الناصرة- “القدس العربي”: في اليوم العشرين للحرب على غزة، عَادَ رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو للتهديد والوعيد باجتياح بري، وقال إنه قادم بعدما يتم تحديد موعده، فيما نشر الجيش شريط فيدو قال فيه إن سرية من قواته قامت بدخول شمال القطاع، ودمرت منشآت للمقاومة الفلسطينية وغادرت المكان.
وفي إسرائيل والعالم تتواصل التفسيرات والتحليلات والتسريبات غير الخالية من احتمالات تضليل إسرائيلية حول عدم إخراج التهديدات بحملة برية على غزة لحيز التنفيذ. وقالت جهات إعلامية إسرائيلية، نقلاً عن مصادر أمريكية وإسرائيلية، إن نتنياهو استجاب لطلب أمريكي بالتريث مع الحملة البرية لكي تتمكن الولايات المتحدة بدفع أسلحة تمكّنها من حماية قواتها في المنطقة. هذا بالإضافة إلى تسريبات وتحليلات سابقة قالت، في الأيام الأخيرة، إن الحملة البرية تتأخر لأن الجيش الإسرائيلي ينتزع معلومات عسكرية هامة من خلال التحقيق مع أسرى “حماس” و”الجهاد الإسلامي”.
كذلك تتواصل الترجيحات المحلية بأن إسرائيل ترغب بالتأكد من نوايا “حزب الله” وتحاشي الحرب في جبهتين، واندلاع جبهات أخرى كالضفة الغربية وأراضي 48، علاوة على تحذيرات أمريكية وإسرائيلية من عدم وجود خطة عسكرية لاحتلال غزة وإسقاط “حماس” وخطة لليوم التالي.
حذّرَ بريك من التسرع بعملية برية، معتبراً أنها ستكون مصيدة، وقد تشكّل هزيمة عسكرية مباشرة لإسرائيل
وهناك من يشير لمخاوف سياسية لدى نتنياهو من عودة حملة برية واسعة كيداً مرتداً عليه، في حال تورطت إسرائيل في رمال غزة، كما يقر بشكل منهجي الجنرال في الاحتياط يتسحاق بريك، الذي اجتمع بنتنياهو به لهذا الغرض مرتين، علماً أن جهات إسرائيلية ترى بأن نتنياهو يستخدم بريك كغطاء وتبرير لعدم رغبته أصلاً بمثل هذه الحملة البرية، والآن بمقدوره الاختباء خلف مثل هؤلاء الجنرالات ممن يشككون بجهوزية الجيش.
في تقرير جديد يقول المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية “مدار” إن اسم الجنرال الإسرائيلي إسحق بريك عاد، في الأيام الأخيرة، إلى عناوين وسائل الإعلام العبرية، في ظل الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة. وتولى بريك، ذو الخبرة العسكرية الطويلة في سلاح المدرعات بين عامي 2009 و2018، قيادة “مفوضية شكاوى الجنود”، والتي تتلقى الملاحظات العامة حول الجيش ووضعه ووضع الجنود وشكاواهم الشخصية والمتعلقة بخدمتهم العسكرية.
وأعدَّ بريك، في فترة توليه منصبه، عدة تقارير حول وضع الجيش وجهوزيته للحرب، تناول مركز “مدار” أبرزها، في مقال سابق. تضمَّنَ التقرير المكون من 270 صفحة، والذي قدمه “للجنة مراقبة الدولة”، عام 2018، الكثير من الانتقادات الشديدة لتردي مستوى الجيش، ووجود سلسلة من المشاكل، خاصة في سلاح البر. وقال إنه زار 1400 وحدة عسكرية، وتحدث مع عشرات الآلاف من القادة والجنود خلال عمله، فوجد مشاكل صعبة على المستويات اللوجستية والتكنولوجية والتنفيذية، وتمت معالجة هذه المشاكل، “ولكن المشكلة الرئيسة التي بقيت هي الثقافة التنظيمية، ثقافة الكذب، والتغطية على الخلل، وهي مشكلة عميقة لم يتم حلها”. ولسوء الوضع في الجيش الإسرائيلي، طالب بريك، حينها، بتشكيل لجنة تحقيق رسمية في هذا الجانب، في ظل سياسة الصمت المتّبعة من قبل الضباط في كافة الوحدات، وعدم تقديم حقيقة الواقع السيئ في الجيش كما هو للمستوى السياسي.
وقال بريك إن إسرائيل قد تتعرض لضربة هائلة قد يقتل فيها الآلاف، إذا اضطرت إلى خوض حرب متعددة الجبهات، وإن منظومة “القبة الحديدية” هي “ذر للرماد في العيون”، مع عدم تقليله من فاعليتها، موضحاً أنها “ستكون دون جدوى أمام 250 ألف صاروخ قد تُوَجّه إلى إسرائيل، الكثير منها صواريخ ذات دقة إصابة عالية، وذات مدى بمئات الكيلومترات، وقادرة على حمل رؤوس متفجرة تزن مئات الكيلوغرامات”.
بريك كان قد تقاعَدَ في العام 2018، وبعد التصعيد في أيار 2021 عاد إلى توجيه الانتقادات إلى المستويات السياسية والعسكرية، وخاصة الاعتماد على سلاح الجو فقط في الحرب، معتبراً أن الفصائل الفلسطينية في غزة حققت الانتصار في هذه المعركة. وقال إنه يجب ضرب المواقع التي يختبئ فيها قادة “حماس” تحت الأرض في عمق غزة، وتحت المستشفيات وفي الملاجئ والأنفاق، إذ تتخذ القرارات من قبل هؤلاء، وهناك يتم تصنيع الصواريخ، وهذه الأهداف لا يمكن لسلاح الجو استهدافها، لأن غارة جوية قوية إلى منطقة سكنية قد تؤدي إلى مقتل آلاف الفلسطينيين، وستجد إسرائيل نفسها في مواجهة انتقادات دولية شديدة. وأضاف بريك أن إسرائيل تخشى من أن تدخل مواجهة عسكرية برية قد يقتل فيها عدد كبير من الجنود، لذلك تعتمد على سلاح الجو، وعلّق على ذلك قائلاً: “إن من يخشى أن يقتل في الحرب لا يحقق الانتصارات”، في إشارة منه إلى ضرورة اللجوء للحرب البرية.
مع اندلاع الحرب الحالية في قطاع غزة، ومع استعداد الجيش الإسرائيلي لعملية برية في القطاع، حذر بريك، في لقاءات صحافية، آخرها حديث مطول مع ملحق صحيفة “معاريف”، من التسرع في البدء بالعملية البرية، معتبراً أنها ستكون مصيدة موت للجنود، وقد تشكّل هزيمة عسكرية مباشرة لإسرائيل تكبدها خسائر بشرية كبيرة.
وقال بريك، في مقابلة مع الإذاعة العبرية العامة، أمس، إن حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” كانتا تدركان أن الجيش سيدخل برياً، لذلك استعدّتا بشكل جيد قبل عملية السابع من أكتوبر، فأعدّتا العبوات المتفجرة الجانبية، وعبوات تنفجر تحت المركبات، وحقول ألغام وكمائن وصواريخ مضادة للدروع على مفترقات الطرق في ذروة الدخول البري لغزة. وسيتكبّد الجيش الكثير من الخسائر.
بريك: الحل هو فرض حصار يدوم شهوراً على قطاع غزة من دون ماء وطعام ووقود، مع الاستمرار في إضعاف الفصائل الفلسطينية بضربها بكل قوة
والهدف من الدخول إلى قطاع غزة هو القضاء على مقاتلي “حماس” و”الجهاد” في الأنفاق، وهذه مهمة صعبة جداً ستستغرق عدة شهور. وستحدث اشتباكات خلال محاولة الجنود الدخول إلى مناطق للوصول إلى مداخل الأنفاق. ويمضي بريك في تحذيراته: “في هذه الأثناء ستكون هناك قوات كبيرة من الجيش لمساندة هؤلاء في قطاع غزة، وستتعرض لضربات لعدة شهور، وستكون هناك صعوبات كبيرة في عملية تزويد هؤلاء بالوقود والماء والطعام والمعدات وإخلاء المصابين كما ستحدث مشاكل تقنية. وستكون هناك مشاكل في تأمين القوات والدعم اللوجيستي. ومع هذا سيفشل الجيش في القضاء على 30 إلى 40 ألفاً من المسلحين في الأنفاق. الجيش سيتعرض إلى خسائر كبيرة، ولن ينجز المهمة. وسيكون هذا بمثابة انتصار لحركة “حماس”. كما أن الدخول البري قد يفجّر حرباً إقليمية سيكون ثمنها أضعاف الوضع الحالي.
ويوضح “مدار” أن الحل، من وجهة نظر بريك، هو فرض حصار يدوم شهوراً على قطاع غزة من دون ماء وطعام ووقود، “مع الاستمرار في إضعاف الفصائل الفلسطينية بضربها بكل قوة، على أن يستغل الجيش هذه الفترة للتدرّب على خوض هذه الحرب، لأنه حالياً ليس مؤهلاً بشكل جيد للعملية البرية، لا على مستوى التدريبات، ولا التعامل مع المعدات الجديدة، ولا تملك الكثير من وحداته دراية كافية بطبيعة المنطقة.
وأكد بريك أن “ما سبق هو السبب الرئيس في تردد نتنياهو بإعطاء الضوء الأخضر للبدء بالعملية البرية، وأنه شخصياً أوصى نتنياهو بضرورة الانتظار، ليس فقط بسبب المعركة في غزة، بل أيضاً لأن “الجبهة الداخلية (الحيّز المدني الإسرائيلي) ليست مستعدة، وقد تتعرّض إلى ضرر كبير، ولذلك، وبدلاً من الدخول البري الآن، ومقتل مئات الجنود، يجب خوض حرب استنزاف مع الفصائل، وفي الوقت نفسه إعداد الجيش والجبهة الداخلية جيداً، وبعدها يتقرر كيف سيكون الدخول إلى غزة، والعملية قد تستغرق شهوراً وسنوات، فالأمر لن ينتهي بضربة واحدة. وفي حالتنا فإن (العجلة من الشيطان)”.
وأشار موقع “واللا” العبري إلى أن نتنياهو التقى بريك خلال الحرب الحالية مرتين، وهو ما أكده بريك في حديثه عن توصياته التي قدمها إلى نتنياهو. كما أشار “واللا” إلى أن بريك بات “نبي الغضب” في الجيش، لأنه يرى أن الجيش غير مستعد للحرب في غزة، ولا لحرب إقليمية متعددة الجبهات.
وعن المسؤولين عن الإخفاق في السابع من أكتوبر، قال بريك، في مقابلة مع “قناة 14” المقربة من نتنياهو: “عليهم جميعاً أن يدفعوا الثمن، هناك من سيدفعه بعد الحرب، وهناك من يجب أن يدفعه الآن، يجب أن يقدم رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (“أمان”) وقائد المنطقة الجنوبية استقالتيهما فوراً، لأنهما متورطان شخصياً في الإخفاق الذي حدث، فقد تجاهلا التحذيرات الخطيرة في “غلاف غزة” في الليلة التي سبقت الهجوم، وكانا نائمين، الجيش سلّم بفكرة أنهم (في قطاع غزة) باتوا مردوعين. لقد أنفقَ الجيش المليارات للتعامل مع التقارير التي أعددتها، لكنهم لم يقرأوها، لا رئيس الأركان ولا العمداء، في السنوات العشرين الأخيرة، لم يقرأوا التقارير التي تقول إن الجيش غير مستعد، وفعلوا ما باستطاعتهم لإسكاتي، وهم الآن باتوا في الكابينيت، ويتحمّلون جزءاً كبيراً من المسؤولية عن الوضع الذي وصل إليه الجيش”.