الناصرة- “القدس العربي”:
يرى رئيس الاستخبارات العسكرية السابق الجنرال في الاحتياط عاموس يادلين، أن ذراع إسرائيل الطولى وصلت اليمن، لكن ينبغي أن تكون عيونها على إيران ولبنان.
ويقول يادلين في مقال جديد نشره موقع القناة 12 العبرية، إن الهجوم الناجح لسلاح الجو على اليمن، كان خطوة مهمة لتعزيز الردع الإسرائيلي، ونموذجاً صحيحاً لاستخدام القوة الجوية ضد أهداف مهمة في بنى تحتية وطنية تُستخدم لأغراض عسكرية. فالحوثيون، كجزء من المحور الإيراني، يطلقون منذ تسعة أشهر صواريخ ومسيّرات في اتجاه إسرائيل، وتسببوا بوقف الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، وبشلّ ميناء إيلات، وهددوا برفع درجة الهجمات على مرفأي حيفا وأسدود قبل الهجوم الإسرائيلي.
ويؤكد أن إسرائيل قرّرت في الماضي عدم الرد على هجمات الحوثيين لثلاثة أسباب: حتى الهجوم الذي تعرضت له تل أبيب يوم الجمعة الماضي، فإنه لم يكبد إسرائيل أضرارا مهمة. لقد أخذت الولايات المتحدة، حليفة إسرائيل، والدول الغربية على عاتقها مهمة إنشاء قوة خاصة لوقف الهجمات ونجحت هذه العمليات في اعتراض أغلبية الصواريخ وقليل منها اعترضته منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية.
ويقول أيضا إن القتال في غزة والشمال كان يبدو أكثر أهمية وإلحاحا، من وجهة نظر قادة الجيش ولم يجدوا أنه من الصواب التوظيف في جبهة إضافية، لكن بعد مقتل مواطن إسرائيلي للمرة الأولى، وحقيقة أن الحوثيين يتوجهون نحو حرب استنزاف طويلة، حان الوقت للرد بقوة.
– خطوة لترميم الردع وتعزيزه: يشير يادلين لانهيار الردع الإسرائيلي بعد “طوفان الأقصى”، وانضمام حزب الله والميليشيات العراقية والحوثيين في اليمن إلى الحرب، والهجوم الإيراني المباشر في نيسان/ أبريل، وأنها أمور أثبتت أن الردع في هذه المجالات تضرر أيضاً. مع ذلك، يقول إنه من المهم الإدراك أن الردع ليس مصطلحاً ثنائياً، بل هو حصيلة معقدة ومتعددة الأبعاد: المناورة البرية الناجحة في غزة، الدمار الهائل في القطاع، تفكيك القدرات العسكرية لحماس، حجم خسائرها والضرر الواضح الذي لحق بالأرصدة العسكرية لحزب الله، وبقياداته ومقاتليه، بالإضافة إلى تقديم نموذج من القدرات الهجومية الاستراتيجية لإسرائيل في إيران في نيسان/ أبريل، ويوم السبت في اليمن، كل ذلك هو تذكير مهم بقدرة إسرائيل على مهاجمة أعدائها القريبين والبعيدين، وإصرارها على القيام بذلك. وهذا من شأنه أن يساعد في ترسيخ الردع الإسرائيلي.
– سلاح الجو كعنصر مركزي في الأمن الإسرائيلي: يقول يادلين: “أثبت سلاح الجو، الذي نوظف فيه موارد كثيرة وقوة بشرية نوعية، مرة أخرى، جاهزيته العملانية والاستراتيجية. إن القدرة على التخطيط والتنفيذ خلال وقت قصير جداً، لعملية كبيرة ضد بنى تحتية حكومية في دولة معادية وبعيدة، تُظهر بناء القوة الصحيح والتخطيط المسبق الذي دخل حيز التنفيذ في الوقت الصحيح. بنى سلاح الجو، وحسّن خلال عقود، قدرة تقدّم لإسرائيل قدرات عملانية واستراتيجية مميزة ومذهلة: ذراع طويلة قوية ومرنة تسمح بعمل متنوع”.
– الاشتباك مع الحوثيين هو أوسع كثيراً من تبادل الضربات بين إسرائيل واليمن: يوجد في الخلفية صراعان كبيران: الصراع العالمي بين الدول العظمى، والصراع الإقليمي بين المحور الإيراني وبين المعارضين له. الضرر الذي تسبب به الحوثيون لإسرائيل هو أقل من الضرر الكبير الذي ألحقوه بالاقتصاد العالمي، إغلاق مسار الملاحة إلى أوروبا، ومن الشرق، إغراق سفن من دون تمييز، الإضرار بشدة بالعائدات المصرية من العبور البحري في قناة السويس، الإضرار بمرفأ العقبة في الأردن والمرافئ في البحر المتوسط. ومؤخراً، تحدث الحوثيون عن تطوير صاروخ يصل إلى أوروبا، وهذا تحذير من الآتي. روسيا تربح من ارتفاع أسعار النفط، ومن تحوُّل الاهتمام عمّا يحدث في أوكرانيا.
وبحسب تقارير أمريكية، يحصل الحوثيون على مساعدة من روسيا في مجال الاستخبارات، وربما أيضاً السلاح المتطور، رداً على المساعدات الغربية لأوكرانيا. في المعركة الإقليمية، يحصل الحوثيون على التمويل والسلاح والاستخبارات والتكنولوجيا من إيران. وبالنسبة إلى إيران، هم جزء لا يتجزأ من “سوار النار” والاستنزاف الذي تستخدمه ضد إسرائيل، وفي الصراع مع السعودية والإمارات على النفوذ في الخليج الفارسي، وفي المنطقة. إن قدرة الدفاع الإسرائيلي والإقليمي التي ظهرت في نيسان/ أبريل، والقدرات الهجومية التي ظهرت في الأمس، ستعزز اتفاقات أبراهام وتشكل العمود الفقري لبنية أمنية إقليمية، ولتطبيع مستقبلي مع السعودية.
– الاستعداد لمواجهة الرد الحوثي: هدد الحوثيون بـ”ردّ قاس”، لكن قدرتهم محدودة، بعد أن أطلقوا على إسرائيل جزءاً كبيراً من مخزونهم من الصواريخ والمسيّرات. الرد الحوثي سيصطدم بخط دفاع من الأسطولين الأمريكي والبريطاني. لقد أوضح الهجوم الإسرائيلي للحوثيين مدى ضعفهم ولمّحت إسرائيل إلى قدرتها على التسبب بأضرار لأرصدة استراتيجية أخرى. مع ذلك، يجب الاستعداد لمعركة طويلة وكبيرة ستجري بمشاركة تحالف غربي من خلال تحديد الأولويات في الوقت الحقيقي بين الساحات.
– الاستعداد لردّ من المحور: في موازاة الاستعدادات بجبهة البحر الأحمر، يجب الاستعداد لارتفاع درجة التصعيد من جانب طرف آخر في هذا المحور، إيران أو حزب الله.
يبدو أن الحزب تجنّب منذ أشهر توسيع المعركة، ولم تتدخل إيران مباشرة في القتال منذ نيسان/ أبريل. ومع ذلك، حتى لو كانت الاحتمالات ضئيلة، من المهم الاستعداد استخباراتياً وعملانياً، لرد من المحور.
في الختام، يخلص يادلين للتأكيد مجددا على أن المفتاح يبقى في غزة، وفي صفقة المخطوفين: الهجوم على اليمن، مهما كان ناجحاً، لن يغيّر بصورة جوهرية الحرب متعددة الجبهات. المفتاح في غزة، هناك بدأت الحرب، ووقف الحرب فيها سيؤدي إلى نهايتها. لقد صرّح حزب الله والحوثيون بأنهم سيوقفون إطلاق النار، فقط عندما تتوقف الحرب في غزة.
وتبقى صفقة المخطوفين واجباً أخلاقياً من الدرجة الأولى، وهي ليست فقط المفتاح لإنهاء الحرب، بل هي أيضاً خطوة استراتيجية واسعة النطاق وضرورية لترميم وتحسين الأمن في إسرائيل: وقف القتال في الشمال والجنوب، عودة سكان النقب الغربي والجليل الأعلى إلى منازلهم، والدفع قدماً باتفاقات التطبيع مع السعودية، وإنشاء تحالف لمواجهة التحدي الإيراني بكل أبعاده في التوقيت الصحيح، وبتعاون إقليمي ودولي.