نابلس- قيس أبو سمرة: رغم مرور نحو 450 عاما على تشييد “خان التجار”، بمدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية، إلا أنه ما يزال ينبض بالحياة حتى اليوم، ويعج بقاصدي متاجر الملابس والأحذية لاسيما في شهر رمضان المبارك.
وحسب شاخصة، نُصبت على جدار مدخل السوق، فقد شيّد الوزير العثماني قره مصطفى باشا (1500-1580)، الخان في عام 1569، على غرار سوق الحميدية في العاصمة السورية دمشق.
والآن، يعد خان التجار، الذي يضم عشرات المحال التجارية، واحد من أشهر أسواق الضفة الغربية المحتلة.
ولا يزال المبنى المسقوف على الطراز الإسلامي (على شكل أقواس)، يحمل ذات البصمة، وتحتفظ جدرانه بنقوش عثمانية.
ويعج السوق في النصف الثاني من شهر رمضان بالمتسوقين الراغبين في شراء ملابس العيد؛ حيث تعرض الملابس والأحذية.
وتمتاز دكاكين الخان بالبناء القوسي القديم، المشيدة من الحجارة والطين، يعلوها مساكن لعائلات نابلسية.
ويقول عبد الفتاح دروزة (70 عاما) الذي يعد واحدا من أقدم تجار الخان، ويلقبه زملائه بـ”مختار الخان”، إن جذور الخان “ضاربة في أعماق الأرض”.
وأضاف: “خان التجار عنوان على حضارة الدولة العثمانية في فلسطين عامة ونابلس خاصة”.
وورث دروزة دكانه عن والده، مضيفا: “منذ طفولتي وأنا أعمل في الخان”.
ويقول إنه يشكّل أهم مركز تجاري في مدينة نابلس وحتى في الضفة الغربية، مكملا: “من يزور نابلس لا بد له أن يزور خان التجار”.
وتابع: “البضاعة هنا ذاتها التي تًعرض في المحال الحديثة في المدينة لكن الأسعار هنا شعبية (مناسبة لعامة الشعب)”.
ويُمثّل الخان لدروزة “الحياة والتاريخ الذي يعشقه، وإرث الأجداد”.
ويقول: “الخان إرث تركي عثماني قديم، نعتز به، ونأمل الاهتمام بإعادة ترميمه”.
وبجوار دكان دروزة نقوش عثمانية، ما تزال حتى اليوم ظاهرة للعيان، لكنه يتنهد بعد أن أشار إلى مكان حجر قديم أزيل قبل عدة سنوات ليلا من قبل مجهولين. ويردف: “هنا كان نقش يحمل توقيع السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، سُرق ولا نعلم أين ذهب؟، هناك من له مصلحة بطمس التاريخ”.
ويؤكد تجار في الخان صحة رواية دروزة.
وخدم والد وجد دروزة في الجيش العثماني. وعن هذا يقول: “نفتخر بارتباطنا بالدولة العثمانية، خدم والدي في الجيش التركي، وقبله جدي”.
ويتفرع عن الخان، الموجود في البلدة القديمة بنابلس، عدة أسواق، كسوق الحدادين، وسوق النجارين، وسوق البصل، وسوق شارع النصر، وغيرها.
بدوره يقول عامر حسيبا (أحد تجار الخان)، إنه توارث دكانه من أجداده، الذين اشتروه قبل مئات السنين منذ عهد الوزير العثماني قره مصطفى باشا.
ودكان حسيبا كبقية دكاكين الخان، لا تتعدى مساحته الـ20 مترا مربعا، لكنه المصدر الوحيد الذي يعتاش منه.
وقال حسيبا للأناضول: “الخان عَلم رئيسي في مدينة نابلس، ومركز تجاري هام”.
وأضاف: “كل ما يحتاج المتسوق يجده في أسواق نابلس، وبأسعار شعبية”.
وأشار إلى أن موسم الأعياد فرصة كبيرة للتجار لتحقيق الأرباح؛ حيث يعج السوق بالمتسوقين الباحثين عن احتياجاتهم.
ويقول زاهر عبد الجليل، بينما كان يتسوق من أحد دكاكين الخان، إنه يمتاز بتنوع البضاعة الموجودة فيه، وبأسعار شعبية مقارنة مع المحال التجارية الحديثة.
وأضاف عبد الجليل: “منذ الصغر تعودنا على التسوق في خان التجار (..) إنه يمتاز أيضا بقدمه، وببنائه القديم المسقوف”.
ويطلق البعض على السوق اسم “السوق المسقوف” أو “سوق السلطان”.
ولا يتعدى الطريق المخصص للمارة بثلاثة أمتار، وفي أيام السبت من كل أسبوع، وأيام الأعياد يكتظ بالمتسوقين.
وتحتوي البلدة القديمة في نابلس على معالم دينية، مسيحية وإسلامية، وسامرية (طائفة من بني إسرائيل)، وأسواق قديمة، وفندق، وخانات، وحمامات تركية، وأعين ماء (سُبل)، وساحات، يتوسطها “برج ساعة”، شُيّد في العهد العثماني.
وتعد نابلس، من أقدم مدن العالم ويعود تاريخ بنائها إلى 5600 سنة (حوالي سنة 3600 ق.م)، حسب العديد من المصادر التاريخية.
(الأناضول)