جهات إسرائيلية تنبه إلى عقم استبدال الصراع بسلام اقتصادي… وتدعو إلى إيجاد معادلة حقيقية مع الفلسطينيين تتيح لهم العيش بكرامة

وديع عواودة
حجم الخط
0

الناصرة- “القدس العربي”: يرجح جيش الاحتلال في تقرير جديد أن العمليات الفلسطينية في الشهرين الأخيرين تمت بدوافع دينية وليس وطنية. وحسب تقديرات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية هناك خيط واحد يربط بين سلسلة العمليات الفلسطينية في الفترة الأخيرة هو “الإرهاب بدوافع دينية”. ويشير التقرير الأمني الإسرائيلي الى تضاعف عدد المداهمات والاعتقالات التي يقوم بها جيش الاحتلال داخل الضفة الغربية في الشهور الأخيرة لكنه يرى أن نجاح أي عملية ينفذها “متسلل” فلسطيني هو فشل كبير للجيش كما حصل في عمليتين على الأقل وإن كان الجيش قد نجح بمنع عمليات كثيرة.
ويشير التقرير الى أن هناك رضا لدى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بعد النجاح في خفض عدد الفلسطينيين الداخلين إلى أراضي 48 دون تراخيص تزامنا مع إعادة تعريف تعليمات إطلاق النار (زيادة سرعة الضغط على الزناد) وترميم الجدار والاستثمار في البنى التحتية وفي أجهزة المراقبة على حدود الضفة الغربية. ويدعي جيش الاحتلال أنه يلاحظ من متابعة تفاصيل موجة العمليات الفلسطينية الأخيرة التي قتل فيها 19 إسرائيليا انخفاضا في المحفزات الوطنية مقابل ارتفاع الدوافع الدينية لدى منفذيها. واعتبر جيش الاحتلال أن الخيط الرابط بين كل هذه العمليات الفلسطينية يتمثل بـ المحاكاة والاقتداء والإلهام بعد كل عملية وأن الحرم القدسي الشريف هو الدافع المركزي لجانب دوافع شخصية دون علاقة للتنظيمات الفلسطينية.
وحسب التقرير العسكري الإسرائيلي وبخلاف مزاعم المستوى السياسي فإن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لا تمول “العمليات الإرهابية” ولا تنشط فعليا في تنفيذ موجة العمليات الفلسطينية الأخيرة. ويضيف: “صحيح أننا شهدنا محاولات للانضمام للحلبة النازفة ولكن في السطر الأخير يبدو أن حركة حماس اختارت البقاء خارج الحلبة ومحاولة التأثير عليها عن بعد”. ويقول جيش الاحتلال إن “وحدة الدراسة المختصة بالتأثيرات قد قامت بتحليل العمليات واكتشفت أنه لا توجد علاقة أو تأثير تقريبا لحركة حماس على سلسلة العمليات الفلسطينية القاسية في فترة رمضان ما بعدها”.

مسؤولية عبر التحريض

وتدعي هذه الأوساط العسكرية الإسرائيلية أن حماس غير معنية بالتصعيد في قطاع غزة وأنها تتمتع الآن بمستوى تأثير عال جدا من جهة لكنها من جهة أخرى معنية بتأجيج الأوضاع في الميدان. ويقول التقرير إنه عندما تذكر كلمة “حماس” فإن القصد هو طرح الأحداث في مقر قيادة هذه المنظمة في الضفة الغربية دون القيام بمقارنة مع يحيى السنوار ومحمد ضيف المقيمين داخل القطاع. وفيما اتهم عدد من وزراء حكومة الاحتلال قيادة حماس بالمسؤولية عن العمليات بواسطة التحريض في الإعلام ومنتديات التواصل الاجتماعي يعتقد جيش الاحتلال، حسب التقرير، أن منفذي عملية “إلعاد” من بلدة رمانة قضاء جنين لم يعرفا أبدا من هو يحيى سنوار. كما يقول التقرير المذكور إن حماس خسرت من أسباب قوتها منوها لمقتل 33 من الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة خلال الشهر الأخير. ويهدد جيش الاحتلال برد قوي جدا ضد حركة حماس في حال اتضحت علاقة بين العمليات الفلسطينية في الميدان وبين أصوات ودعوات السنوار وضيف. في سياق متصل يواصل جيش الاحتلال التدريبات العسكرية الواسعة التي انطلقت قبل أسبوع وستستمر شهرا تحت عنوان “عربات النار” ويحاكي الجيش قتالا على عدة جبهات في آن وبشكل علني للمرة الأولى تدريب على مهاجمة إيران. واللافت في التقرير المذكور هو تغييب الاحتلال وكأنه غير موجود أو كأنه ليس هو مصدر الشرور مثلما أنه يتجاهل ترابط الوطني بالديني في السياق الفلسطيني فالأقصى على سبيل المثال ليس صرحا دينيا فحسب بل صرح حضاري تاريخي أثري وطني وسبق أن فجر صدامات دموية منذ قرن أبرزها هبة البراق في 1929.
ويحذر الوزير الأسبق عوزي برعام (حزب “العمل”) من مواصلة تجاهل الصراع مع الفلسطينيين ومن تبعاته. ويقول برعام في مقال نشرته صحيفة “هآرتس” إن رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينت لا يدفع ثمنا كبيرا بسبب الائتلاف مع القائمة العربية الموحدة و”ميرتس” لأنه لا أحد منهما يرفع ضغط الدم لدى جماعة نتنياهو وبالنسبة لهم فإن الخطأ الوحيد الذي لن يغفره هؤلاء لبينيت هو حقيقة أنه أسقط نتنياهو عن الكرسي. لم يكن لدى جماعة نتنياهو أي مشكلة في رؤية نائبي “الموحدة” منصور عباس، ووليد طه، والنائب عن “ميرتس” موسي راز كوزراء، لو كان نتنياهو رئيسا للحكومة. ويتابع: “لكن، يدفع بينيت وحكومته ثمنا عاليا، بسبب تبني نموذج نتنياهو وفهمه في كل ما يخص الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وحسبه، لا حاجة إلى معالجة الصراع أصلا، وهناك إمكانية لإدارة علاقات خارجية مع مصر، والأردن، ودول “اتفاقيات أبراهام”، حيث لا يهتمون بمصير الفلسطينيين.
ويستذكر برعام أن نتنياهو عمل أعواما طويلة بهدف خلق واقع ينكر فيه الإسرائيلي المتوسط القضية الفلسطينية ويعتبر برعام أن هذا الإنكار يقوم على الادعاءات المعروفة: أبو مازن ضعيف، “حماس” محاصرة في غزة، والصراع في كل الأحوال غير قابل للحل، لذلك، فإن الاهتمام به هو إضاعة للطاقة، ولا يؤدي إلا إلى الغضب في أوساط النواة الصلبة لليمين الديني القومي – بالإضافة إلى أن الخطر الأساسي هو إيران.
وبالنسبة لبرعام كما لدى بعض الجهات الإسرائيلية خاصة من خريجي المؤسسة الأمنية، فإن الإنكار الجماهيري الإسرائيلي للصراع عميق وخطِر. وعن ذلك يضيف في مقاله: قبل عدة أسابيع، قالت مقدمة برامج الأخبار في القناة العبرية 12 رينا متسليح في إحدى جلسات “استوديو الجمعة”، إنه في الوقت الذي يخوض فيه الجنود معركة ضد “المخربين”، يتوجب على الجمهور الإسرائيلي فهم جذور الصراع. وفي رده عليها، قال الصحافي اليميني محرر صحيفة “يسرائيل هيوم” السابق بوعاز بيسموت: “معنى حديثك أنك تبررين العمليات”. ويشير برعام الى أن هذه هي الخلاصة التي توصلت إليها صحيفة “إسرائيل هيوم” ويقول محذرا إن نفتالي بينت وأعضاء حكومته قالوا إنهم انتهوا إلى الاتفاق على أنه لا يجب العمل في الموضوع الفلسطيني، بهدف “الحفاظ على الحكومة” لكنهم لم يأخذوا بعين الاعتبار أن الفلسطينيين ليسوا شركاء في هذا الاتفاق… هم هنا، مواقفهم تتطرف ويجروننا إلى مناطق اشتباك بمساعدة عمليات ومواجهات. ويوضح برعام إن إسرائيل من جانبها، ما دامت لا تريد التطرق إلى الموضوع الفلسطيني، يتم إرغامها على تعزيز القوات، وإحباط عمليات، وتنفس الصعداء عندما يمر يوم من دون أن يطلق منفذ عملية النار بشكل عشوائي.
ويوضح برعام أن هذه ليست المرة الأولى، فسابقا كانت هناك مجموعات إسرائيلية تحاول الدفع باتجاه الإنكار لكن وقفت في وجههم مجموعة سياسية قوية صممت على أنه على الرغم من الفجوة الكبيرة بين الطرفين فإن المفاوضات مع الفلسطينيين هي الإمكانية الشرعية الوحيدة”. ويتابع في تحذيراته: “أما الآن، فلا يوجد مَن يقف في المقابل، فاليسار الصهيوني انضم إلى حكومة بينيت، ومعا يفضلون إغلاق أعينهم أمام الواقع المدمر الذي يُحاك أمامهم – المهم هو عدم عودة نتنياهو إلى كرسيه. إغلاق العيون، إلى جانب التعاون مع المستوطنين، يكلف المواطن الإسرائيلي الكثير، وسيكلف أحزاب اليسار الصهيوني أيضا الكثير”.
ويؤكد برعام، وهو من أنصار تسوية الدولتين، أن الصراع لا يقف في مكانه، ويتحول من قومي إلى ديني مشددا على أنه ليس اعتباطا أن تحاول “حماس” تعظيم “الضرر” في المسجد الأقصى، وليس اعتباطا أن يخرج “المخربون” إلى مهمتهم كجزء من حرب دينية مجنونة – ليس من أجل استقلال الشعب الفلسطيني، بل بسبب الصراع بين اليهودية والإسلام. وفي استنتاجاته يضيف برعام “على بينيت أن يفهم أن استبدال نتنياهو لا يكون فقط باستبدال الشخص نفسه، إنما باستبدال رؤيته وافتراضاته. وإذا لم يفهم هذا في أقرب وقت، فإن هذا لن يؤدي فقط إلى سقوط حكومته سقوطا مدويا، بل سيجعل الكثير من الأشخاص، من العرب واليهود، يدفعون الثمن من حياتهم”.
وسبق أن حذر الجنرال في الاحتياط الباحث الإسرائيلي الخبير الأول في مجال الخرائط شاؤول أرئيلي في كتابه الصادر قبل شهور من انتشار الأساطير الصهيونية الإثنتي عشرة والتي تكرس الصراع مع الفلسطينيين وتجعله أكثر خطورة خاصة تحويله لصراع ديني غير قابل للحل. وفي كتابه الجديد “هل فعلا هذا ما حصل” يقول أرئيلي إن هناك بذرة من الحقيقة في كل أسطورة لكن هذه محاطة بطبقات من الكذب والافتراء ومن هذه الأساطير: عدم وجود شعب فلسطيني، عدم وجود شريك فلسطيني، فلسطين كانت خالية من الحضارة الخ. كما نبهت أوساط إسرائيلية غير رسمية في الأساس خلال الأسابيع الأخيرة منها رئيس الموساد الأسبق داني ياتوم ورئيس الشاباك الأسبق عامي أيلون من عقم البحث عن إدارة الصراع أو خفض ألسن لهبه أو استبداله بسلام اقتصادي داعين لتسوية الصراع مع الفلسطينيين وإيجاد معادلة حقيقية لهم في إسرائيل تتيح لهم العيش بكرامة ورضا. ودعا هؤلاء لترجيح الحسابات والمصالح العليا بدلا من الحسابات الشخصية والحزبية والشعبوية التي تدفع عدد كبير من المسؤولين الإسرائيليين لتجاهل القضية الفلسطينية حرصا على بقائهم في كرسي الحكم في ظل وجود عدد كبير من الإسرائيليين يرفضون تسوية الصراع وقيام دولة فلسطينية في حدود 1967.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية