عمان ـ ‘القدس العربي’ الإعلان قبل عدة أيام عن وجود أكثر من 500 أردني يقاتلون ضمن تنظيم جبهة النصرة في بلاد الشام لم يكن خطوة مفاجئة للسلطات المحلية أو للرأي العام، لكن اللافت أنه تزامن مع الإعلان الرسمي عن ولاء جبهة النصرة لتنظيم القاعدة بزعامة أيمن الظواهري.
والنسخة الأردنية من الإعلان أعقبت رسالة على الهاتف الخلوي لناشطي التيار السلفي الأردني الجهادي وصلت لـ’القدس العربي’ وتحدثت عن اعتصام احتجاجي للسلفيين أمام رئاسة الوزراء بسبب مماطلات السلطة في الإفراج عن قيادات التيار الجهادي المحتجزين بدون تهم حقيقية وبدون محاكمات عادلة كما يشرح لـ ‘القدس العربي’ محاميهم موسى العبدللات.
بالنسبة لمعارض شرس جدا في الإعلام الأردني للنظام السوري الحالي مثل عريب الرنتاوي بدأت تتشكل ملامح الهلال الشامي الجديد لتنظيم القاعدة بعد احتشاد أكثر من 12 ألف مقاتل جهادي في سورية يدينون بالولاء جميعا لتنظيم القاعدة وانكشاف هوية العلاقة بين تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين وجبهة النصرة التي اعتبرها التنظيم امتدادا له.
تنظيميا يعني ذلك أن قيادة خلايا القاعدة في الأرض السورية تدار وتقاد من خلال الهرم التنظيمي في العراق.
أما القاعدة اللوجستية المساندة فعلى الأرجح يوفرها الجهاديون الأردنيون الذين لا يخفون وجود تفاهمات غير مكتوبة معهم في الماضي وفقا للعبدللات تقضي بالامتناع عن العمل الجهادي في الساحة الأردنية مقابل تمكينهم من مساعدة أشقائهم في العراق وبقية دول المنطقة.
مصدر أمني أردني تحدث لـ’القدس العربي’ فأشار إلى أن الخارطة التي تضطر السلطات المحلية للنظر فيها وتحليلها تشمل شخصيات نشيطة في الجبهة الجهادية تظهر في مخيم الزرقاء في الأردن أو في مدينة معان جنوبي البلاد ويتبين أن لها صلة بشخص ما أو عمل ما في مالي وسط إفريقيا أو في أفغانستان ناهيك عن لبنان وحتى قطاع غزة والعراق في بعض الأحيان.
إنه قوس عالمي حقيقي وجديد عابر للقارات في الواقع ـ هذا ما يقوله المصدر الأمني الأردني وهو يوضح : السيطرة تصبح صعبة ومعقدة أمام خارطة من هذا النوع والمراقبة تصبح أصعب وفي بعض الأحيان فاشلة خصوصا بعد التغاضي الجماعي عن ظاهرة المقاتلين الجهاديين في سورية منذ اندلع النزاع السوري على قاعدتين: تحشيد المقاتلين في وجه بشار الأسد والتخلص من المتشددين المحليين ثانيا.
على هذا الأساس يلاحظ المحامي العبدللات بان غياب العدالة القانونية عند التعاطي مع الموقوفين على ذمة التحقيق من السلفيين الأردنيين ساهم في توجه العشرات من الشباب الأردنيين للجهاد في سورية والمعاملة الأمنية القاسية جدا وغير المبررة ينتج عنها الاحتقان وقد تعود بالضرر على البلاد.
العبدللات يحذر: النظام الأمني والقضائي في الأردن لا يتعامل بعدالة مع السلفيين الجهاديين الذين أظهروا انضباطا في الساحة المحلية وحرصا على الأمن والاستقرار فيما جازف بعض الذين يميلون للتصعيد معهم باسم السلطة وهي سلوكيات غير حكيمة إطلاقا.
والرنتاوي قال علنا قبل ذلك ان عدة دول معتدلة في المنطقة تراخت حدوديا مع اندفاعة المقاتلين المجاهدين تحت سحر شعار إسقاط بشار الأسد بسرعة وبعض الدول الأوروبية ساهمت في التسليح والتدريب والحدود فتحت امام السلاح القادم من ليبيا وكانت النتيجة تحشيد ‘الإرهابيين’ في سورية.
لذلك يبدو الموقف معقدا فرئيس اللجنة الأردنية للدفاع عن المعتقلين والموقوفين الإسلاميين الشيخ محمد خلف الحديد يرى أن الإرهاب الحقيقي هو ما يمارس ضد الشعب السوري وأن الأردنيين الذين يتوجهون للقتال في سورية يتفاعلون مع أخوتهم وأهلهم ويجاهدون في سبيل ألله.
‘القدس العربي’ استمعت عدة مرات للحديد وهو يحذر السلطات المحلية من المغامرات المراهقة لبعض المسؤولين الذين يبالغون في المعاملة القاسية لقادة ومشايخ السلفيين ويقول: لا تسألوا كيف يدخل تنظيم القاعدة لقلوب الناس بدون مراقبة ما تفعله الاستخبارات الأمريكية وأجهزة المخابرات العربية التابعة لها في الناس.
لذلك لا ينفي الحديد ومعه عشرات المراقبين وحتى المسؤولين أن عمان عالقة تماما في المعادلة التي توحي بأنها قدمت مساهمة فعالة في تحشيد المقاتلين الجهاديين داخل سورية بالمشاركة مع تركيا، وأن عدد الأردنيين الذين يظهرون باسم تنظيم النصرة في سورية أو يتحركون في الأردن باسمه أيضا يتزايد رغم الضربات الأمنية.
يحصل ذلك فيما تعتقد أوساط رسمية وأمنية بأن وجود العشرات من ناشطي الجهاد والنصرة في صفوف اللاجئين السوريين في الأردن من بين الاحتمالات الواردة في الوقت الذي لا يسمح فيه تشدد السلطات باعتقال قادة التيار الجهادي وتوقيفهم ومعاملتهم داخل السجون بتكريس وتثبيت تفاهمات سابقة معهم بأن تبقى الساحة المحلية بعيدة عن الاعتبارات الجهادية والقتالية خصوصا مع عدم وجود مبررات.
على هذا الأساس يتحدث القيادي السلفي محمود الشلبي ـ أبو سياف – عن توقيفات مستمرة وغير مبررة لرفاقه في السجون المحلية ويقول المحامي العبدللات إن موكله الشيخ أبو محمد الطحاوي موجود للشهر الخامس بدون تهمة في التوقيف وجلسات المحاكمة تسير ببطء وحالته الصحية سيئة جدا والسلطات ترفض الإفراج عنه وتعاقبه لإنه تغيب معذورا عن إحدى الجلسات.
بنفس الطريقة يتم التعامل مع القيادي البارز الدكتور سعد الحنيطي، فيما منع حسب العبدللات أبرز منظر للسلفية الجهادية الشيخ أبو محمد المقدسي من حضور عزاء زوجته ويتم عزله بالسجن في مسلسل تصرفات مخالفة للقانون وتصيب الشباب السلفيين بسور من الإحباط والاحتقان.
مثل هذه التظلمات والشكاوي للسلفيين الأردنيين قد تكون عادية لكن من الواضح أنها تعيد إنتاج تفاهمات سابقة مع السلطات وإن كانت لا تمنع بحال من الأحوال استمرار تدفق الجهادين الشباب لداخل سورية واستمرار إقامة أعراس الشهداء في الأردن، فهذه المظاهر مستمرة رغم انقلاب السلطات على السلفيين ورغم احتجاز العشرات منهم.