جولة بومبيو: تطبيع المطبّع وإغواء المهرول

حجم الخط
11

استهل وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو جولة في الشرق الأوسط ابتدأها باجتماع مع رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ويتابعها بمحطات في السودان والبحرين والإمارات، يبحث خلالها تطبيع العلاقات بين دولة الاحتلال وهذه الدول العربية وسواها. وفي القدس المحتلة طمأن بومبيو حلفاء بلاده الإسرائيليين بأن الولايات المتحدة «ملتزمة قانونا بضمان التفوق العسكري النوعي» الإسرائيلي، وذلك رداً على مخاوف هؤلاء من احتمال موافقة واشنطن على تزويد الإمارات بمقاتلات متطورة من نوع ف ـ 35.
ولم يكن بومبيو بحاجة إلى تأكيد ما هو مؤكد ومعروف وثابت منذ عقود طويلة، لجهة انحياز الإدارات الأمريكية إلى توطيد القوة العسكرية القصوى لدولة الاحتلال، بصرف النظر عن علاقات واشنطن مع دول أخرى تابعة أو موالية للولايات المتحدة، وسواء أبرمت اتفاقيات سلام وتطبيع علنية مع الاحتلال أم فعلت ذلك سراً وعبر أبواب مواربة. ومن هنا فإن ما تردد عن اعتراض نتنياهو على الصفقة الـ ف ـ 35 المتوقعة مع الإمارات قد لا يتجاوز لعبة إعلامية تستهدف مخادعة الرأي العام الإسرائيلي.
ولعل هذا هو الدرس الأول الذي يتوجب أن يتبصر فيه المسؤولون السودانيون عند اجتماعهم مع بومبيو واستماعهم إلى المغريات التي سوف يقدمها لقاء سعي الخرطوم إلى التطبيع مع تل أبيب، خاصة وأن هذه هي أول زيارة لوزير خارجية أمريكي منذ عقود، وأن جدول المباحثات سوف يشمل أيضاً دراسة المرحلة الانتقالية وأشكال الدعم التي يمكن أن توفرها واشنطن أو تتوسط في ضمانها لدى مؤسسات أممية مثل صندوق النقد الدولي.
ولقد سبق لرئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان أن اجتمع مع نتنياهو في أوغندا، مطلع شباط/ فبراير الماضي، كما ترددت أنباء عن اجتماع محمد حمدان دقلو نائب البرهان وقائد قوات الدعم السريع مع رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين بترتيب من أبو ظبي، فما الذي جناه السودان من هذه الهرولة؟ الراسخ هو أن لدولة الاحتلال الأولوية المطلقة لدى البيت الأبيض، ومصالحها مسألة لا مساومة فيها، وبالتالي فإن مكاسب السودان من أي تطبيع لا يمكن أن تمرّ إلا عبر هذه البوابة.
محطة البحرين ليست تحصيل حاصل فقط، بل هي أيضاً بمثابة مكافأة علاقات عامة ضئيلة لنظام تابع وخاضع لعاصمة التطبيع الأولى في الخليج، أي السعودية. وسبق للمنامة أن قطعت خطوات ملموسة وصريحة على درب التطبيع، شملت السياسة والدبلوماسية والاقتصاد والسياحة والثقافة، وبالتالي لن يبذل بومبيو أي جهد في إقناع حكامها بمغانم السير في ركاب المطبعين. ومثلها سوف تكون محطة أبو ظبي، مع فارق واحد على الأقل هو تتويج الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي بوضع البصمات الأخيرة على مراسم إتمامه وقطف مكاسبه السياسية والدعائية لدى اثنين على الأقل من كبار الرابحين منه، أي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس حكومة الاحتلال.
وضمن المساق ذاته سوف يشرع جاريد كوشنر، مستشار ترامب وصهره ومهندس ما يسمى «صفقة القرن» في جولة مكملة بعض محطاتها سوف تصادق على تطبيع المطبعين، وبعضها الآخر يسعى إلى إغواء دول أخرى تبدو مهرولة إلى التطبيع، ولكن دائماً تحت السقف الأول والأهم، أي خدمة دولة الاحتلال وضمان تفوقها النوعي.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول د حسن:

    سقطت آخر جدران الحياء وها هم المهرولون يقفون في الطوابير كل ينتظر دوره لتقبيل حذاء قتله أطفال فلسطين رحم الله نزار قباني

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية