جنوب لبنان… أرض الجيوش الثلاثة

حجم الخط
2

إن الركن الأساسي في سياسة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بالنسبة للبنان، في إطار التفاهمات، هو مسؤولية حكومة لبنان السيادية عما يجري على أراضيه. والتطلع إلى أن تقوم بتنفيذ التزاماتها من خلال حوار “إستراتيجية الدفاع القومي”، وبواسطة نشر جيشها ونشاطها. العمود الداعم لذلك هو تعزيز الجيش اللبناني كمؤسسة ورمز للوحدة المصطنعة في لبنان. هذان العمودان يقفان على آمال عبثية وافتراضات كاذبة وواقع متخيل. وبناء على ذلك، لا يوجد أي احتمال لأن تدفع قدماً بالأهداف المعلنة (دولة لبنان السيادية التي تسيطر على أراضيها وسلاحها) أو الظاهرة (شراء الهدوء وتقليل الأخطار).

في السنة الماضية، وقعت أحداث عدة كشفت بصورة بارزة الفجوة بين الواقع على الأرض وبين ظهورها في تقارير الأمم المتحدة وفي خطوط السياسة. القصة الرئيسية مصدرها عملية الجيش الإسرائيلي “درع الشمال” التي كشفت الأنفاق الهجومية التي حفرها حزب الله خلال سنوات من الأراضي اللبنانية إلى داخل أراضي إسرائيل؛ كإعداد لهجوم بري واسع ومفاجئ أثناء الحرب. الجيش الإسرائيلي عثر على ستة أنفاق اخترقت الخط الأزرق نحو أراضي إسرائيل، قام بتحييدها واستدعى قوة اليونفيل لزيارتها، ويبدو أيضاً أنه نقل إليها المعلومات فيما يتعلق بمواقع الدخول إليها في الجانب اللبناني.

قوة اليونفيل صادقت على وجود خمسة أنفاق منها (واحد تم تدميره قبل قيامهم بزيارته)، واختراق ثلاثة أنفاق للخط الأزرق، بداية أحدها في مصنع للباطون في قرية كيلا بعد أن تدفق منه الباطون الذي تم ضخه من الجانب الإسرائيلي. منذ كانون الأول/ديسمبر 2018 وحتى كتابة هذه السطور، لم تحظ الأمم المتحدة بالوصول مباشرة إلى أي فتحة من فتحات الأنفاق، وتوسلها للحكومة اللبنانية والجيش اللبناني ووجه بالمعارضة بذريعة أن الأمر يتعلق بـ”أراض خاصة”. الإجابة السلبية تميز أيضاً رد الحكومة اللبنانية على الدعوات المتكررة للأمم المتحدة لفحص تفاصيل الأحداث التي هاجم  فيها حزب الله دوريات الأمم المتحدة، وهي أحداث منذ قرار مجلس الأمن 2373 في صيف 2017، مفصلة في ملحق خاص في تقارير السكرتير العام للأمم المتحدة. ثمة أبراج مراقبة لمنظمة بيئية، كما يبدو، باسم “أخضر بدون حدود” توجد على قرب يثير الشك لمسارات الأنفاق التي كشف عنها. ومثلما تعترف شخصيات في الأمم المتحدة في غرف مغلقة، فإن الأمر يتعلق بمواقع عملياتية لحزب الله. ولكن الوصول إليها محدود بسبب وقوعها على “أراض خاصة”. مؤخراً، وردت تقارير عن ظهور طائرات بدون طيار في لبنان اخترق عدد منها سماء إسرائيل هي تعبير آخر لجهود جمع المعلومات المتواصلة والمتطورة لحزب الله.

أحداث السنة الماضية رفعت إلى السطح الواقع كما هو. على الصعيد العسكري، في جنوب لبنان، يعمل ثلاثة جيوش في عالمين متوازيين: جيش حزب الله (“الأصفر”)، يبني منذ سنوات بمساعدة إيران بنى تحتية عسكرية هجومية جنوبي لبنان من خلال خرق منهجي لتعهدات الحكومة اللبنانية في إطار القرار 1701، والنشاطات العسكرية المحظورة تتم تغطيتها بغطاء مدني ويتم إخفاؤها في مناطق مأهولة وفي ممتلكات “خاصة”، فوق الأرض وتحتها. العشرة آلاف جندي في قوة اليونفيل، “الجيش الأزرق”، صحيح أنهم زادوا في السنتين الأخيرتين عدد الدوريات وحجم التقارير عنها، لكن هذا الأمر بدون نتائج، باستثناء المضايقات التي ذكرت. الجيش اللبناني (الأحمر) الذي عليه تطبيق سيادة الدولة بمساعدة اليونفيل باعتباره القوة المسلحة الوحيدة في المنطقة، هو شريك فعال لإخفاء نشاطات حزب الله عن عيون الأمم المتحدة وتقييد نشاطات اليونفيل، وقدرته على الوصول، ومعرفته للوضع. في موازاة المساعدات التي يحصل عليها من الغرب، يحرص الجيش اللبناني على المماطلة في تطبيق تطلعات الغرب لنشر قوات أخرى في جنوب الدولة.

وفي حين أن الأمم المتحدة تتحدث عن آلاف الدوريات في المنطقة بدون نتائج، فقد ثبت أن لإسرائيل صورة استخبارية موثوقة ومفصلة أيضاً عن المشاريع السرية لجيش حزب الله. الوقائع التي كشفتها إسرائيل تضع، ما تكرره الأمم المتحدة عن “غياب البينات” بشأن خروقات في لبنان، في هيئة مضحكة. وعلى المستوى السياسي، تتضح الفجوة الكبيرة بين دعوات المجتمع الدولي للحكومة اللبنانية وبين الحقيقة البسيطة بأن هذه الحكومة، سواء كرهينة أو شريكة من تلقاء ذاتها، تلعب دوراً نشطاً في إخفاء جيش حزب الله، من خلال تمكينه من القيام بنشاطاته، سواء ضد إسرائيل أو ضد قوات الأمم المتحدة. بعد سيطرة إيران وحزب الله على السياسة في لبنان، الحكومة اللبنانية لم تعد هي الحل، بل جزءًا من المشكلة، والأمل المعلق عليها هو أمل كاذب عن وعي.

بالإجمال، نشأ في لبنان تهديد عسكري أخطر على أمن إسرائيل الآن: نظام نيران متطور ومكثف لإيران على الحدود الشمالية، والمخفي داخل منطقة مأهولة وتحظى برعاية سياسية وغطاء إنكار دولي. الحدود هادئة منذ الحرب، لكن احتمالية الاندلاع متزايدة، وفي الخلفية انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي والخطوات المضادة لإيران على الصعيد العسكري والنووي، الحرب المستمرة بين إسرائيل وإيران في سوريا، والضغط الاقتصادي متزايد على إيران وحزب الله ولبنان. فتائل مدوية أكثر تؤدي إلى قنبلة ذات قوة شديدة، من شأنها أن تنفجر رغم نية الطرفين في الامتناع عن الحرب. إذا انفجرت ستجد إسرائيل وحزب الله أنفسهما في قتال ذاتي، فتاك ومدمر. في حين أن الأمم المتحدة ستجبر على المواجهة مع صعوبتين رئيستين، إحداها ستكون أزمة ثقة خطيرة سيرفع في إطارها، وبمرة واحدة، الغطاء عن تقاريرها المتهاونة في جنوب لبنان. والأخطر وجود عشرات آلاف جنود الأمم المتحدة في منطقة من مناطق الإطلاق المكتظة جداً في العالم، التي ستتحول بين عشية وضحاها إلى ساحة حرب دموية وستجبي خسائر فادحة من قوة اليونفيل.

بعد 13 سنة على المحاولات المتراكمة، يمكن لإسرائيل أن تفهم محدودية الظروف الحالية وتحديد سياستها وفقاً لذلك. الفكرة المنظمة لسياسة إسرائيل في هذا الوقت يجب أن تكون زيادة الضغط الاقتصادي والسياسي على حزب الله، وضعضعة الرعاية السياسية والإخفاء التي تقف في أساس نهجها. وفي المقابل، استنفاد الفرص لاستقرار تدريجي بعيد المدى للواقع الأمني في لبنان. حسب أقوال دبلوماسيين غربيين في الأمم المتحدة: “من الأسهل العمل في العواصم الغربية منه في نيويورك”. لذلك، من الصحيح العمل بصورة موازية إزاء مؤسسات الأمم المتحدة والحكومات في الولايات المتحدة وأوروبا.

أمام قوة اليونفيل والأمم المتحدة، على إسرائيل أن تعترف بالدور الإيجابي للارتباط وتقليص الاحتكاك على طول الخط الأزرق. وبموازاة ذلك، بعد أن تم تشخيص السقف الإسمنتي لإمكانية عمله بصورة واضحة، يجب تقليص المساعدات الاقتصادية والسياسية للبنان وحزب الله، وتقليل الخطر على قواتها المتزايدة في وضع الحرب. وكما كتب هنا في السابق، يجب العمل على تقليص نظام قوات الأمم المتحدة بالتدريج. وفي المرحلة الأولى الربع وحتى الثلث، والبدء في تقليص مشابه في ميزانيتها السنوية التي تبلغ نصف مليار دولار. يجب تقليص عدد الموظفين المحليين الذين تشغلهم قوة اليونفيل في جنوب لبنان والمشايع المدنية التي تمولها، بصفتها المساعدة المباشرة للسكان المؤيدين لحزب الله. على الأقل يجب التوقف عن توجيه موارد دولية إلى القرى التي فيها مضايقة لقوة اليونفيل، أي النشاطات العسكرية لحزب الله.

يجب الطلب من الأمم المتحدة الإبلاغ عن حجم الدوريات على الأرض التي يمكن أن يؤثر عددها الذي من شأنه أن يعطي انطباعاً إيجابياً، ولكن نتيجته صفر. هناك أساس معقول للافتراض بأن الدوريات يتم منعها بصورة متسقة عن الوصول إلى مناطق نشاطات حزب الله. وسيساعد نشر رسمي للأمم المتحدة عن ذلك في تقشير طبقة أخرى من الإخفاء لحزب الله، وإضافة إلى أحداث المضايقات في تقارير السكرتير العام كل أربعة أشهر، يجب الطلب من الأمم المتحدة نشر وضع المتابعة والعلاج لحكومة لبنان بعد الأحداث السابقة. متابعة مشابهة قام بها الجيش الإسرائيلي في السنوات السابقة أظهرت صورة متسقة من التراجع المنهجي لحكومة لبنان، من خلال خرق واضح لواجباتها كدولة تستضيف قوة اليونفيل. مؤخراً، يجب على إسرائيل السعي إلى أن يطلب مجلس الأمن من حكومة لبنان أن تتحمل المسؤولية وتفي بالتزاماتها، لا سيما المطالبة بالعثور على نقاط دخول الأنفاق التي تخترق إسرائيل، وتقلص الاعتماد الذي تمنحه لها، والقائم على آمال عبثية ومخالفة للوقائع. إن مبرر “الأراضي الخاصة” يجب استبعاده تماماً بعد أن ثبت بأنها تستخدم كغطاء لإخفاء خروقات وممتلكات عسكرية لحزب الله.

على إسرائيل أن تدفع قدماً بعناصر سياسية إضافية أمام الأمم المتحدة ودول غربية. أولاً، مطلوب تحديد وملاءمة للسياسة أمام الجيش اللبناني، الذي-شبيهاً بلبنان كله- يمكن الافتراض بأنه لا يتميز بالوحدة والوحدة السياسية. لذلك، سواء الأقوال التي تسمع في إسرائيل والتي تقول إن “الجيش اللبناني يتعاون مع حزب الله”، أو سياسة الغرب التي تقول بأنه “يجب تعزيز الجيش اللبناني”.. فيها عيب التعميم. ونحن بحاجة إلى مقاربة تميز وتفرق. بلا شك، في الجيش اللبناني أجزاء مصابة بالتعاون مع حزب الله، وأخرى ليست كذلك، أجزاء ستكون عدوة لإسرائيل في كل حرب، وأجزاء مفيدة إذا بقيت موجودة بعد الحرب.

وبعد أن تبين بأن نزول الجيش اللبناني من الجنوب لم يأت على حساب حزب الله، فإنه يجب تخفيف الحماسة الدولية من زيادة قواته في جنوب الليطاني. إن استمرار المساعدة المقدمة للجيش اللبناني يجب تقديمها للوحدات التي لا تعرض إسرائيل للخطر، مثل محاربة الإرهاب وحماية الحدود، واشتراطها بالأداء والقيام بواجبها.

ثانياً، في إطار شبكة الضغط الاقتصادي، على إيران وشركائها وبعد اتخاذ خطوات أولية إزاء المقربين من رئيس البرلمان اللبناني، نبيه بري، يجب العمل وفرض عقوبات على شركاء حزب الله في لبنان: أجزاء الجيش اللبناني التي تخدم حزب الله (المخابرات العسكرية اللبنانية وقادة الوحدات في الجنوب)، وزعماء محليين محسوبين على المنظمة، وكذلك المنظمة الوهمية المغطاة بصورة البيئة “أخضر بدون حدود” ومصادر تمويل.

ثالثاً، يجب استنفاد الإمكانيات الكامنة الإيجابية حتى لو كانت هشة، في محادثات حول ترسيم الحدود البحرية وتقسيم موارد الغاز التي ستبدأ قريباً. في نظرة جريئة، وطبقاً لدرجة التقدم في المحادثات المذكورة آنفاً، يجب تحدي لبنان وحزب الله في طرح سلام يتضمن مطالبة بنزع السلاح الثقيل وإخضاع قواته للحكومة. رغم عدم وجود احتمالية في أن هكذا خطوة ستؤدي إلى سلام على الحدود الشمالية، إلا أن فيها إمكانية كامنة غير قليلة لتعظيم التوتر السياسي في لبنان حول سلاح حزب الله وكشف حقيقة كونه يشكل خطراً كبيراً على الأمن في لبنان وليس بادعائه عاملاً مدافعاً.

آساف أوريون

نظرة عليا 3/7/2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول د 0 عطوة 0 ايلياء:

    جرائم وانتهاكات وعدم الانصياع للقرارات الدولية لماذا الكيان االسارق لاوطان ولمياه ونفط وكل شئ هو فوق القانون ولم يطبق الا قرار اقامة الكيان على اوطاننا وتصورونه وكأنه هو البرئ ونحن المتهمين اي منطق اعرج جرعتموننا اجيال ؟ والسلام على من اتبع الهدى

  2. يقول د 0 عطوة 0 ايلياء:

    الى كل الصليبيين من ينكلون بشعبنا ساعة بساعة منذ 70 عام بالاضافة انه أواكم ياغرباء بارضه فانكم تحملونه الجمائل انكم مضيفون له ببلادكم لندن وباريس انه هو المضيف الحقيقي لكم وانتم ضيف وبيده سيف لم تتركوا لحظة من طعن الشعب وتمارسون ضده كل سفالتكم وحقارتكم واجرامكم وعنصريتكم الم تستفيدوا حتى من نكبته ؟ واموال الانوروا وموظفوها منكم لقمة زقوم لم تفتكم لعن الله دعوة باطلة جمعتنا بكم والسلام على من اتبع الهدى

إشترك في قائمتنا البريدية