دمشق – «القدس العربي» : مع تسلّم الكيان الإسرائيلي، بمساعدة الروس، «جثمان» الجندي زخاريا باومل، من نظام بشار الاسد، مطلع نيسان / أبريل الجاري، توقع معارضون وموالون سوريون ان تكون بقايا عظام المقاتل، عربوناً صريحاً على التطبيع والعمالة، ولكن، وبالرغم من تهميش موسكو لموقف النظام السوري من حساباتها، الا ان الأخير رضي بانتهاز فرصة الانتخابات الإسرائيلية، في محاولة لكسب الود وتحجيم الاستهداف والاعتداءات، بيد ان الهدية الروسية، لم تؤت أوكلها، فقد هزت انفجارات عنيفة مواقع عسكرية وسط سوريا، نجمت عن غارات إسرائيلية، استهدفت فجر الاحد، مصنعاً لصواريخ «زلزال 2» الإيرانية، التي تحمل رؤوساً حربية تصل إلى نصف طن مع إمكانية تطوريها وتحسين دقتها ومداها.
التواطؤ، ورضوخ نظام الحكم في سوريا، عمّق الشرخ بينه وبين الحاضنة الشعبية المؤيدة، التي ترى ان الطرفين الروسي والإسرائيلي متفقان على تقديم الدعم الناري لكليهما في الأراضي السورية، اذ يجمعهما هدف إخراج الجانب الإيراني، وهو ما يترجمه عدم تفعيل الأسلحة ومنظومة الدفاع الجوي المتطورة ضد الطائرات الإسرائيلية، فيما يرى معارضون سوريون ان هجمات الكيان الصهيوني هو في سياق السياسة الإسرائيلية التي ترفض منح إيران استقراراً في الأراضي السورية، التي ينتظرها تصعيد إسرائيلي أوسع بموافقة موسكو.
ضابط سابق في «النظام»: كوادر في الجيش تتبادل التهاني بعد ضرب مواقع إيرانية
وكشف موقع «إنتل تايمز» الإسرائيلي أن الهجوم نفذ بواسطة صواريخ موجهة عبر البحر على بعد 250 كليو متراً، وقال إن الهجوم الذي وقع فجرًا واستهدف عدداً من المباني في مدينة مصياف كان على ما يبدو موجهاً ضد تقنيات النقل والإمداد والصواريخ الدقيقة التي بنيت على أطراف المدينة في ريف حماة.
تواطؤ روسي
وأضاف أنه وفقاً للوثائق من الميدان فإن صواريخ إيرانية من نوع «زلزال 2» تم تدميرها خلال الهجوم بواسطة صواريخ كروز التي يصل مداها إلى حوالي 300 كيلومتر، موضحاً أن التلفزيون الإيراني كشف في أيلول/ سبتمبر 2018 عن مشروع لتطوير هذه الصواريخ، وتحسين قدراتها وتحويلها من صواريخ عادية إلى دقيقة. وأكد الموقع أن إيران استغلت الانتخابات الإسرائيلية وفرغت شحنتين في سوريا بواسطة طائرة تابعة للحرس الثوري الإيراني عبر مطار تيفور العسكري في سوريا.
وأثارت عودة القصف الإسرائيلي إلى الأجواء السورية بعد الهدية التي قدمها الأسد بأوامر روسية لنتنياهو، امتعاض الموالين للنظام، معتبرين ان العدوان على مواقع سورية في الشطر الشرقي من مدينة حماة «يقطع الشك باليقين بأن روسيا متواطئة حتى النخاع مع إسرائيل في استهداف سوريا وانتهاك سيادتها، مدللين على ذلك بانسجام الجانبين وتعاضدهما.
المحلل السياسي والضابط السابق لدى النظام السوري صلاح قيراطة قال ان «عدوان العدو بالامس على مواقع سورية في حماة يقطع الشك بأن روسيا متواطئة مع العدو» معتبراً تسليم النظام السوري منظومة الصواريخ المتطورة اس 300، لم يكن إلا «حركة استعراضية أتت في إطار حملة علاقات عامة أرادت روسيا من خلالها أن تعترض اعتراضاً مؤدباً على إسقاط طائرتها، في أجواء الساحل السوري، بسبب خديعة قام بها طيران العدو، وغرفة عملياته وقتها ليس إلا».
وفي رأيه، فقد «كانوا يحاولون إقناعنا بأن المنظومة لن تكون جاهزة للاستخدام، قبل نهاية آذار الماضي، و»ها قد مرَّ آذار وانتصف نيسان والسمعان ليس هنا»، فقد عاد طيران العدو ليعربد في اجوائنا ليل امس»، رغم تسليم رفات «القاتل الإسرائيلي، مكابرة، كبادرة حسن نية ربما يكون من شأنها وقف شن الإسرائيليين اعتداءاتهم في العمق السوري». وأضاف ان اكتفاء «قواتنا بالرد بالسلاح التقليدي المتوفر دون استخدام الحديث والمتطور هو تأكيد انه ليس لها أي استخدام على ما بات نظرياً جزءاً من منطومة الدفاع الجوي، وهذه إشارة صريحة للعدو إلى أن له أن يعربد ويعتلي اجواءنا ويمتطي كرامتنا ويمتهن سيادتنا متى وانّى شاء».
وأكد قيراطة أن القصف «يعمق الشرخ المعنوي بين النظام من جهة وكمٌ كبيرٌ جداً من المواطنين السوريين حيث شهدوا الأمرّين من بطولات في الداخل مع استخدام عتاد ربما لم يستخدم ضد (إسرائيل) كصواريخ (سكود مثلاً التي انطلقت من اللواء 155 في غير مرة لتدك العمق السوري، أم أن أبي لا يتمرّجل إلا على أمي».
وذكرت وكالة النظام الرسمية «سانا» أن وسائط الدفاع الجوي السورية تصدت لغارة إسرائيلية استهدفت أحد المواقع العسكرية بمصياف وأسفرت عن تدمير بعض المباني وإصابة ثلاثة عسكريين بجروح، فيما قالت وسائل إعلام موالية أن الطيران الإسرائيلي نفذ غارات على مواقع الجيش في مصياف، أدت إلى «تدمير بعض المباني» وإصابة 25 شخصاً.
القصف الإسرائيلي حسب المعارض السوري سمير نشار هو استمرار للسياسة الإسرائيلية لمنع استقرار إيران في سوريا، مضيفا لـ «القدس العربي» ان زيارة نتنياهو إلى موسكو كانت هي بهدف زيادة التنسيق والتوافق على الصعيدين السياسي والعسكري مع روسيا، معرباً عن اعتقاده بأن تشهد الساحة بعد الانتخابات الإسرائيلية تصعيداً عسكرياً كبيراً ضد إيران وبموافقة مضمرة من روسيا. وأضاف نشار، هذا التصعيد سيترافق ايضاً مع ضغوط أمريكية جديدة من خلال فرض حزمة جديدة من العقوبات القاسية الاقتصادية على إيران ، وعلى الأرجح ستتضمن إلغاء الاعفاءات التي منحتها امريكا لثماني دول لاستيراد النفط من إيران ، والتي تنتهي مدتها في السادس من أيار/مايو المقبل بحيث لا تتمكن إيران من تصدير نفطها، هذه الضغوط وكما ذكرت ستترافق مع ارتفاع وتيرة التصعيد العسكري من خلال التوسع في قصف المواقع الإيرانية في سوريا، احتمال كبير في خروج الوضع العسكري عن السيطرة في المرحلة المقبلة.
انسجام إسرائيلي – روسي
واعتبر ان من قدم الهدية لإسرائيل «رفات الجندي الإسرائيلي» هو روسيا وليس النظام، «فهي من فعلت ذلك دون حساب لموقف النظام السوري الذي يرتبط بالموقف الإيراني»، وهذه الهدية حسب المتحدث هي رسالة لإيران للدلالة على حجم تطور العلاقة بين روسيا وإسرائيل وسط تناقض المصالح بين حليفي الأمس روسيا وايران في سوريا، مضيفاً ان «النظام السوري ورئيسه بشار الاسد لم يعد صاحب قرار عندما يكون الامر قضية تباين في المصالح بين روسيا وايران».
وتعمل موسكو بشراكة إسرائيلية على اخراج القوات الإيرانية من سوريا، لذا فهي تمنع حسب المحلل السياسي صلاح قيراطة لـ «القدس العربي»، القوات السورية من استخدام التقنيات العسكري التي من شأنها أن تحدّ من هجمات على مواقع عسكرية مشتركة، سورية – إيرانية، مضيفاً «لا أفشي سراً إن قلت إن هناك قسماً لا يستهان به من الكوادر العسكرية في الجيش السوري تتبادل التهاني عندما يعلمون أن العدو استهدف مواقع ايرانية في الأراضي السورية، فإيران أنجزت مهامها وفق الخطة الإسرائيلية بالتمام والكمال بعدما مارست اكبر خطة خداع استراتيجي بعد الحرب العالمية متلاعبة بالقضية الفلسطينية ومعطية أبعاداً طائفية للمعضلة السورية».
اما النظامان السوري والروسي فهما يحضران «نعوة تفاهم سوتشي، الذي وقع في أيلول من العام الماضي والذي بموجبه تم تأخير عملية عسكرية حاسمة في شمال حماة وكامل محافظة إدلب وبعض قرى اللاذقية، والقصف الإسرائيلي يعطي المبرر للطرفين (السوري – الروسي) بالبدء بعملية ستكون جهنمية والذريعة طبعاً هو وجود مجموعات إرهابية لم تلتزم بما تم التوافق عليه بسوتشي، حيث يتم الاستثمار بالعدوان (الإسرائيلي) على أنه يشكل دعماً للجماعات المسلحة، وبالنسبة للقيادة السورية قال قيراطية انها تعمل «وفق زاوية رؤية منقطعة النظير حيث قبلت بأن تظهر في مكان (المفعول به) إلا انها تستفيد من الفاعلين (الروسي والإسرائيلي) لتحصد نتائج لو كانت في محل (فاعل) لما كان لها أن تجني هذه النتائج».