خبير أمريكي: يتعين على واشنطن إعطاء أولوية لردع الصين

حجم الخط
0

واشنطن: غالبا ما يفترض صانعو السياسة أن أمريكا تستطيع ردع الصين عن غزو تايوان، أو تحقيق النصر، إذا لم يفلح الردع. ولكن هذا لم يعد افتراضا آمنا. وقد لا تستطيع الولايات المتحدة ردع الصين خلال ما تبقى من هذا العقد، بل إن الأسوأ هو وجود فرصة حقيقية للهزيمة من الصين حال نشبت حرب بشأن تايوان.

وفي تحليل نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية، يعزو ألكسندر فيليز-غرين، كبير مستشاري نائب الرئيس لشؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية بـ “مؤسسة التراث”، هذا الوضع إلى إخفاق واشنطن بشكل مستمر في “إعطاء أولوية للاستثمار في قدرتنا على ردع الصين.

ويقول فيليز-غرين، الذي شغل في السابق منصب مستشار الأمن القومي للسيناتور جوش هاولي (الحزب الجمهوري-ولاية ميسوري): “ليس أمامنا خيار آخر، إذا ما كنا نريد تجنب خوض حرب مع الصين، أو تحقيق النصر، حال اندلعت الحرب”.

فيليز-غرين: ليس خافيا أن قدرة أمريكا على ردع الصين قد تآكلت، وأن مدى هذا التآكل ليس مفهوما على نطاق واسع.

ويتعين على أمريكا التركيز بشكل عاجل على تعزيز الردع في منطقة المحيطين الهندي والهادئ بزيادة الاستثمارات في المنطقة، حتى على حساب خفضها في أماكن أخرى، وقد لا يكون ذلك خيار واشنطن، ولكنها أمضت عقودا في تأجيل مثل هذه الاستثمارات “وحان الآن موعد دفع الفاتورة”. ويرى فيليز-غرين أن الإدارة الأمريكية في عهد دونالد ترامب وجو بايدن حددت الصين باعتبارها التهديد الأكبر للمصالح الأمريكية، ويقول إنه يتعين على واشنطن الحيلولة دون تحقيق بكين طموحاتها في الهيمنة على منطقة المحيطين الهندي والهادئ، “والأمر الأكثر إلحاحا هو أن هذا يتطلب تعزيز الردع ضد الغزو الصيني (المحتمل) لتايوان”. ويؤكد فيليز-غرين على أنه ليس خافيا أن قدرة أمريكا على ردع الصين قد تآكلت، وأن مدى هذا التآكل ليس مفهوما على نطاق واسع.

ولفت مؤشر القوة العسكرية الأمريكية لـ “مؤسسة التراث” العام الماضي إلى أن “المؤسسة العسكرية الأمريكية تواجه خطرا متناميا يتمثل في عدم قدرتها على تلبية متطلبات الدفاع عن المصالح الوطنية الحيوية لأمريكا”. وبشكل مماثل، خلصت مؤسسة “راند” العام الجاري إلى أنه “صار واضحا، على نحو متزايد، أن إستراتيجية الدفاع الأمريكية، ووضعها أصبحا في حالة إعسار”.

ورغم التحذيرات على مدار سنوات بشأن مكانة القوة الأمريكية، على سبيل المثال، تظل القوات متمركزة في عدد صغير نسبيا من قواعد العمليات الرئيسية بشمال شرق آسيا، مما قد يحفز الصين على توجيه ضربة استباقية، قبل أن تتفرق القوات الأمريكية. كما سيكون من السهل على الصين العثور على القوات الأمريكية والاشتباك معها.

كما أن القوات الأمريكية تخسر مكانتها في مجالات أخرى، ففي المجال الجوي، كمثال، سوف تمتلك القوات الجوية للصين ميزة عددية كبيرة بالقرب من تايوان. وإضافة إلى ذلك، فإن أجهزة استشعار التهديدات وقدرات المعالجة اللاحقة، وطائرات الإنذار المبكر والسيطرة المحمولة جوا، والمقاتلات الشبح، والصواريخ جو-جو بعيدة المدى، سوف تسمح لسلاح الجو الصيني برؤية وإطلاق النار على الطائرات الأمريكية.

وإضافة إلى ذلك، تواجه البحرية الأمريكية مشكلات، في حين تعد البحرية الصينية الأكبر في العالم، وتتسم بالنمو السريع، وكذلك ستجعل شبكة الصين الكثيفة من أجهزة الاستشعار والأجهزة الهجومية من الصعب على حاملات الطائرات الأمريكية والسفن الأخرى العمل بالقرب من تايوان.

ولا تزال الغواصات الأمريكية أفضل من الصينية، ولكنها قد لا تكون قادرة على تحقيق استفادة تامة من ميزتها النوعية بسبب النقص المحتمل في الطوربيدات، والقيود على عدد الغواصات الهجومية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، خاصة في المرحلة الأولى من الحرب.

ويتردد أن القوات الأمريكية تعاني عجزا مماثلا في قدرات الحرب الإلكترونية، في حين إن الصين لديها أكبر مجموعة من القراصنة الذين تدعمهم دولة في العالم.

أما الأفق النووي، فهو يزداد قتامة، حيث تستثمر الصين بقوة في قواتها النووية، بما في ذلك قوات يمكن توظيفها لتحقيق تأثير عملياتي، مما سيفاقم الصعوبات التشغيلية أمام القوات الأمريكية.

ويرى الخبير فيليز-غرين أن التحديات التي تواجه القوات الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ خطيرة، غير أنه لا يجب رؤيتها على أنه لا يمكن التغلب عليها. وربما لم تعد أمريكا تحظى بالتفوق على الصين في معظم ميادين القتال، ولكن هذا النوع من التفوق ليس ضرورة قصوى. وكما قال إلبريدج كولبي، خبير الدفاع والمسؤول السابق بالبنتاغون، “هدفنا في حالة أي طوارئ تتعلق بتايوان دفاعي في الأصل، ولذلك لسنا بحاجة إلى الهيمنة على الصينيين. ما نحتاجه هو أن نتمكن من منعهم من غزو تايوان”.

وعلى الرغم من ذلك، لا تتحرك أمريكا بسرعة كافية لإنجاز هذا الهدف المحدود، وإلى حد كبير، يرجع ذلك إلى الافتقار إلى تحديد الأولويات: والأمر ببساطة هو أن الولايات المتحدة لم تستثمر بما يكفي لردع الصين.

ويؤكد فيليز-غرين أن “هذا ليس سلوك دولة تقف على شفا الحرب- وهزيمة محتملة- ضد عدو مسلح نوويا في أهم منطقة بالعالم”، مشيرا إلى عبارة “يتعين أن تسير الأمور بشكل أسرع”، التي رددها قائد القوات الأمريكية في المنطقة، الأدميرال جون أكويلينو. ولكن التحرك على نحو أسرع في هذه المنطقة يتطلب مزيدا من القوات، والأموال ورأس المال السياسي.

وفي ختام التحليل، يقول فيليز-غرين إن زيادة واسعة ومستدامة في الإنفاق الدفاعي تبدو أمرا غير محتمل في المستقبل المنظور. وعلى هذا، فإن التصدي للتهديد الذي تمثله الصين يتطلب إعادة تخصيص الموارد من بنود أخرى بموازنة الدفاع، وهنا يكمن جوهر تحديد الأولويات، كما سيتطلب الأمر أن تخفض أمريكا جهدها في مواقع أخرى وأن تعتمد، عوضا عن ذلك، على حلفائها وشركائها في هذه الأماكن.

وليس هناك شك في أن ذلك يشكل خيارا صعبا، ولكن لطالما قضت واشنطن سنوات وهي تتحاشى اتخاذ قرارات صعبة، مما نجم عنه “أننا نواجه خطرا حقيقيا يتمثل في مواجهة حرب، بل وحتى الهزيمة، في هذا العقد. ولا يجب أن نقبل هذا الخطر، ولكن السبيل الوحيد لتحاشيه- أو تقليصه بالقدر الممكن، على الأقل- هو أن نفعل أخيرا ما كان يتعين علينا أن نفعله دائما: إعطاء الأولوية لردع الصين”.

(د ب أ)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية