الخرطوم ـ «القدس العربي»: في وقت تمضي المعارك المتصاعدة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، نحو شهرها الثالث، ما تزال جهود التسوية السياسية تراوح مكانها. بينما تتفاقم الأوضاع الإنسانية على نحو كارثي. وفي 3 حزيران/يونيو الجاري، بعد أسابيع من المباحثات غير المباشرة في مدينة جدة، أعلنت الوساطة الأمريكية السعودية، تعليق المحادثات بسبب عدم التزام الأطراف السودانية بالاتفاقات المبرمة، بعد خروقات واسعة لسبعة اتفاقات لوقف إطلاق النار.
السبت قبل الماضي، أعلنت الوساطة هدنة لمدة يوم واحد، قالت إنها محاولة لتمرير المساعدات الإنسانية وإعادة الثقة بين أطراف القتال تمهيدا لاستئناف المباحثات.
وعلى الرغم من التزام الجيش وقوات الدعم السريع لأول مرة بوقف إطلاق النار، لمدة 24 ساعة، إلا أن المعارك سرعان ما اشتعلت مرة أخرى، في نطاق أوسع، حيث يحاول الجانبان التقدم ميدانيا.
وبينما تتصاعد المعارك في العاصمة الخرطوم، ومدن أخرى، تنحدر الأوضاع في إقليم دارفور على نحو متسارع، بعد اغتيال والي غرب دارفور خميس أبكر والتمثيل بجثته، مساء الأربعاء الماضي.
وحسب حكومة إقليم دارفور قتل أكثر من 1000 شخص خلال الأيام الماضية، مع تورط أطراف قبلية مسلحة في المعارك المشتعلة في الإقليم، تهدد بالانزلاق إلى حرب أهلية واسعة النطاق.
خريطة طريق لحل النزاع
وفي وقت قدمت الوساطة السعودية الأمريكية للأطراف السودانية مقترح هدنة جديدة لمدة 72 ساعة، أعلنت الهيئة الحكومية للتنمية «إيغاد» عن شروعها في ترتيب لقاء بين رئيس المجلس السيادي السوداني القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان ونائبه السابق زعيم قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو «حميدتي» خلال عشرة أيام بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا.
وقالت في البيان الختامي، للقمة العادية الرابعة عشرة لرؤساء دول وحكومات إيغاد، الصادر الأربعاء، أنها وضعت خريطة طريق لحل النزاع في السودان بالتنسيق مع مفوضية الاتحاد الأفريقي، تعمل على تأمين التزام قيادة الجيش وقوات الدعم السريع، لإنشاء ممر إنساني خلال الأسبوعين المقبلين، وأنها في غضون ثلاثة أسابيع ستعمل على دفع الأطراف السودانية للشروع في عملية سياسية شاملة نحو تسوية سياسية للنزاع.
كما أعربت عن قلقها إزاء استمرار القتال وتدهور الوضع الأمني والإنساني في السودان، مشيرة إلى بذل لجنة إيغاد رفيعة المستوى لحل الأزمة السودانية جهودا حثيثة من أجل تهدئة الاشتباكات المسلحة وحل النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وتشكلت لجنة إيغاد لحل الأزمة السودانية في 16 نيسان/ابريل الماضي، برئاسة الرئيس الجنوب سوداني سلفاكير ميارديت وعضوية كل من الرئيس الكيني وليام روتو والرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر قيلي.
وخلال القمة الأخيرة، تم تحويل اللجنة المعنية بالنزاع في السودان إلى لجنة رباعية بمشاركة أثيوبيا، كما أعلنت إيغاد اعتماد الرئيس الكيني- القريب من الدعم السريع- كرئيس لها بدلا عن الرئيس الجنوب سوداني سلفاكير ميارديت، الأمر الذي أثار حفيظة الجيش الذي أعلن رفض رئاسة كينيا للجنة، ما يضع خريطة طريق إيغاد أمام تحد كبير.
وأعلنت الحكومة السودانية رفضها لرئاسة كينيا للجنة الإيغاد الخاصة بمعالجة الأزمة الراهنة في السودان، مشيرة إلى أن تصريحات مسؤولين كينيين كبار وسلوك حكومتها تتبنى مواقف الدعم السريع وتأوي عناصرها وتقدم لهم مختلف أنواع الدعم.
وقالت إن الحكومة السودانية حتى تتمكن من التعامل مع اللجنة الرباعية لتحقيق أهدافها قامت بإخطار رئاسة منظمة الإيغاد وسكرتاريتها التنفيذية بموقفها بشأن ضرورة استمرار الرئيس الجنوب سوداني سلفاكير ميارديت رئيس جمهورية جنوب السودان في رئاسة اللجنة الرباعية التي اعتمدتها القمة وفقا للاعتبارات التي وصفتها بالموضوعية التي ذكرها الرئيس اليوغندي يوري موسيفيني في قمة الإيغاد الطارئة التي انعقدت يوم 16 نيسان/أبريل الماضي، بعد يوم واحد من اندلاع المعارك في السودان.
وشددت على أن مسألة رئاسة اللجنة لم تطرح للنقاش والاتفاق عليها خلال مداولات القمة. وعليه وأنه إجرائيا لا يمكن تبني أو الموافقة على موضوع لم يتم طرحه أو مناقشته خلال المداولات.
وفيما لا يبدو واضحا إن كانت إيغاد ستستجيب لمطالب الحكومة السودانية بإبعاد كينيا من رئاسة اللجنة الخاصة بالنزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع، أكدت تقارير صحافية أن البرهان رفض الانخراط في أي لقاء مباشر مع شريكه السابق وغريمه الحالي «حميدتي».
حروب إبادة جماعية
وفي خضم التصعيد العسكري، حذرت الجبهة المدنية المناهضة للحرب والتي تتكون من قطاع واسع من الفاعلين السياسيين في البلاد بينهم قوى الحرية والتغيير وعدد من لجان المقاومة، من انهيار الأوضاع في البلاد.
وأكدت على ضرورة إنهاء الحرب كضامن لعدم الانزلاق إلى حروب إبادة جماعية، واستكمال مهام الوساطة السعودية الأمريكية حتى التوصل لاتفاق دائم لوقف إطلاق النار، وتيسير حوار سوداني جامع لاستعادة مسار الانتقال، والتأسيس لعقد اجتماعي وسياسي جديدين.
ودعت الجبهة المجتمع الدولي لضرورة مراقبة الوضع في دارفور عموماً وولاية غرب دارفور خصوصاً، والضغط على الأطراف المتحاربة للكف عن استهداف المدنيين على أساسٍ عرقي أو قبلي، والتشديد على أن مثل هذا الممارسات تعتبر جرائم حرب لا يمكن مطلقاً التسامح أو التهاون مع مرتكبيها.
وأكدت دعمها لكل المساعي الهادفة لإنهاء هذه الحرب في كل أرجاء السودان، مشددة على ضرورة اتخاذ كل التدابير والوسائل التي تُلزم طرفي الحرب والمجموعات المتحالفة معهما والخاضعة لسيطرتهما بالجلوس للتفاوض من أجل وقف هذه الحرب، وتحقيق تطلعات الشعب السوداني في استعادة مسار الانتقال الديمقراطي وتسليم الحكم للمدنيين.
وتسببت المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في قتل أكثر من 1000 شخص في السودان، حسب رصد أولي قامت به نقابة الأطباء السودانيين، لم يشمل جميع الضحايا. من جانبها أكدت حكومة دارفور أن عدد القتلى هناك تجاوز 1000 فضلا عن إصابة أكثر من 3000 آخرين.
وحسب وكالة الأمم المتحدة للهجرة، ارتفع عدد النازحين جراء القتال إلى 2.2 مليون شخص، حيث لجأ حوالي 53 ألف سوداني إلى الدول المجاورة، في حين نزح نحو 1.7 مليون شخص من مناطقهم داخل البلاد.