جهات إسرائيلية قلقة من تبعات الضم.. ودعوات لاعتماد وسائل نضالية جديدة في وجه الاحتلال

وديع عواودة
حجم الخط
0

الناصرة- “القدس العربي”:
تعرب أوساط إسرائيلية عن خشيتها من احتمالات تصعيد مع الفلسطينيين كنتيجة للأزمة الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا داخل الضفة الغربية المحتلة.

في المقابل ورغم المواقف الأوروبية والدولية المعارضة، تحذر مؤسسة الدراسات الفلسطينية أن التراجع عن الضم ليس سهلا أو مفهوما ضمنا، ولذا تدعو لقواعد صراع جديدة، وتحالفات جديدة وأشكال نضال خلاقة وخطاب عربي وفلسطيني مغاير.

ونقلت صحيفة “هآرتس” عن جهات أمنية إسرائيلية قولها إن كورونا لم تنتشر في الضفة الغربية بشكل واسع، لكنه تسبب بإبطاء اقتصادها بشكل جوهري. وتنوه أن هذه الجهات الإسرائيلية التي ترى بالاستقرار الاقتصادي في الضفة الغربية المحتلة ضمانة للهدوء النسبي فيها، قد أنذرت حكومة الاحتلال من احتمال انفجار موجة عنف في أراضي السلطة الفلسطينية كواحدة من تبعات عدوى كورونا، من شأنها زعزعة حكم الرئيس محمود عباس. لكن قلق الجهات الأمنية الإسرائيلية وفق “هآرتس” من مخطط الضم الإسرائيلي أيضا، وهو يستند لمعطيات دائرة الإحصاء المركزية الفلسطينية وعلى معلومات استخباراتية.

** الشارع الفلسطيني
وترى الجهات الأمنية الإسرائيلية أن الشارع الفلسطيني بادر للاحتجاج في العامين الأخيرين على خلفية اقتصادية لا سياسية، وسط امتناع عن تصعيد الوضع الأمني حتى عندما تم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة في 2018. وهكذا أيضا بعد استشهاد عدد كبير من الفلسطينيين في غزة خلال مسيرات العودة منذ يوم الأرض في 30 مارس/ آذار 2018 أو عندما أعلن الأسرى عن إضراب عن الطعام بشكل واسع.

ويرى المسؤولون الإسرائيليون أن هذا الدمج بين مخطط الضم وبين التحديات الاقتصادية من الممكن جدا أن يسرّع انفجار أعمال عنف داخل الضفة الغربية ضد الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية على حد سواء.

ونقلت “هآرتس” عن المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين قولهم أيضا إنهم لا يرفضون تقديرات مسؤولين في السلطة الفلسطينية يتوقعون ضررا فادحا في جميع المرافق الاقتصادية الداعمة للسلطة الفلسطينية. يضاف إلى ذلك الخسائر الكبيرة الناجمة عن توقف فلسطينيي الداخل عن زيارة المدن الفلسطينية في الضفة الغربية والتسوق فيها منذ تفشي العدوى قبل نحو ثلاثة شهور، علما أنهم يشكلون قوة شرائية هامة مما يزيد الاقتصاد الفلسطيني اليوم تعثرا.

** إسرائيل والدول الأوروبية
وسبق هذه الجهات، أوساط أكاديمية وإعلامية حذرت من مغبة الضم على إسرائيل، منها معهد دراسات الأمن القومي الذي حذّر من خلال دراسة لمديره الجنرال بالاحتياط عاموس يادلين من نتائج أمنية وسياسية وخيمة.

يشار إلى أن حكومة الاحتلال توجهت هذا الأسبوع لدول أوروبية كثيرة أوروبية في محاولة لإحباط أي قرار محتمل للاتحاد الأوروبي يتعلّق بمخطط إحالة السيادة الإسرائيليّة على نحو 30% من مساحة الضفة الغربية المحتلة.

وحسب القناة الإسرائيلية 13، فإن إسرائيل توجهت بهذا الخصوص لكل من ألمانيا، اليونان، رومانيا، بلغاريا، تشيكيا، هنغاريا، سلوفاكيا، كرواتيا، سلوفينيا، النمسا، إيطاليا وإستونيا. كما نقلت الإذاعة الإسرائيلية العامة عن مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية قوله إن الهدف من زيارة مايك بومبيو إلى اسرائيل لم يكن من أجل معالجة قضية إحالة السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية. وقال المسؤول المذكور ردا على سؤال عما إذا كان يعتقد أنه تم تنفيذ خطوة سيادية إسرائيلية في يوليو/تموز القادم، إنه وفق تقييمه لهذه الخطوة لن تتم في المستقبل القريب.

وتابع: “نحن نعمل مع الإسرائيليين لتنفيذ رؤية السلام. الإسرائيليون يعملون ونحن ندعم جهودهم. إنهم يشكلون الآن حكومة وأعتقد أن الأمر سيستغرق بعض الوقت لمناقشتها فيما بينهم، واتخاذ قرار بشأن كيفية التصرف”.

في المقابل أوضح أن وزير الخارجية الأمريكي لم يقم بزيارته الأخيرة لإسرائيل من أجل تداول مسألة الضم فقط، نافيا تقارير صحفية حول ذلك. وتابع: “لم نقفز الى النصف الآخر من العالم لبحث قضية الضم”.

يشار إلى أن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو قد قال في ختام زيارته الخاطفة إلى إسرائيل، إن حكومة الاحتلال ستحسم توقيت وآليات تنفيذ خطة ضم المستوطنات وفرض السيادة على أجزاء من الضفة الغربية ومنطقة الأغوار.

** هل يجدي ضغط دولي وإقليمي وفلسطيني؟
من جهتها قالت مؤسسة الدراسات الفلسطينية، إن الفلسطينيين يقتربون من شهر تموز/ يوليو وهو الموعد الذي حدده اتفاق نتنياهو- غانتس للبدء في إجراءات ضم منطقة الأغوار وشمال البحر الميت وجميع المستعمرات الإسرائيلية، بما في ذلك البؤر القديمة والجديدة التي أقامها غلاة المتطرفين اليهود.

وتؤكد أن هذا الضم سيبدأ بالاستيلاء على 30% من أراضي الضفة الغربية، وسيكون ما تبقى من الأرض الفلسطينية في قبضة الاحتلال على شكل “بانتوستانات” فصل عنصري ونظام أبارتهايد.

وقالت إن هذه العملية قررها من طرف واحد مسؤولو دولة الاحتلال وإدارة ترامب في أكبر وأوقح تحد لأكثرية دول وشعوب العالم التي تتبنى حلاً آخر يدعو لإنهاء الاحتلال والاستيطان، وتمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره دون وصاية من أحد.

وأضافت محذرة: “ليس الضم هنا مجرد قرار يمكن التراجع عنه بضغط دولي وإقليمي وفلسطيني، وبضغط معارضين إسرائيليين على قلتهم”. مشددة على أن الضم يأتي امتداداً تراكمياً لوقائع كولونيالية جرى خلقها على الأرض الفلسطينية بالقوة، كإضافة حوالي 800 ألف مستوطن يعيشون في 229 مستعمرة في الضفة، بما في ذلك مدينة القدس، وإضافة جدار فصل عنصري يعزل المستوطنين ودولة الاحتلال عن المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، وحواجز عسكرية وبوابات الكترونية تفصل الشمال عن الوسط والجنوب وتجعل كل منطقة في وضعية تسمح بإغلاقها وعزلها عن المناطق الأخرى لغايات فرض العقوبات والسيطرة، وبنوك معلومات تستخدم في قمع وتفكيك كل عمل مقاوم. وتضيف لذلك أيضا صناديق زاخرة بأموال كبار الأثرياء اليهود وغيرهم، وثقافة وأيديولوجية سائدة تزعم أن الأراضي الفلسطينية غير محتلة، كونها أرض الميعاد الخاصة “بالشعب اليهودي “.

** سيطرة استعمارية وتفكيك المقاومة
وأوضحت المؤسسة أن وظيفة هذه الوقائع كافة لم تكن بناء سيطرة استعمارية فقط، بل كانت تستهدف هدم وتفكيك كل مقومات الاستقلال والدولة الفلسطينية الموعودة. وقالت إن هذه العملية الكبيرة تمت خلال 53 سنة من الاحتلال الكولونيالي الإقصائي، وهي تتوج الآن الوقائع على الأرض بقرار أمريكي (صفقة القرن) يتبعه قرار إسرائيلي سيتخذ في أوائل تموز/ يوليو.
كما قالت مؤسسة الدراسات الفلسطينية إن جميع دول العالم تعرف وتردد القول بأن الوقائع الاستعمارية التي خلفتها دولة الاحتلال، مناقضة لقرارات الشرعية الدولية، وللقانون الدولي، وهي غير شرعية. في المقابل تنبه أن تلك الدول لا تفعل ما يخوله لها القانون الدولي من ضغوط وعقوبات وترى أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: “هل يتكرر المشهد السوريالي في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بعد قرار الضم الإسرائيلي المزمع اتخاذه في تموز- يوليو القادم؟ هل سيكتفى هذه المرة أيضاً بالاستنكار والشجب من دون معاقبة المنتهكين والخارجين عن القانون؟”.

** الشرعية الدولية
وتقول مؤسسة الدراسات الفلسطينية: ” لو كانت العقوبات متوقعة لما اتخذت إدارة ترامب والثنائي نتنياهو- غانتس، قراراً بالضم. فلو اعتقد أصحاب القرار الأمريكي الإسرائيلي، على سبيل المثال، أن الاتفاقات الإسرائيلية مع الدول العربية القائمة والمحتملة كلها أو بعضها قد تتهدد، فسيفكرون ألف مرة قبل اتخاذ قرار الضم. ولو اعتقد أصحاب قرار الضم أن سلاح المقاومة في قطاع غزة وفي أماكن أخرى سيهدد أمن الإسرائيليين، فلن يكون من السهل عليهم اتخاذ مثل هذا القرار”.

يشار إلى أن معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب قد قال في دراسة جديدة إن مخطط الضم لا يهدد علاقات إسرائيل ومصر.

** التغيير الفلسطيني المنشود
وعلى خلفية ذلك، تقول المؤسسة إن قواعد الصراع التي تحكمت بها اسرائيل طويلا، وأفضت الى مكافأة المحتلين ومعاقبة الشعب تحت الاحتلال لن تبقى على حالها بالمعنى الافتراضي، وهي في حاجة الى تغيير، وينطبق الشيء نفسه على الخطاب السياسي والخطاب الإعلامي الفلسطيني والعربي الذي لم يعد محتملا أو يصلح لأغراض التعبئة والنضال والدفاع عن الحقوق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية