسة الأمنية بكل مكوناتها. ويضيف: “رغم ذلك، فمن المهم التذكّر خلال كتابة هذه الأسطر أن الصورة لم تتضح بشأن وضع الضيف. وبغض النظر عما إذا تم اغتياله أم لا، فإنه من المهم الإشادة بالمنظومة الأمنية والمستوى السياسي على هذه العملية وتنفيذها، ويجب الاستمرار في جهود اغتيال الضباط الذين تبقّوا وبدائلهم، وزيادة الضغط الميداني عبر عمليات هجومية تدفع السكان إلى التنقل خارج مناطق القتال، وأيضاً عبر إلحاق الضرر المنهجي بالمؤسسات التي تشغلها حماس وتضمن استمرار حكمها.
بن شبات المعروف بمواقفه الصهيونية المتشددة، يرى أنه من الصواب تسريع إقامة مناطق إنسانية تسمح بنزع السيطرة على المساعدات الإنسانية من حماس، وزيادة الجهوزية في الضفة الغربية وخط التماس والاستمرار في العمليات المنهجية لمحاربة بؤر “الإرهاب” والقضاء على البنى التحتية للسلاح في هذه المنطقة.
مقابل ذلك، يرى رئيس المعارضة يائير لبيد، أن مصلحة إسرائيل تقتضي اليوم وقف الحرب وإتمام صفقة. وردّا على سؤال إذاعة جيش الاحتلال، قال إنه ينبغي استبدال الحرب بمساع دبلوماسية مع حزب الله إذا توفرّت فرصة لذلك، متهما نتنياهو بمواصلة مآربه ومساعيه لإفشال الصفقة بطرح شروط وخطوط حمر جديدة لم ترد في المقترح الأمريكي، الإسرائيلي الأصل للصفقة.
كما يؤكد مجددا مستشار سابق آخر للأمن القومي، الجنرال في الاحتياط، غيورا آيلاند، أن استمرار الحرب ينطوي على مخاطر وجودية على إسرائيل.
وفي مقال تنشره صحيفة “يديعوت أحرونوت” تحت عنوان “حرب مختلفة تماما” ينبه آيلاند أن الحرب الدائرة منذ 10 شهور، ليست مجرد جولة قتال مقابل حماس، بل كفاح فيه تحدٍ على وجود إسرائيل مقابل إمبراطورية إيرانية نجحت جزئيا في خلق “سوار للنار” حول الدولة العبرية.
ويخلص آيلاند للقول: “لن نستطيع مواجهة هذا الخطر في العقد القادم بحال واصلنا حرب الاستنزاف في الجنوب والشمال، وفي حال بدّدنا الموارد الاقتصادية ولم نعرف كيف نرمّم الجيش وحالتنا الدولية وكذلك الأزمة الداخلية”.
يشار في سياق الحديث عن الاستنزاف إلى أن “يديعوت أحرونوت” كشفت أمس عن اعتراف جيش الاحتلال للمرة الأولى بوجود نقص في الدبابات والذخائر، وفي جنود وضباط أصيبوا أو قتلوا في الحرب.
وهذا ما يؤكده محرر الشؤون الشرق أوسطية في صحيفة “هآرتس” دكتور تسفي بار إيل، الذي يحذّر من أن مماطلة وعرقلة نتنياهو مساعي الصفقة حتى الانتخابات الأمريكية لا يهدد فقط المخطوفين، بل يضاعف مخاطر حرب إقليمية مع حزب الله.
وبخلاف مزاعم بن شبات، يشدد بار إيل، على أن الصفقة أهم من اغتيال الضيف الذي يعتبر نوعا من الانتقام وحسابا مع الماضي لا يشمل أي قيمة استراتيجية تؤدي لتغيير واقع الحال، لافتا لأهمية البحث عن بديل سلطوي لحماس داخل القطاع وهو “الانتصار الحقيقي” عليها.
من جانبه، يواصل الباحث في الشؤون الفلسطينية في جامعة تل أبيب، الجنرال في الاحتياط دكتور ميخائيل ميليشتاين، في حديث للإذاعة العبرية العامة اليوم، أن غياب الضيف لن يؤثّر على حماس ولا على قرارات السنوار كونها حركة جهادية، وكونه مؤمن بالشهادة لا يخشى الموت.
ويحذّر ميليشتاين هو الآخر من أن استمرار الحرب وتفاعلاتها من شأنه إشعال انتفاضة خطيرة مكلفة للاحتلال في الضفة الغربية.
وتتفق معه المحللة البارزة في “هآرتس” يوعناه غونين، التي تعلق على تحقيق شبكة “سي إن إن” أمس حول المستوطنين، محذرّة من أنهم باعتداءاتهم يحولون الضفة الغربية لطنجرة ضغط نتيجة التنكيل والتعذيب والتهويد ضد الفلسطينيين.