جاءت زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، إلى الشرق الأوسط للتقليل من تداعيات زلزال قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا الذي كان الرئيس دونالد ترامب، قد أعلنه قبل حوالي شهر، والعمل على طمأنة الحلفاء والتأكيد على أن الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن أن تنسحب من منطقة مهمة استراتيجيا مثل الشرق الأوسط. وقد ناقش بومبيو في كل بلد زاره في جولته الملفات الساخنة التي تهم ذلك البلد، لكن كانت هنالك محاور أساسية دار حولها النقاش في كل محطات الزيارة تقريبا.
وقد كانت تصريحات بومبيو الرسمية في بداية جولته واضحة في إعلان الهدف من جولته الشرق أوسطية، إذ أعلن أن جولته تمثل جزءا من الجهود التي تبذلها بلاده لحشد تحالف دولي ضد إيران. وقال بومبيو في حديث لقناة CNBC الأمريكية: “أحد أهداف الرحلة الحالية هو استمرار الجهود لتشكيل تحالف دولي ضد إيران وهو تكتل سيضم دول الخليج وإسرائيل وبعض الدول الأوروبية والآسيوية، تلك الدول التي تفهم أن إيران هي أكبر دولة راعية للإرهاب، ويجب وقف أنشطتها”.
الانطلاق من الأردن
لكن نقاشات مايك بومبيو التي ابتدأها في عمان العاصمة الأردنية التي زارها يوم 8 كانون الثاني/يناير قد تمحورت مع الحكومة الأردنية حول تداعيات الانسحاب الأمريكي من سوريا. وحسب ما أعلن رسمياً في عمان وواشنطن فقد تمت مناقشة مجالات التعاون الثنائي بين الأردن والولايات المتحدة بالإضافة إلى سبل توسيع الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، والتأكيد على تطوير العلاقات التجارية المستقبلية بينهما، غير أن تأكيدات سربتها مصادر أردنية مطلعة إلى الإعلام ذكرت أن ما غلب على لقاءات وزير الخارجية الأمريكي في عمان كان بخصوص “الاعتراضات الأردنية في ما يتصل بخطة الإملاءات الأمريكية في الملف الفلسطيني المعروفة بـ (صفقة القرن) ”.
ومن العراق محطته الثانية في جولته صرح الوزير بومبيو من العاصمة بغداد يوم الأربعاء التاسع من كانون الثاني/ يناير قائلا:”من المهم بذل كل ما في وسعنا للتأكد من سلامة أولئك الذين قاتلوا معنا”. كما صرح من أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، مؤكدا على أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “قد قدم ضمانات بعدم الاعتداء على الأكراد وهو يقدر أننا نريد التأكد منها”. وأضاف:”سنحقق تقدما حقيقيا في الأيام المقبلة”. لكن اللطمة التركية جاءت في غضون ساعات ردا على تصريحات وزير الخارجية الأمريكي من أربيل، إذ نفت تركيا بشكل قاطع أنها قدمت التزاما لترامب بخصوص تعهدها بضمان أمن “وحدات حماية الشعب” الكردية، ليس هذا فحسب، بل شن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هجوما لاذعا على وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون الذي رفض استقباله لأنه ربط بين الانسحاب الأمريكي والضمانات للمقاتلين الأكراد.
وفي محطته الثالثة في جولته شن بومبيو في كلمته التي ألقاها في الجامعة الأمريكية في القاهرة هجوما واضحا ضد إيران وأذرعها العسكرية في المنطقة، وخاصة (حزب الله) وقد قُرِئ الأمر من بعض المحللين السياسيين على أنه محاولة لتحسين صورة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وطمأنة الإسرائيليين بأن أمريكا ستعمل على أن يحتفظ كيانهم بالقدرات العسكرية التي تمكنه من الدفاع عن نفسه ضد (النزعة العدوانية المغامرة للنظام الإيراني). من جهته أطلق الإعلام الرسمي المصري تصريحات غائمة وتكلم في عموميات بدون الدخول في تفاصيل الأمور، فقد ذكرت جريدة “الأهرام” الحكومية الرسمية أن “من ثوابت العلاقات الدولية حاليا، التي يقر بها الجميع، أن العلاقات بين القاهرة وواشنطن لا تصب فقط في مصلحة الطرفين، بل في مصلحة المجتمع الدولي كله. ومن البديهيات الأولية أن مصر كانت ومازالت ولسوف تظل رائدة في محيطها وقوة إقليمية في منطقة الشرق الأوسط لا يمكن الاستغناء عنها. هذه الحقيقة أعاد تأكيدها وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو، الذي زار القاهرة ضمن جولته في منطقة الشرق الاوسط”.
ثم انتقل الوزير الأمريكي من القاهرة إلى البحرين، محطته الأولى في الخليج العربي في إطار جولته في الشرق الأوسط. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن الشراكة مع دول الخليج ضرورية من أجل حماية إمدادات الطاقة العالمية ومحاربة “الإرهاب الإسلامي الراديكالي” بالإضافة إلى “مواجهة العدوان الإيراني”. وقد التقى بومبيو في غداء عمل ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة وولي العهد سلمان آل خليفة ووزير الخارجية خالد بن أحمد آل خليفة. وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية أن “مجلس تعاون خليجي متحد هو حجر الأساس للسلام الإقليمي والازدهار والأمن والاستقرار، وهو ضروري لمواجهة أكبر تهديد للاستقرار الإقليمي وهو النظام الإيراني”.
لينتقل بعد المنامة إلى دولة الإمارات العربية محطته اللاحقة حيث التقى بومبيو ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان في خامس محطة له ضمن جولته الشرق أوسطية. ونقلت وكالة الأنباء الإماراتية (وام) أن محمد بن زايد استقبل بومبيو في أبو ظبي واستعرض معه مجالات التعاون وتنميتها بما يخدم المصالح الاستراتيجية للبلدين. وحسب المصدر ناقش الجانبان “عددا من القضايا والمستجدات الإقليمية والدولية إضافة إلى تعاون البلدين في إرساء دعائم الأمن والاستقرار في المنطقة” بدون مزيد من التفاصيل.
أهم المحطات
ثم تأتي أهم المحطات في جولة الوزير الأمريكي وقد تمثلت بزيارته للعاصمة القطرية الدوحة حيث أعلن عن توقيع مذكرة تفاهم لتوسيع الوجود الأمريكي في قاعدة العديد الجوية في قطر، مشددا على أن القاعدة تعد مفتاح الأمن الدفاعي الأمريكي. وقال بومبيو في مؤتمر صحافي مع نظيره القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في الدوحة إن “قطر صديق قوي للولايات المتحدة الأمريكية، ونحن نقدر ذلك”. وأضاف “توصلنا لاتفاقيات عدة تعمق علاقاتنا المتبادلة، ركزنا أولا وقبل كل شيء على شراكتنا الأمنية والدفاعية”، متابعا “وقعنا مذكرة تفاهم جديدة حول توسيع وجودنا في قاعدة العديد الجوية والتي بدأنا مناقشتها العام الماضي”. وأكد وزير الخارجية الأمريكي على دور قطر في مكافحة الإرهاب، لافتا إلى أن التجارة بين البلدين تشهد ازدهارا، مؤكدا “نتطلع إلى مزيد من التعاون ونحن على أبواب كأس العالم 2022”.
كما صرح وزير الخارجية بومبيو في الدوحة قبل توجهه إلى الرياض: “سنواصل الحديث مع ولي العهد والسعوديين لضمان أن تكون المحاسبة كاملة في ما يتعلق بجريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي غير المقبولة”. وأكد أن بلاده تريد “امتلاك كلّ الوقائع” بشأن مقتل الصحافي، مضيفا “أنّ واشنطن تريد التأكد من محاسبة المسؤولين عن الجريمة من قبل السعوديين ومن قبل الولايات المتحدة أيضا”.
أما فيما يتعلق بالأزمة الخليجية فقد قال الوزير الأمريكي في مؤتمر صحافي مع نظيره القطري: “في ما يتعلق بمجلس التعاون الخليجي فنحن جميعا أقوى عندما نعمل معا حين نواجه تحديات مشتركة في المنطقة وحول العالم”. وحسب بومبيو فإن “الخلافات بين الدول التي تملك هدفا مشتركا غير مفيدة”. وأعرب عن أمله في أن “تزيد الوحدة بين دول مجلس التعاون الخليجي في الأيام والأسابيع والأشهر” المقبلة.
أما الخطوة التالية في جولة بومبيو فهي العاصمة السعودية الرياض التي التقى فيها عادل الجبير وزير الدولة للشؤون الخارجية كما التقى الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد محمد بن سلمان. وقد نقلت السفارة الأمريكية في الرياض عن وزير الخارجية بومبيو قوله: “كان لقاءً مثمرا مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ناقشنا فيه العديد من القضايا، بما في ذلك اليمن، وإيران، وأفغانستان”. وأضاف “أعبر عن امتناني لدعم السعودية للعملية السياسية للأمم المتحدة في اليمن وعملية السلام في أفغانستان”. كما جاء في بيان لوزارة الخارجية الأمريكية أن بومبيو شدد خلال لقائه وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير، على “ضرورة أن تواصل السعودية تحقيقها حول مقتل خاشقجي من أجل محاسبة جميع المسؤولين”.
وكانت المحطة الأخيرة التي زارها بومبيو هي سلطنة عمان التي وصلها الاثنين 14 كانون الثاني/يناير وقد بحث مع السلطان قابوس بن سعيد قضايا المنطقة ومنها اليمن وسوريا وإيران. وأكد على حشد التأييد لقمة عالمية من المقرر عقدها في وارشو يومي 13 و14 شباط/فبراير، وستتركز على الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط بما في ذلك “ضمان ألا يكون لإيران نفوذ مزعزع للاستقرار”.
وكانت مسقط هي الوجهة الأخيرة التي زارها بومبيو خلال جولته الشرق اوسطية التي قطعها لحاجته للعودة إلى الولايات المتحدة لحضور جنازة عائلية وفقا لما ذكره متحدث باسم الخارجية الأمريكية. وكان من المقرر أن يزور الكويت لكن الزيارة تأجلت إلى وقت لاحق. من كل محطات جولة بومبيو الشرق أوسطية يمكننا ملاحظة أن الموضوعات التي تمت مناقشتها تمحورت حول مواجهة التمدد الإيراني، لكن الواقع على الأرض لم يفرز شيئا جديدا وبشكل خاص في مسألة الانسحاب الأمريكي من سوريا، بل زادت تغريدات ترامب، الأخيرة المتضاربة، الطين بلة وجعلت الأمر أكثر تشوشا، مما يعني بشكل واضح أن الكثير من أهداف جولة بومبيو لم يتحقق، ليظل المراقبون ينتظرون ما سيسفر عنه مؤتمر وارشو منتصف فبراير/شباط المقبل.