كثيرة هي الاتهامات التي يمكن توجيهها لبوريس جونسون بوجه حق، إلا أنه لا سبيل إلى اتهامه بأن مسئم مضجر أو ثقيل الظل. ذلك أن الرجل يتقد حيوية وتغلب على طبعه الظرافة وذرابة اللسان. وقد كان هذا من أسباب شعبيته وفوزه في الانتخابات عمدة للندن ثم رئيسا للحكومة. إنه شخصية “كالارفول”، حسب النعت الإنكليزي الذي سبق للصحافي الفذ أحمد بهاء الدين أن لاحظ أنه لا معادل له في لغتنا. ومن علامات ماركة جونسون المسجلة أن يتشعب به الحديث في استطرادات متعرجة تتخللها عبارات أو تسطيحات “مثيرة للجدل” (حسب الوصف الفضفاض الذي يكثر استخدامه في الخطاب الإعلامي الأنغلوساكسوني) لأنها مدموغة بختمه الأيديولوجي اليميني الشعبوي الذي لا يخلو من استعلاء طبقي أو عنصري. أما إذا “حكمت النكتة” فإنه لا يعصي لها أمرا بل ينساق معها إلى منتهاها، كلفه ذلك ما كلفه من توبيخات الليبراليين والحقوقيين.
وكان قد تعرض لما كان عضوا في مجلس العموم لانتقادات بسبب مشاركته المنتظمة كل أسبوع في برنامج البي بي سي التلفزي الفكاهي “عندي أنباء لكم”، باعتبار أن هذا لا يليق بأي برلماني جاد، فلم يعبأ ولم يرف له جفن. بل إنه مضى في المرح والدعابة إلى حد نشر كتاب جمع فيه بعض مقالاته الصحافية وخطاباته السياسية ووسمه بعنوان ضاحك غامز: “عندي آراء لكم”. ولأن الطبع غلاب فإنه لا يكاد يمضي أسبوع إلا وأتحفنا رئيس الحكومة بقولة أو هبة من تلك الهبات الغريبة “المثيرة للجدل”.
هكذا أخذته فورة الحماس قبل أيام فجرّأته على الإيغال في مجاهل المقارنات العجيبة إلى حد عقد صلة شبه بين حرب المقاومة التي يخوضها الشعب الأوكراني ضد الغزو الروسي، وتصويت أغلبية الشعب البريطاني بالخروج من الاتحاد الأوروبي! بدأ جونسون خطابه بداية معقولة: ندد بالغزو الروسي لأوكرانيا قائلا إن العالم يواجه الآن لحظة الحقيقة، لحظة وجوب الاختيار بين الحرية والقمع. ونبه الى أن بعض الأطراف تتذرع بما تسميه الريالبوليتيك لتبرر زعمها بأن من المصلحة التوصل إلى تسويات مع أنظمة الاستبداد. ثم أضاف: وأعرف أن من طبع شعب هذه البلاد (بريطانيا)، مثله في ذلك مثل شعب أوكرانيا، أن يختار الحرية في كل مرة. وهنا بالضبط جنح الرجل فجأة إلى شواذ المقاربات، فقال: عندما صوت البريطانيون بأعداد غفيرة لصالح البركسيت فإن ذلك لم يكن، في ما أرى، بسبب أنهم معادون للأجانب بأي وجه، بل بسبب رغبتهم في أن يكونوا أحرارا في إدارة شؤونهم وفي أن تستطيع هذه البلاد حكم ذاتها بذاتها.
يبدو أنه سيأتي لهذه البلاد في كل عقد جديد مليونا مهاجر من خارج الاتحاد الأوروبي (..) لهذا صار من المقبول، حتى لدى الأوساط اليسارية، أن نلفت الانتباه إلى الخطر الذي تمثله الهجرة على أسلوب الحياة البريطانية
وبالطبع أثارت هذه المقارنة استنكارا واسعا حتى بين أنصار جونسون، ذلك أنها توحي بأن الاتحاد الأوروبي نظام استبدادي يجدر التحرر منه (!) وبأن التصويت في استفتاء ديمقراطي يساوي بذل الروح في معارك المقاومة. كما أنها تقفز على حقيقة ساطعة تنقض إيديولوجيا البريكست نقضا، هي أن أوكرانيا التمست الشهر الماضي من بروكسل قبولها عضوا في الاتحاد الأوربي!
وقد أجاد المعلقون والساسة، بمن فيهم المخضرم الحصيف مايكل هازلتاين، الذي كان صاحب الفضل في إسقاط مارغريت تاتشر، في تبيان تهافت أساطير جونسون المقارنية هذه. إلا أن من يعرف حقيقة موقف الرجل من الأجانب عموما لن يستغرب مثل هذه المقارنات على شذوذها. من ذلك أنه روى، في خطاب لمركز دراسة السياسات يوم 25 مارس/آذار 2004، ما يلي: “كان جد أبي سياسيا تركيا رومانسيا يدير مجلة محافظة صغيرة ولكن متميزة. وقد انتهت حياته السياسية بسلسلة من القرارات التي كانت رومانسية، ومحافظة بكل تأكيد، لكنها غير حكيمة، بل ومتهورة في بعض الأحيان. وكان أشدها تهورا أنه قرر، لما كان وزير داخلية في حكومة آخر سلطان عثماني، تحمل مسؤولية التوقيع على الأمر باعتقال مصطفى كمال أتاتورك (..) وبعيد ذلك بفترة وجيزة، وبينما كان عند الحلاق، عدت عليه الجموع ضربا حتى الموت وعلقته على شجرة. لهذا أتى جدي، الذي كان اسمه الأصلي عثمان علي، إلى هذه البلاد طلبا لما يسمى اليوم باللجوء. أقول كل هذا لأبرهن أنه رغم أني بريطاني، ويسري في عروقي من الدم الإنكليزي أكثر بكثير مما يسري من الدم التركي، فإن لدي استعدادا للتعاطف مع أولئك الذين قدموا الى هذه البلاد، خوفا على حياتهم أم غير ذلك، بنية بدء حياة جديدة. لكن سبب تخوفنا الحالي من اتساع نطاق الهجرة وتسارع وتيرتها هو، لنقل ذلك بوضوح يقارب الفظاظة، إن مهاجري اليوم لا يندمجون بمثل وبقدر ما اندمج مهاجرو الأمس (..) يبدو أنه سيأتي لهذه البلاد في كل عقد جديد مليونا مهاجر من خارج الاتحاد الأوروبي (..) لهذا صار من المقبول، حتى لدى الأوساط اليسارية، أن نلفت الانتباه إلى الخطر الذي تمثله الهجرة على أسلوب الحياة البريطانية”.
٭ كاتب تونسي
ان عدم الاندماج كارثة حقيقة حتى وان أنكرها وينكرها الكثير عن قصد او بدون قصد .
لانها ستؤدي مستقبلا حتمًا الى انقسام في المجتمع والدولة الواحدة .
انظروا الى الدول التي فيها انقسام في مجتمعها .
كالارفول له اكثر من معادل في اللغة العر بية فهي لغة ذات مرونة واسعة تستوعب فيها اي مصطلح او لفظ اجنبي فمن الالفاظ العربية التي تعادل لفظ كالارفول هو لفظ اريحي او جملة (حلو المعشر ) او خفيف الدم وغيرها كثير
جد بوريس جونسون هو التركي المسلم ! اذن بوريس هو الجيل الثالث الذي ذاب في المهجر وليس الخامس او العاشر !!! ربما هذا لن يحصل الا نادرا في زمن القرية العالمية الواحدة في هذا الزمان !!! وهذا ما يقلق الغرب كثيرا فيما يخص موجات المهاجرين وطالبي اللجوء !! فاوروبا يهمها تعويض نقص المواليد وفي نفس الوقت ان يكون هذا التعويض حاملا لنفس اللون الثقافي الغربي !!! ولكن اوروبا تفضل زيادة ايضا ان يحمل هذا التعويض لون البشرة نفسها التي تحملها شعوب اوروبا !!! حتى وان كان هذا ليس على بال النسوة اللائي يبحثن عن عرسان في خضم النقص الكبير في العرسان خلال سعيهن لتحقيق فطرة الامونة والاسرة التي اضعفتها القيم المادية !!!! بوريس جونسون اذن هو مثال ممتاز على هذه الوضعية !! ليس لانه فريد من نوعه فأمثاله كثيرون !! ولكن لأنه مثال واضح ومفصل على موضوع الهجرة والاندماج !!