لندن- “القدس العربي”:
قال جوش بول، المدير السابق لمكتب الشؤون السياسية في وزارة الخارجية الأمريكية، الذي استقال احتجاجا على تقديم واشنطن السلاح لإسرائيل في حربها على غزة، إنه أقدم على هذه الخطوة نظرا لأن الوزارة التي يعمل فيها لم يعد يعرفها.
وجاء في مقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست”، قوله: “عملت لعقد من الزمان في مكتب الشؤون السياسية المختص بعمليات نقل السلاح والمساعدات الأمنية للحكومات الأجنبية. وفي ذلك الوقت، شاركت في نقاش معقد ومتحد أخلاقي حول المكان الذي سترسل إليه الأسلحة، وما لم أره حتى هذا الشهر، هو نقل معقد للسلاح وفيه تحد أخلاقي، بدون نقاش سياسي. ولهذا استقلت في الأسبوع الماضي”.
وأضاف أن الفرضية الأساسية التي قامت عليها المساعدات العسكرية لإسرائيل منذ اتفاقيات أوسلو هي “الأمن مقابل السلام”، وهو افتراض يعني أن إسرائيل لو شعرت بالأمن، بما في ذلك مساعدات عسكرية سنوية بالمليارات، فستقدم التنازلات الضرورية لولادة دولة فلسطينية.
وكانت هذه هي الوظيفة الأساسية لمنسق الأمن الأمريكي، وهي مبادرة لوزارة الخارجية الأمريكية عمل فيها بول لمدة عام في رام الله. إلا أن السجل يعطي صورة أن السلاح الذي قدمته الولايات المتحدة لإسرائيل لم يقد إلى السلام، بل ساعد في الضفة الغربية على نمو البنى التحتية الاستيطانية التي تجعل الدولة الفلسطينية غير محتملة.
وفي غزة المكتظة سكانيا، قاد القصف الجوي لصدمة وألم جماعي وضحايا، ولم يسهم بأي شيء في أمن إسرائيل. وقال بول: “في 7 أكتوبر عندما قتلت حماس مدنيين إسرائيليين، شعرت بالغثيان بسبب الرعب الذي حل بالأبرياء ولمعرفتي لما سيحدث لاحقا. من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، ولكن سجلها في عدد من المواجهات خلال الـ15 عاما الماضية يشير إلى أن آلافا من الفلسطينيين ماتوا في العمليات”.
وبالتأكيد، بدأت طلبات إسرائيل للذخيرة بالتقاطر على وزارة الخارجية الأمريكية مباشرة، بما فيها أنواع من الأسلحة لا علاقة لها بالنزاع الحالي. ويقول: “تحتاج هذه الطلبات لانتباه نعطيه لأي رزمة كبيرة من الأسلحة، وشجعت على النقاش من أجل ذلك، ولكن قوبلت بالصمت، وكان التوجيه الواضح هو أن علينا التحرك بأكبر قدر من السرعة كي نستجيب لطلبات إسرائيل. وفي نفس الوقت، بدأ الكونغرس الذي طالما منع صفقات أسلحة لأنظمة ذات سجل فقير بحقوق الإنسان، بالضغط علينا لكي نتحرك بسرعة والاستجابة لطلبات إسرائيل. وفكرة أنه يجب عدم استخدام الأسلحة الأمريكية لقتل المدنيين، لم تكن أبدا مثيرة للجدل في الإدارات الأربع التي عملت معها”.
وفي بداية العام الحالي، قوّى البيت الأبيض الضمانات ضد نقل الأسلحة أنظمة ذات سجل فقير بحقوق الإنسان. فقد حدد ميثاق نقل الأسلحة التقليدية، معايير بشأن عملية النقل التي لن تتم لو “لو كان من المرجح” استخدامها في انتهاكات حقوق الإنسان.
وفي آب/ أغسطس، أخبرت وزارة الخارجية كل السفارات بإرشادات الرد على حوادث الإضرار بالمدنيين، والتي حددت عددا من التحركات الواجب اتخاذها بعد تلقي بلاغات عن ضرر للمدنيين ناجم عن أسلحة أمريكية.
والمخاطر واضحة من الأسلحة الأمريكية المقدمة لإسرائيل، خاصة الذخائر الجوية، وهي تضر بالمدنيين وتخرق حقوق الإنسان.
لكن وزارة الخارجية كانت مصممة وبعناد لتجنب النقاش حول المخاطر، وتم منع نشر إرشادات الرد على حوادث الإضرار بالمدنيين.
ويقول بول: “كان هذا، وعلى الأقل من تجربتي، سابقة وعدم استعداد للتفكير بالتداعيات الإنسانية لقرارات سياستنا”. ويضيف أن النظر في التوتر بين مظاهر القلق بشأن حقوق الإنسان والمطالب من الشركاء، هو أمر معياري وصحي في عملية صناعة القرار المتعلقة بنقل الأسلحة. وهناك العديد من الناس يتعاونون من أجل التأكد أن عمليات النقل تخدم العلاقات الأمريكية وتتطابق في الوقت نفسه مع المعايير القانونية والسياسة والضمير.
ويعلق أن النقاشات تدور في المكتب وداخل وزارة الخارجية بطريقة مفصلة بشكل تجعل أي أمريكي فخورا. والشعار هو أن تجارة السلاح “أولا، ليست بدون ضرر”، ولكن يجب أن تكون عملية تتسبب بضرر أقل.
وكان النقاش الحاد في وزارة الخارجية والمتعلق بتزويد أوكرانيا بالقنابل العنقودية، صورة أن النقاش هذا ممكن حتى لو تم وسط أزمة.
ومن هنا، فالنقاش المتعلق بغياب الاستعداد لعقد نقاش عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، ليس دليلا على التزامنا بأمن إسرائيل، بل هو دليل على التزامنا بسياستنا، وهو طريق مسدود. ويقول “دليل على استعدادنا للتخلي عن قيمنا وغض النظر عن معاناة الملايين في غزة، عندما يكون ذلك مفيدا سياسيا، وليست هذه هي وزارة الخارجية التي أعرفها، ولهذا قررت مغادرتها”.